يتصدر ملف الصراعات القبلية جنوبي العراق، أبرز اهتمامات رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، إلى جانب ملف الخدمات، حيث يستمرّ تسجيل ضحايا ومصابين في المحافظات الجنوبية والوسطى نتيجة النزاعات العشائرية المسلحة، والتي تستدعي في بعضها تدخل قوات الجيش لفضها، كما حصل في محافظتي ذي قار وميسان الشهرين الماضيين.
وأمس الخميس، سجلت محافظة ميسان (370 كيلومتراً جنوبي العراق)، مقتل مواطنين اثنين وسط مدينة العمارة مركز المحافظة، نتيجة نزاع عشائري بين قبيلتين متناحرتين، قالت الشرطة في تقارير نقلتها وسائل إعلام محلية عراقية، إنه ناتج عن قضية "ثأر عشائري"، وأنها باشرت التحقيق في الهجوم.
ويبدي مسؤولون وشيوخ عشائر مخاوف من التأثيرات السلبية لعدم القدرة على وضع حدّ للنزاعات العشائرية التي تسجل في البلاد، وتحديداً في الوسط والجنوب، مؤكدين أن أسبابها تتخطى أحياناً الخلاف العشائري البحت، حيث إن الصراع بين شبكات التهريب، وحتى النفوذ المسلح داخل الفصائل، يتطور لأن تدخل العشيرة على الخط بعد احتماء أو استقواء كل طرف بنفوذ عشيرته.
وعلى الرغم من أنّ غالبية هذه النزاعات ليست آنية، بل تعود أسبابها لفترات ليست بقصيرة، إلا أنها مستمرة ولا توجد بوادر للسيطرة عليها. ويرجع مختصون أسباب عدم التمكن من وضع حد لهذه النزاعات، إلى انتشار السلاح بشكل كبير لدى المواطنين، فضلاً عن أسباب أخرى ترتبط بوجود جماعات مسلحة ينتمي أفرادها إلى عشائر في هذه المناطق.
وتتصدر محافظات ميسان وذي قار والبصرة، المحافظات التي تشهد مثل تلك المواجهات، والتي تُستخدم في بعضها أسلحة متوسطة، إلى جانب قذائف الهاون.
ووفقاً لرئيس اللجنة الأمنية السابقة في محافظة ميسان، سرحان الغالبي، فإن "هنالك الكثير من المساعي التي قادتها الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية وشيوخ العشائر لاحتواء تلك النزاعات، إلا أنها فشلت". ولفت في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن "السلاح منتشر لدى العشائر، وأن الدولة ليست لها سلطة لنزعه، كما وأن عدداً كبيراً ممن ينتمون للأجهزة الأمنية وللجماعات المسلحة يمتلكون سلاحاً بمستويات مختلفة، ينتمون إلى هذه العشائر، ويوجدون داخل عشائرهم وهم يحملون هذا السلاح".
ورأى أنّ "القانون غير قادر على إيقاف هذه النزاعات، وكنا نلجأ إلى وجاهة الشيوخ وتأثيرهم على العشائر المتنازعة، ونتمكن من إعطاء فترة حتى يتم إيقاف هذه النزاعات"، مستطرداً: "لا نعتقد أنّ ايقاف النزاعات العشائرية في العراق وسط هذه الأجواء ممكن، فبعضها يمتد لسنوات، بل إن هناك نزاعات تمتد لعقود يتم استئنافها حال حدوث أي مشكلة بسيطة، حيث يتطور الأمر إلى مشكلة كبيرة ونزاع مسلّح يخلّف العشرات من القتلى والجرحى والأضرار المادية الكبيرة".
ترسانة سلاح كبيرة تمتلكها العشائر
إلى ذلك، أكد مصدر في قيادة عمليات البصرة لـ"العربي الجديد"، أنّ "العشائر تمتلك سلاحاً لا يستهان به، يصل إلى السلاح المتوسط، كما أنّ أبناء الأجهزة الأمنية هم ذاتهم أبناء تلك العشائر، وهذا ما يمنع العنصر الأمني من تنفيذ واجباته الأمنية والأوامر القضائية، على الرغم من أنّ هذا مخالف للقانون، كما أنّ هنالك عدداً من أفراد هذه العشائر ينتمون إلى جماعات مسلحة أو أجهزة أمنية يحتمون بهذا الغطاء، وينفذون النزاعات العشائرية".
وأشار الى أنّ "أسباب اندلاع نزاعات العشائرية في الحقيقة ليست كما يعلن عنها على أنها نزاع بين عشيرتين، فالكثير من تلك النزاعات تعود أسبابها إلى خلافات اقتصادية أو خلافات مالية مع شبكات مخالفة للقانون، مثل تهريب النفط أو حتى مع مهربي المخدرات ومع المنافذ الحدودية"، مبيناً أن "كثيراً من النزاعات كانت هذه أسبابها الرئيسية، ومن ثم تتطور حتى تصبح نزاعاً عشائرياً".
ولفت إلى أنّ "الأجهزة الأمنية تمكنت في الفترة الأخيرة نوعاً ما من تقليل حدة هذه النزاعات، وتقليل مدى اتساعها بعد تنفيذ خطط أمنية في تلك المحافظات"، مؤكداً أنّ "هنالك انخفاضاً في نسب النزاعات العشائرية، وهذا يُحسب للقوات الأمنية التي تستمر في تنفيذ عمليات أمنية، ومن بينها عمليات نزع السلاح، وملاحقة مرتكبي جرائم النزاعات العشائرية، وكذلك تنفيذ أوامر قبض صادرة من القضاء بحق مثيريها".
ممارسات خارجة عن القانون
من جهته، تحدت الشيخ حسن النائلي، وهو أحد شيوخ العشائر وسط العراق، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "هناك هجمة ممنهجة ضد العشائر العراقية، تنفذها جهات داخلية وخارجية، تحاول أن تصور العشائر على أنها جماعات مُتخلفة تعمل على الإخلال بالقانون"، مؤكداً أنّ "العشائر هي الأولى في تطبيق القانون، وهي الأولى في الدفاع عن البلاد، فتجد أن أبناء العشيرة هم أول المتصدين دفاعاً عن البلد حين يواجه العراق أي مخاطر".
وأضاف "هذا لا ينفي وجود نزاعات تحدث بين أبناء العشيرة الواحدة، أو حتى بين أبناء العشيرتين، كما يحصل أي خلاف في مختلف فئات وطبقات المجتمع، وهذا نجده حتى في الدوائر الحكومية والرسمية وحتى في ذات العوائل، إذ هنالك أيضاً خلافات تحدث بين العشائر"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "هنالك نزاعات تحدث وتخرج عن المألوف، ويؤدي ذلك إلى سقوط ضحايا وإلى إلحاق أضرار، وهذا مُدان من قبل العشائر المحترمة".
وتابع: "تجد أن هنالك الكثير من الاتفاقات التي تعقد بين العشائر لإيقاف النزاعات ومنع حصولها، وأن العشائر هي التي تتصدى لحلها ولمعالجتها، وعلينا أن نعرف أنّ هنالك من يتستر باسم العشيرة لممارسة أفعاله المخالفة للقانون، كما أن هنالك من ينتمي إلى المؤسسات الأمنية ويمارس مخالفات قانونية لكنه يستند بغطاء المؤسسات الأمنية".
وكانت القوات العراقية قد نفذت في الفترات السابقة عدّة خطط لنزع السلاح، شارك في بعضها الطيران العراقي، لكنّ تلك الخطط لم تحقق أهدافها.
وتُعتبر النزاعات العشائرية في مناطق جنوب العراق ووسطه، إحدى أبرز المشاكل الأمنية التي تعاني منها تلك المناطق، إذ تحصل من وقت لآخر مواجهات مسلحة تُوقع قتلى وجرحى بين عشائر مختلفة، لأسباب يتعلق أغلبها بمشاكل الأراضي الزراعية والحصص المائية، يُستخدم فيها أحياناً سلاح متوسط وقذائف هاون، والقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف.