"أعيدوا بوريس جونسون"، هذا هو اسم الحملة التي أطلقها قبل أسبوع أمين الصندوق السابق في حزب المحافظين البريطاني والصديق المقرّب من رئيس الوزراء المستقيل، كروداس شورديتش. وحصلت الحملة في أسبوعها الأول على توقيع أكثر من 10 آلاف عضو في الحزب أيّدوا إعادة الاستفتاء على عودة جونسون إلى منصبه.
وفي حين نشرت صحيفة "ذا تليغراف" أمس الإثنين، خبراً مطوّلاً عن الحملة وعن تصريحات شورديتش حول لقائه بجونسون يوم الجمعة وترحيب الأخير بالمبادرة ونيّته العودة وعدم الاستقالة إذا حظي بدعم أعضاء حزبه، نفى مصدر محافظ كبير هذه الادّعاءات في وقت متأخّر من مساء البارحة، بحسب الصحيفة نفسها، قائلاً "لا يدعم جونسون هذه الحملة ويحترم عملية انتخاب القيادة الجديدة".
واللافت أن وزيرة الخارجية ليز تراس والمرشّحة لتولّي منصب رئيس الحكومة هي من أوائل المتابعين لصفحة الحملة على تويتر، إضافة إلى وزيرة الداخلية بريتي باتيل والمستشار نديم زهاوي، بينما امتنع عن متابعة الصفحة ريشي سوناك.
وأتى الإعلان عن الحملة ونشر الصحيفة لتصريحات شورديتش قبل ساعات قليلة على بدء المناظرة الأولى بين المرشحَين لمنصب رئيس الحكومة البريطانية وزعيم حزب المحافظين، ليز تراس وريشي سوناك.
وكانت المواجهة الأولى والأهم بينهما، حامية وصاخبة ومشحونة بالاتّهامات المتبادلة والتوتر، ما يعكس الانقسامات الهائلة التي يعيشها الحزب سياسياً واقتصادياً وعقائدياً.
إذ أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "إندبندنت" أن 24 بالمائة فقط من أعضاء الحزب يريدون لأحد المرشّحين أن يخلف جونسون. فيما يظهر استطلاع للرأي خاص بصحيفة "ذا تايمز" أن 91 بالمائة يعتقدون أن ريشي سوناك هو الأكثر كفاءة لتولّي منصب زعيم الحزب، مقابل 9 بالمائة فقط اختاروا ليز تراس.
وعلّق مؤيّدو تراس والعاملون في حملتها الانتخابية بشكل سلبي للغاية على المناظرة التي بثّتها محطة وإذاعة "بي بي سي" في وقت الذروة مساء البارحة، معتبرين أن سوناك كان "عدوانياً" و"غير لائق" بالمنصب المرشّح له.
وفي حين أظهر استطلاع آخر للرأي نشر مساء البارحة بعد لحظات من انتهاء المناظرة أن ناخبي حزب العمال المعارض يفضّلون أداء سوناك على أداء تراس، انتقد زعيم الحزب كير ستارمر المناوشات التي طغت على المناظرة، معتبراً أن "المحافظين خسروا المؤامرة".
واستغلّ ستارمر كغيره من المعارضين لحزب المحافظين سير المواجهة التي استمرت لساعة من الزمن، وغابت عنها مواضيع حساسة ومهمّة، حيث إن الخدمات الصحية مثلاً غابت عنها، في حين لم يُمنح لقضية التغير المناخي سوى دقيقة ونصف، مقابل أكثر من خمس دقائق استغرقها المرشّحان في تراشق الاتهامات والانتقادات حول الكلفة الباهظة التي ينفقها سوناك على بدلاته الرسمية وأحذيته، بينما لا تنفق تراس على أقراطها سوى مبلغ زهيد.
هذا بالإضافة إلى أن مواضيع مهمّة للغاية وعالقة في عمق الأزمة السياسية والاقتصادية، لم تتم مناقشتها بشكل جدي، ولم تمنحها "بي بي سي" سوى حيز الإجابة بنعم أو لا.
فقد سئل المرشّحان عمّا إذا كانت أزمة الحدود الرهيبة التي تعيشها منطقة دوفر وأرتال الشاحنات والسيارات العالقة هناك هي انعكاس لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فتسابق المرشّحان للإجابة بفم ملآن بـ"كلّا"، بينما الإجابة في الواقع هي "نعم" كبيرة جداً.
وإن دلّت المناظرة الأولى على شيء، فقد بيّنت مجدّداً أن المحافظين يعيشون على الأرجح في فقاعة معزولين عن القضايا اليومية والحياتية التي تنغّص الشارع البريطاني، كأزمة المعيشة وغلاء الأسعار وفواتير الطاقة والوقود وإضراب السكك الحديدية والفوضى التي تجتاح المطارات والحدود البرية وتداعيات "بريكست" والوباء معاً.
لا بل إن العلاقة مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، استغلّها المرشّحان لتبادل الاتهامات ولتحويلها إلى وعود انتخابية بالمقاطعة، في الوقت الذي لا يمكن للمملكة المتحدة أن تتحمّل هذه التكلفة المضاعفة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أنه لا بدّ لرئيس الحكومة المنتخب أن يتراجع عن وعوده التي أطلقها في مناظرة مساء أمس، فور فوزه في الانتخابات ووصوله إلى مقرّ رئيس الوزراء.
وأظهر استطلاع آخر للرأي على موقع "سكاي نيوز" أن زعيم العمّال ستارمر سيهزم كلّاً من تراس وسوناك لو كانت المواجهة معه.
وحصل ستارمر وفقاً للاستطلاع على نسبة 40 مقابل 39 لتراس و36 لسوناك.
ووفقاً لاستطلاع جديد نشره موقع "يوغوف" خاص بأعضاء حزب المحافظين، حصلت تراس على 50 بالمائة مقابل 39 بالمائة لسوناك من حيث الأداء، و63 بالمائة مقابل 19 بالمائة من حيث الشعبية وسط الشريحة الأكبر من البريطانيين، و51 بالمائة مقابل 37 بالمائة من حيث الثقة.