أعلنت النرويج، إحدى الدول المانحة الرئيسية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأحد، أنها ستواصل تمويل الوكالة الأممية، رغم الشكوك حول تورط بعض موظفيها في عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقاومة الفلسطينية، رداً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته.
وكشف وزير الخارجية إسبن بارث إيدي في بيان أن "النرويج قررت مواصلة تمويلها"، مضيفاً: "بينما أشارك القلق بشأن الادعاءات الخطيرة للغاية ضد بعض موظفي الأونروا، فإنني أحثّ المانحين الآخرين على النظر في العواقب الأوسع نطاقاً لخفض تمويل الأونروا في هذا الوقت من الأزمة الإنسانية الشديدة".
وتابع الوزير: "لا ينبغي لنا أن نعاقب ملايين الأشخاص بشكل جماعي".
وبعدما اتهمت إسرائيل، الجمعة، عدداً من موظفي "أونروا" بالمشاركة في "طوفان الأقصى"، سارعت الولايات المتحدة لإعلان وقف تمويلها للوكالة التابعة للأمم المتحدة، تبعتها عدة دول، أبرزها ألمانيا وأستراليا وإيطاليا وفنلندا وبريطانيا.
من جانبها، ردت "أونروا" على الاتهامات الإسرائيلية بطرد الموظفين المتهمين، ووعدت بإجراء تحقيق شامل واتخاذ إجراءات قانونية إذا ثبتت مشاركتهم، لكن إسرائيل أعلنت رغم ذلك أنها ستمنع الوكالة من مواصلة العمل في غزة بعد الحرب.
وتابع وزير الخارجية النرويجي: "يجب علينا التمييز بين ما قد يفعله الأفراد وما تمثله أونروا"، مضيفاً: "إن سكان غزة بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، ويجب ألّا يدفعوا ثمن أفعال الآخرين".
اليابان تعلن إيقاف تمويلها للوكالة
من جهتها، قالت اليابان إنّها قررت تعليق التمويل الإضافي لوكالة "أونروا"، في الوقت الذي تجري فيه الوكالة تحقيقاً في مزاعم إسرائيل بشأن ضلوع أفراد من موظفيها في عملية "طوفان الأقصى".
وأعربت وزارة الخارجية اليابانية عن شعورها "بقلق بالغ" إزاء المزاعم المتعلقة بضلوع موظفين من وكالة أونروا في الهجوم على إسرائيل، وإنها "تحث الوكالة بشدة على إجراء التحقيق بطريقة سريعة وكاملة".
الأمم المتحدة تدعو إلى ضمان استمرارية عمليات "أونروا"
وناشد مسؤولون في الأمم المتحدة اليوم الدول التي قاطعت "أونروا" إلى إعادة النظر في قرارها، متعهدين بمعاقبة أي موظف يثبت ضلوعه في "طوفان الأقصى"، ومحذرين من أن المساعدات المنقذة للحياة التي تقدمها الوكالة لنحو مليوني شخص في غزة صارت مهددة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الأحد: "في الوقت الذي أتفهم فيه مخاوفهم، إذ أفزعتني أنا شخصياً هذه الاتهامات، فإني أناشد بشدة الحكومات التي علّقت مساهماتها أن تعمل على الأقل على ضمان استمرارية عمليات أونروا"، وتعهد بمحاسبة "أي موظف في الأمم المتحدة ضالع في أعمال إرهابية".
وأشار إلى أن ذلك يمكن أن يشمل الملاحقة الجنائية، وهي خطوة نادرة بالنسبة إلى المنظمة العالمية، لأن معظم الموظفين يتمتعون بحصانة، لكن غوتيريس له سلطة إسقاطها.
كما حثّ المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني الدول على "إعادة النظر في قراراتها قبل أن تضطر (أونروا) إلى تعليق استجابتها الإنسانية". وتجري الأمم المتحدة حالياً تحقيقاً في الاتهامات الإسرائيلية.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 26 ألف شخص استشهدوا جراء الحرب الإسرائيلية على غزة. ويقول مسؤولو الإغاثة إن الوفيات الناجمة عن أمراض يمكن الوقاية منها، وكذلك مخاطر المجاعة تتزايد مع وصول كميات هزيلة من الغذاء والدواء مقارنة بأحجام المساعدات قبل نشوب الحرب.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية صار معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعتمدون على مساعدات "أونروا"، بمن فيهم حوالى مليون شخص فروا من القصف الإسرائيلي ولجأوا إلى منشآت للوكالة.
ورداً على بيان غوتيريس، دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان جميع الدول المانحة إلى تعليق التمويل، والمطالبة بإجراء تحقيق دقيق في "تورط جميع موظفي (أونروا) في الإرهاب".
وأضاف في بيان أن دعوة غوتيريس إلى مواصلة تمويل الوكالة "أثبتت مجدداً أن أمن مواطني إسرائيل ليس مهماً حقاً بالنسبة إليه". وقال مراقبون وعمال إغاثة إن الخطوة التي اتخذها المانحون ستؤدي إلى تفاقم الجوع.
فرنسا تعلّق مساعداتها في الربع الأول من العام
إلى ذلك، قررت فرنسا تعليق مساعداتها للأونروا في الربع الأول من العام الجاري.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان نقلته وكالة "الأناضول"، إن "الاتهامات المتعلقة بتورط بعض موظفي الأونروا في هجمات 7 أكتوبر الماضي خطيرة للغاية، وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس هذه الأعمال بوضوح". ورجّح البيان أن "تلقي التحقيقات التي بدأت في الأيام الأخيرة الضوء الكامل على الأحداث الماضية، وأن تكون مصحوبة بإجراءات ملموسة يتم تنفيذها بسرعة".
ونظراً للوضع الإنساني الكارثي في غزة، اختارت فرنسا زيادة دعمها الإنساني بشكل كبير للسكان المدنيين في غزة. وعلى وجه الخصوص، ساهمت بحوالى 60 مليون يورو (65 مليون دولار) في أنشطة الأونروا خلال عام 2023"، حسب البيان نفسه.
واستطردت الخارجية الفرنسية بالقول: "لا خطط لدينا لتقديم دفعة جديدة في الربع الأول من عام 2024". واختتم البيان بالقول: "سنقرر عندما يحين الوقت ما يجب القيام به بالتعاون مع الأمم المتحدة والجهات المانحة الرئيسية، بما يضمن أخذ جميع متطلباتها المتعلقة بشفافية المساعدات وأمنها في الاعتبار".
"الصحة العالمية" تدعو إلى عدم قطع تمويل "أونروا"
من جهته، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، الجهات المانحة إلى عدم تعليق الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).
وفي معرض دعوته للمانحين إلى عدم قطع الأموال التي يقدمونها للوكالة، قال غيبريسوس، في تدوينة نشرها على حسابه عبر منصة "إكس": "إننا نناشد المانحين عدم تعليق تمويلهم للأونروا في هذه اللحظة الحرجة"، وشدد على أن "قطع التمويل لن يؤدي إلا إلى الإضرار بشعب قطاع غزة الذي يعاني بشدة، وبحاجة ماسة إلى الدعم".
"لا تجوّعوا الأطفال" في غزة
قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند: "أيها المانحون، لا تجوّعوا الأطفال بذنب عدد قليل من العاملين في مجال الإغاثة".
وحذر مايكل فخري، وهو خبير معنيّ بالحق في الغذاء عينته الأمم المتحدة، في منشور على منصة "إكس"، من أن خفض التمويل يعني أن المجاعة صارت الآن "حتمية" في غزة.
The day after @ICJ concluded that Israel is plausibly committing Genocide in Gaza, some states decided to defund UNRWA for the alleged actions of a small number of employees. This collectively punishes +2.2 million Palestinians. Famine was imminent. Famine is now inevitable. https://t.co/cCLRW9M0je
— Michael Fakhri (@MichaelFakhri) January 28, 2024
وحتى قبل بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت "أونروا" تكابد من أجل تأمين التمويل، وحذرت من أنها على وشك الانهيار. وكثير من موظفيها البالغ عددهم 13 ألفاً هم أنفسهم من اللاجئين، واستشهد ما لا يقل عن 150 منهم منذ السابع من أكتوبر.
وعبّر الفلسطينيون عن غضبهم من خفض التمويل.
وقال يامن حمد، الذي يعيش في مدرسة تديرها الأونروا وأصبحت مركزاً لإيواء النازحين في دير البلح بوسط غزة منذ أن فرّ من شمال القطاع: "كنا بنقول إنه إسرائيل شنت حرب تجويع علينا بموازاة حرب التدمير، هلقيت هاي الدول اللي أخدت قرار بوقف المساعدات لوكالة الغوث الأونروا بتعلن عن نفسها شريكة في هاي الحرب والعقوبات الجماعية".
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري: "فوجئنا" بقرارات وقف تمويل الأونروا، وإن ذلك سيعرّض الفلسطينيين للمزيد من المعاناة.
كما حثت وزارة الخارجية التركية الدول التي أوقفت التمويل على إعادة النظر في قراراتها.
ولطالما انتقدت إسرائيل دور الأونروا، وقالت إن الوكالة تدعم حماس منذ سنوات، وهو ما تنفيه الأونروا.
واتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إسرائيل بقيادة "حملة ظالمة" ضد الأونروا بهدف "تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين".
وقال القيادي في حماس سامي أبو زهري إن الاتهامات الإسرائيلية ضد الأونروا تمثل تحدياً لقرار محكمة العدل الدولية الصادر يوم الجمعة الذي أمر إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
ولم تقدم إسرائيل بعد تفاصيل عن مزاعم ضلوع موظفين في الأونروا في الهجوم على إسرائيل. وقال غوتيريس إن هناك 12 موظفاً ضالعين في هذا الأمر، وفُصل تسعة منهم واستُشهد واحد، ويجري الآن تحديد هوية الاثنين الآخرين.
وتحاول إسرائيل منذ عقود القضاء على الأونروا، في محاولة لنسف حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
وعلى الرغم من أن تفويض الأونروا يأتي من الأمم المتحدة، ولا يمكن لإسرائيل وقفه، لكن تل أبيب تحاول وقف عمليات الوكالة عن طريق الضغط لتجفيف مصادر الدعم المالي، خصوصاً أن الدول الغربية هي الداعم الأكبر للوكالة وتستخدم هذا الدعم ورقةَ ضغط ضد المنظمة، في محاولة للسيطرة على كل التفاصيل المتعلقة بخدماتها، بما في ذلك مناهج التعليم.
(فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)