"كلهم خرجوا خاسرين، وكذلك كل المشاهدين الذين أضاعوا ساعتين من وقتهم لمتابعتهم"، يقول أحد المراقبين في تعليق يلخّص مشهدية المناظرة البائسة الثانية التي جرت الأربعاء بين المرشحين الجمهوريين السبعة. واللافت أن ذلك لم يؤثر على الوضع الطليعي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي لم يشارك في هذه المناظرة، ولا في المناظرة الأولى، إذ لا يزال يتقدّم على خصومه بفوارق شاسعة أقلها 35 نقطة تفصله عن الثاني بعده من بين المرشحين.
وإذا استمرت المعادلة على هذا الشكل وليس حتى اللحظة ما يشير إلى العكس، فإن الانتخابات سائرة نحو تكرار سيناريو 2020: الرئيس الحالي جو بايدن ضد الرئيس السابق ترامب.
المناظرة التي شارك فيها المرشحون السبعة الباقون بعد تساقط الآخرين لعدم استيفاء شروط المشاركة، عكست جوانب الأزمة المستعصية التي تعصف بالحزب الجمهوري. فهو قبل حوالي سنة من الاستحقاق الانتخابي ما زال غير قادر على انتزاع قاعدته الانتخابية من ترامب أو على الأقل خلخلة قبضته عليها. وفي الوقت ذاته لم يتمكّن من المجيء بمرشحين قادرين على تسويق أنفسهم كبديل عنه، أو حتى كمنافس محتمل له.
أداء المرشحين الليلة الماضية كان من النوع "المخجل"، بتعبير مايكل ستيل، الأمين العام السابق للحزب الجمهوري. عادة يستغل المرشح هذه الفرصة لعرض طروحات واجتراح حلول تحاكي قضايا الناخب وتجتذب اهتمامه لمراجعة حساباته وتساهم في تحديد تموضعه الانتخابي.
مايكل ستيل: أداء المرشحين الليلة الماضية كان من النوع "المخجل"
ما جرى لم يخرج عن المألوف الممل وسط جدل "فارغ " وفوضى في المداخلات بحيث بقي في حدود تسجيل النواقص والمآخذ على الآخر. وإذا كان فيها من جديد فقد اقتصر ولأول مرة على توجيه ثلاثة مرشحين انتقادات قوية ومباشرة للرئيس ترامب ووضع غيابه في خانة الهروب من الدفاع عن نفسه وعن سجل رئاسته السابقة. لغة لم يتجرأ أحد على استخدامها في المرة السابقة خشية إغضاب الناخب الجمهوري.
وإذ يرى مراقبون أن مثل هذا التجرؤ كان لا بد منه عند هذا المفصل من الحملة الانتخابية علّ وعسى أن يأتي بنتيجة، يقول آخرون إن مثل هذا التحول في التعامل مع المرشح ترامب يشكل بداية لزعزعة وضعه الذي "سوف يشهد المزيد من التدهور مع دخول فبراير (شباط) القادم"، حسب الجمهوري بول راين، رئيس مجلس النواب السابق. ففي تقديره أن المعركة تكون قد قطعت شوطا هاما في مخاطبة الشرائح الانتخابية المعتدلة في المدن وضواحيها، والتي عادة ما تكون بيضة القبان في عملية الحسم الانتخابي.
لكن هذه القراءات لا تتفق مع معادلة اللحظة الراهنة ومدلولاتها. فليس أمراً عارضا أن يتربع مرشح على قمة المنافسة الحزبية من دون مشاركته في المناظرات لطرح بضاعته الانتخابية. وتقول مصادره إنه لا يعتزم المشاركة في المناظرة الثالثة في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، والتي يرجح أن يتقلص عدد المتنافسين فيها إلى خمسة، بعد سقوط اثنين لعدم استيفاء الشروط، مثل وجوب حصول المشارك على 4% من التأييد في 3 استطلاعات عامة على الأقل وتقديم لائحة بأسماء 200 ألف متبرع لحملته الانتخابية في عشرين ولاية على الأقل.
لكن متاعب ترامب آخذة في التزايد. فمنذ يومين قررت محكمة نيويورك المدنية إلغاء بعض إجازات العمل لمؤسسة أعماله في المدينة بسب إعطائه إفادات "مزيفة" عن أصوله وممتلكاته. وهي خطوة مؤذية لوضعه وصورته كرجل أعمال. وخلال أكتوبر/ تشرين الأول القادم تبدأ المحاكمة في واشنطن في قضية الانتخابات. تتبعها قضية أخرى في مارس/ آذار القادم ثم المحاكمة في قضية الوثائق السرية في مطلع مايو/ أيار 2024 وما بينهما قضيتان في نيويورك، كله في عزّ الحملة الانتخابية.
توقيت يراهن عليه بايدن لإخراج حملته من التعثر العضوي الذي يتحكم بها. ففي خمس استطلاعات خلال الشهر الجاري تقدم بايدن في إحداها نقطة واحدة على ترامب وتعادل معه في واحدة أخرى. وفي الباقي تفوق عليه ترامب وبأرقام وصلت إلى 10 نقاط، في حين كان هو المتقدم وبفارق مريح على ترامب في 11 استطلاع في مثل هذا الوقت في انتخابات 2020. وبذلك يبقى الترنح القاسم المشترك حاليا بين الاثنين كما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في هذه الانتخابات.