الملء الرابع لسد النهضة… تحذيرات من وضع "خطير"

18 سبتمبر 2023
بدأت إثيوبيا بتشييد سدّ النهضة عام 2011 (ميناسي وانديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

منذ بدء إثيوبيا تشييد سدّ النهضة في عام 2011، دأب الخطاب الرسمي المصري على التأكيد أن المشروع الذي وصلت كلفته إلى أكثر من 4 مليارات دولار، هو بمثابة "خطر وجودي" يهدد الحياة في مصر.

ولكن على الرغم من ذلك، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقاً مع كل من إثيوبيا والسودان في عام 2015، كان أول اعتراف من القاهرة بحق أديس أبابا في إنشاء السد. إلا أن التوقيع لم يضمن لمصر مراعاة مخاوفها من عملية الملء، التي أنجزت مرحلتها الرابعة قبل أيام، وهو ما دفع خبراء مصريين للمطالبة بتدخل "حاسم" لمواجهة ذلك الخطر.

أزمة سدّ النهضة... خطر "وجودي" يهدد مصر

خبير المياه الدولي ضياء الدين القوصي، وصف الوضع الحالي بـ"الخطير للغاية". وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العام الحالي والذي يليه أيضاً، يمكن لمصر أن تسد العجز الناتج عن ملء سد النهضة، من خلال الاستدانة من بحيرة ناصر، لكن في حال استمر التصرف الإثيوبي على هذا النحو، فإن مصر ستدخل أزمة مياه خطيرة للغاية، تصل إلى حد العطش، بعد عامين على أبعد تقدير، في ظل اعتماد مصر بنسبة 97 في المائة على هذه المياه الواردة من النيل".

وأضاف القوصي: "سيكون هناك ملء خامس وسادس وسابع حتى تصل كمية المياه المحجوزة خلف السد إلى 74 مليار متر مكعب، وفي حال كان هناك فيضان ضعيف أو أقل من متوسط، فإن مصر والسودان لن يحصلا على أي حصة من النيل، وبالتالي سندخل في أزمة مياه شديدة ستنعكس على كافة مناحي الحياة".

واعتبر أنه "أمام هذا الخطر الوجودي الذي سيصيب مصر، فلن يكون أمامها إلا التصرف الخشن، فإما أن نموت من العطش أو نموت بالحرب نحن ومن يقطع عنا المياه، وهو حق أصيل لمصر وفقاً لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية". لكنه شدّد على أن "إثيوبيا تتعامل برعونة شديدة حتى اللحظة، وكأنها لا تستوعب العبث الذي تقوم به بحق مصر والسودان".

ضياء الدين القوصي: مصر قد تدخل أزمة مياه خطيرة للغاية، تصل إلى حد العطش، بعد عامين على أبعد تقدير

بدوره، قال أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "من أول الآثار الكارثية للملء الرابع لسد النهضة، أن وزارة الري المصرية، لن تسمح بخروج الحصة المصرية التي تُقدّر بـ55 مليار متر مكعب في السنة، من بحيرة ناصر، وستقلص ذلك إلى نحو 12 ملياراً فقط، وبالتالي تخرج 40 إلى 45 مليار للشعب المصري على مدار السنة".

وأوضح حافظ أن "هذا الأمر تكرر ما بين عامي 2013 و2019، عندما حسمت وزارة الري من الحصة المصرية الدستورية البالغة 55.5 مليارا، 10 إلى 11 ملياراً تخزنها في السد العالي، بينما حسم الكمية هذا العام والعام المقبل، يأتي للحرص على المياه في بحيرة ناصر، قبل أن تنفد بشكل كامل، وهذا سيؤدي إلى حرمان بعض الأراضي من الري وتقليص مساحات قصب السكر والرز وعدم ضخ مياه إلى مساحات كبيرة من الأراضي خصوصاً التي تعتمد على مياه الترع".

وأشار حافظ إلى أن "ما خزنته إثيوبيا بلغ 21 مليار متر مكعب، بشكل حي، لكنها حجزت 28 ملياراً كان من المفترض أن تصل إلى بحيرة ناصر، لكن حُرمنا منها". ولفت إلى أنه "بالإضافة إلى الفيضان الحالي ووفقاً للعديد من القراءات والتوقعات كمنظمة إيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية)، فإن الفيضان الحالي شبه جاف وأقل من المتوسط".

وبيّن أنه "في حال كان الفيضان أقل من المتوسط (شبه جاف)، فإن تدفقات النيل الأزرق قد تقل عن 40 ملياراً، وفي أحسن أحوال التدفق الضعيف لهذا العام، وهي أولى السنوات العجاف، قد يكون 40 ملياراً، بينما قد يقل عن ذلك لاحقاً".

وأشار إلى أن "إثيوبيا حجزت منها على مدار العام 28 مليارا، والسودان يحجز 8.5 مليارات، بإجمالي 36.5، وهنا فإنه من الممكن أن يصل في أحسن الأحوال إلى مصر 3.5 مليارات، قد تنخفض لـ2 أو إلى 1 أو إلى صفر، وقد تصل إلى مستوى أن السدود السودانية لا تجد مياها لاستكمال التخزين". وأوضح حافظ أنه "نتيجة لما سبق، فإن الدولة المصرية ستضطر إلى أن تستورد العديد من الأطعمة التي كان المفترض زراعتها في مصر".

عباس شراقي: يزداد الخطر من حدوث الزلازل بجانب نشاط الأخدود الأفريقي العظيم

تأثيرات بيئية واقتصادية واجتماعية وسياسية

أما أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي، فقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "أضرار التخزين بصفة عامة متعددة، وهناك فرق بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن، وعدم وجود أضرار على الإطلاق، وتقوم الدولة على ترشيد استهلاك المياه، وإنفاق عشرات، بل مئات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها، وتبطين الترع، والتوسع في إنشاء الصوب الزراعية وغيرها، حتى نحافظ على احتياطي مائي جيد في السد العالي، يضمن الأمن المائي للمواطنين".

وأوضح شراقي أن "أضرار التخزين المائي في إثيوبيا، تنقسم إلى: أضرار مائية واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية". وأوضح أنه "في البداية، فإن الأضرار المائية والاقتصادية تتمثل في أن أي كمية مياه تخزن في سد النهضة قليلة أو كبيرة، هذا العام أو في الأعوام المقبلة، هي مياه مصرية - سودانية، وهي الخسارة الأولى المباشرة، والتي لو استغلت في الزراعة لحققت عائداً اقتصادياً قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات في إنشاء محطات معالجة المياه لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية وغيرها".

وأوضح شراقي أن "حصة المياه المصرية والتي تقدر بـ55.5 مليار مكعب، هي متوسط الإيراد، بمعنى أن المياه التي تزيد عن الحصة، تعوض سنة أخرى تكون الحصة فيها أقل، وبالتالي فقد تلك الزيادة في أي سنة، يعني عدم الحصول على الحصة كاملة في سنوات الجفاف".

نادر نور الدين: إذا استمرت السنوات العجاف، فسيزداد تأثيرها على انخفاض منسوب بحيرة السد العالي

وبيّن أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة أن "الأضرار البيئية للملء الرابع، تتعلق بزيادة الفاقد من البخر، مع اتساع سطح البحيرة، وكذلك التسرب في الصخور المحيطة لخزان السد من خلال التشققات والفراغات، وزيادة الحمل الناتج من وزن السدين الرئيسي والمكمل (إجمالي 75 مليون طن) والمياه والطمي (نحو 45 مليار طن) على الأرض المتشققة، ما يزيد من استعدادها لحدوث الزلازل بجانب نشاط الأخدود الأفريقي العظيم، الذي يعتبر أكبر فالق على يابس الكرة الأرضية، ويشكل أنشط المناطق الزلزالية والبركانية في أفريقيا".

وأوضح شراقي أنه "من المتوقع أن تتحلل الأشجار الغارقة في مياه البحيرة، وتؤثر على نوعية المياه. كما سيحدث تغير في التنوع البيولوجي للمنطقة، وغرق بعض المناطق التعدينية، وانتقال بعض العناصر الثقيلة مثل الرصاص والنحاس واليورانيوم والمنغنيز إلى المياه، وتغير محلي في المناخ لإقليم بني شنقول من حيث درجة الحرارة والأمطار".

وحول أضرار السد المحتملة على مصر، قال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، والخبير الاستراتيجي في الجمعية العمومية لمنظمة "فاو" (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة)، نادر نور الدين، في حديث لـ"العربي الجديد": "الأضرار ستكون على مخزون بحيرة السد العالي هذا العام، ولن يكون هناك تأثير مباشر على قطاعات الزراعة أو الصناعة أو الاستخدام المنزلي".

وأشار إلى أن "بحيرة السد العالي امتلأت على آخرها لأن الفيضان كان غزيراً للغاية، ووصل مخزونها إلى 162 مليار متر مكعب، وبالتالي سوف يتم سحب نصيب مصر الذي حسم بسبب الملء الرابع، والبالغ 20 مليار متر مكعب، من مخزون بحيرة السد العالي، وسيكون الحسم من مصر 13 ملياراً ونحو 7 مليارات من السودان".

وتابع: "عموماً إذا استمرت السنوات العجاف التي بدأت هذا العام مع الملء الرابع، فسيزداد تأثيرها على انخفاض منسوب بحيرة السد العالي، إلا إذا جاء فيضان غزير، فيكون تعويضا من القدر، على ما خزنته إثيوبيا حالياً ومستقبلاً".

المساهمون