باتت قوات النظام السوري قرب الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، متقدّمة، بدعم من الطيران الروسي، اللاعب الأبرز في هذه المعركة، والتي تروج لها موسكو كمعركة استراتيجية للقضاء على تنظيم "داعش"، في وقت تواصل فيه "قوات سورية الديمقراطية" تقدّمها في مدينة الرقة، مع نجاحها بانتزاع 65 في المائة من المدينة من سيطرة التنظيم.
في هذه الأثناء، تتضارب المعطيات حول نجاح القافلة التي تقل مقاتلين من "داعش" وعائلاتهم، والتي كانت قد غادرت الحدود اللبنانية السورية قبل أيام، في الدخول إلى محافظة دير الزور، بعدما كان التحالف الدولي قد عرقل مسيرتها. فبينما قال ناشطون سوريون إن القافلة نجحت بالدخول إلى المحافظة، كان "حزب الله" ينفي ذلك، معلناً أنها لا تزال في منطقة خاضعة لسيطرة النظام. وتقل الحافلات نحو 300 مسلح من التنظيم و300 مدني، كانت قوات النظام و"حزب الله" قد منحاها ممراً آمناً بموجب اتفاق قضى بخروج عناصر التنظيم من المنطقة الحدودية مع لبنان.
في المقابل، قال "حزب الله"، في بيان أمس، إن طائرات حربية أميركية تمنع القافلة من التقدّم صوب المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم بعد مغادرة الحافلات لمناطق خاضعة للنظام السوري. وأضاف الحزب في البيان أن الطائرات الحربية تمنع أيضاً وصول أي مساعدات إنسانية إلى الحافلات. كذلك قال قيادي في التحالف العسكري الداعم للنظام السوري، وفق وكالة "رويترز"، إن "حزب الله" والنظام يبحثان عن طريق جديد لهذه القافلة. وأضاف أن العمل جارٍ لتغيير مسار القافلة للمرة الثانية. ونفى التقارير التي تحدثت عن أن المئات من هؤلاء وصلوا بالفعل إلى أراضٍ خاضعة لـ"داعش" في دير الزور. وكان التحالف الدولي قد أعلن أنه لن يسمح بتحرك القافلة شرقاً صوب الحدود العراقية.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال العميد الركن أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إن "غاية حزب الله هي سرقة نصر الجيش اللبناني، لذلك تدخّل في الاتفاق لتحويل النصر لصالحه"، معتبراً أن "مصلحة الحزب والنظام هي استمرار الإرهاب، لأن غياب إرهاب داعش يظهر ويعرّي إرهاب النظام وحزب الله". واعتبر أن التحالف الدولي لديه إحداثيات مكان وجود القافلة، لكنه استبعد أن تبقى في مناطق النظام، لأن العلاقة بين النظام والتنظيم قائمة على المصلحة المتبادلة ولا يوجد علاقة تنسيق بين الطرفين.
في غضون ذلك، وصلت قوات النظام السوري إلى الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور. وبثّت مواقع إخبارية موالية للنظام صوراً لجنوده مع من وصفتها بـ"القوات الرديفة"، تُظهر عدداً كبيراً من المقاتلين المدجّجين بالأسلحة، وإلى جانبهم لوحة عليها عبارة "دير الزور تشكر زيارتكم"، في إشارة إلى وصولهم إلى حدود المحافظة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قوات النظام بدعم من الطيران الروسي، تواصل تقدّمها باتجاه دير الزور لفك الحصار عنها، معتبرة أن السيطرة على المدينة التي يحاصر تنظيم "داعش" أجزاء واسعة منها، ستكون "هزيمة استراتيجية للتنظيم". وأضافت الوزارة أن "مسلحي داعش يتصدون ويحاولون منع تقدّم وحدات الجيش السوري، باستخدام كافة الأسلحة الثقيلة والمدرعات ومدافع الهاون". وحسب الوزارة، دمر سلاح الجوي الروسي خلال الـ48 ساعة الأخيرة، أهدافاً لتنظيم "داعش" في دير الزور، منها مستودعات ذخيرة، ومدرعات وسيارات وأسلحة، إضافة إلى استهداف موكب للتنظيم على طريق دير الزور-الرصافة، مؤلف من 12 شاحنة محملة بالذخائر والأسلحة.
ويسعى النظام بدعم روسي، إلى استباق الهجوم الذي تمهّد له "قوات سورية الديمقراطية"، إذ تشهد معركة دير الزور تسابقاً بين الطرفين، فيما يحاول النظام السوري استغلال انشغال "سورية الديمقراطية" بمعركة الرقة، إضافة لاستغلال النقاط التي كان قد ثبّتها داخل مدينة دير الزور.
يأتي ذلك بينما أعلنت "قوات سورية الديمقراطية" مساء الجمعة، عن سيطرتها على 65 في المائة من مساحة مدينة الرقة، خلال المعارك المستمرة منذ ثلاثة أشهر ضد تنظيم "داعش". وقالت المتحدثة باسم "غرفة عمليات غضب الفرات" جيهان الشيخ أحمد، في بيان، إن "سورية الديمقراطية" فرضت سيطرتها على حيّي الرقة القديمة والدرعية، معتبرةً أنهما "كانا من أقوى قلاع داعش الاستراتيجية داخل المدينة"، واستمرت المعارك فيهما أكثر من شهر. وأوضحت أن المواجهات متواصلة مع عناصر التنظيم في ستة أحياء، وهي حي المرور، البريد، النهضة، الأمين، الروضة وحي الرميلة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد" في الرقة، فإن وتيرة المعارك ارتفعت بشكلٍ ملحوظ خلال الأيام الماضية، إذ صعّدت "سورية الديمقراطية" من هجماتها، فيما يبدي عناصر التنظيم المحاصرون شراسة أكبر في منع تقدّمها. وذكرت المصادر أن التنظيم فخّخ كل ما يمكن تفخيخه داخل المدينة لإعاقة تقدّم القوات المهاجمة. غير أن هذا التصاعد في وتيرة المعارك انعكس بشكلٍ مباشر على أكثر من 20 ألف مدني محاصر داخل الرقة، إذ تزداد عمليات القصف والاشتباكات في الأحياء المأهولة بالسكان، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية قد تقع داخل المدينة.
وقال الناشط الإعلامي محمد الحموي، لـ"العربي الجديد"، إن "داعش فجّر مفخخة في موقع لقوات النظام، شرق عقيربات، ما أسفر عن مقتل تسعة عناصر وإعطاب دبابتين، وسط تضارب بالأنباء حول السيطرة على المنطقة". وأضاف أن المروحيات الروسية شنّت غارات على القرى والبلدات في منطقة عقيربات التي يسيطر عليها داعش في ريف حماة الشرقي"، مشيراً إلى أن "سيطرة قوات النظام على العديد من القرى والبلدات في محيط البلدة أسهم في تواصل القصف المدفعي والصاروخي على المنطقة، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين في القرى والبلدات التي ما زالت تحت سيطرة التنظيم".
وتأتي هذه الأحداث عقب هجوم مستمر لقوات النظام والمليشيات الموالية لها منذ شهرٍ، في محاولة لاستعادة السيطرة على تلك المنطقة. وتُعتبر عقيربات من المناطق الاستراتيجية، كونها تشكّل عقدة وصل بين ريفي حماة وحمص الشرقيين، كما أن أهمّيتها تتمثّل في كونها طريقاً مباشراً نحو محافظة دير الزور، والتي يجري الحديث عن اقتراب هجوم بري نحوها، لمحاربة التنظيم هناك.
ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، يُعاني سكان عقيربات، والذين نزحوا جراء المعارك، من ظروفٍ سيئة بسبب عدم وجود مكان يستطيعون النزوح نحوه، إذ تجمّع مئات النازحين الثلاثاء الماضي في شمالي المنطقة، على أمل العبور نحو مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب شمالها، لكن وجود الألغام يعثّر تنفيذ هذه الخطة. وعلى الرغم من أن قوات النظام أبلغت النازحين عبر وسطاء من وجهاء المدينة بأنها ستقوم بإزالة الألغام من شمالي المنطقة، لكنّها لم تلتزم بوعودها حتى اليوم، وسط الحديث عن وضع سيئ للنازحين هناك، إذ يُقدّر عدد المدنيين بنحو عشرة آلاف يعيشون ظروفاً كارثية.