المقاومة والاحتلال... تاريخ طويل من المواجهة

12 مايو 2023
من قصف المقاومة الفلسطينية لعسقلان أمس (رونالدو شميدت/فرانس برس)
+ الخط -

تعيد المواجهة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، التي بدأت باغتيال ثلاثة من قادة "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي" البارزين، فجر الثلاثاء الماضي، إلى الأذهان السجل الطويل والمتواصل من الصراع والمعارك المفتوحة التي شهدها قطاع غزة منذ عام 2006 في أعقاب فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية ومن ثم سيطرتها على القطاع في 2007.

وعلى مدار 17 عاماً خاضت الأذرع العسكرية لقوى المقاومة عشرات الجولات ما بين الحرب الشاملة والتصعيد المحدود وما يطلق عليه الحرب بين الحروب، سواء كانت جولات سريعة وخاطفة أو حروباً استغرقت أياماً وأسابيع في بعض الأحيان، إلا أن جميع هذه الجولات شهدت تطوراً لافتاً في الأداء العسكري للمقاومة.

وشهدت هذه الجولات استخداماً متعدداً للوسائل القتالية سواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي سعى بكل قوة لاستنزاف المقاومة الفلسطينية وتوجيه ضربات قاصمة تعيدها سنوات للوراء، في الوقت الذي سعت فيه الأخيرة لتحقيق نجاحات آنية وأخرى استراتيجية تحقق من خلالها نوعاً من أنواع توازن الردع.

غير أن جوهر التحدي كان في القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، التي اقتصرت في بداية الأمر على أنواع محدودة لا يتجاوز مداها 7 إلى 10 كيلومترات في أفضل حال، قبل أن تتطور بعد 17 عاماً لتصبح لديها القدرة على ضرب أبعد نقطة في فلسطين المحتلة على بعد 250 كيلومتراً.

لكن في المقابل، فإن هذا التطور دفعت المقاومة ثمنه، سواء عبر اغتيال قادتها وكوادرها وعناصرها، أو من خلال استهداف الحاضنة الشعبية لها بالحروب تارةً وبالحصار الاقتصادي والسياسي تارةً أخرى، وهو أمر تكرر منذ بداية الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أواخر عام 2005.

تاريخ المواجهات

أما عن تاريخ المواجهات، فيمكن القول إن أول جولة قتال حقيقية وقعت في القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة كانت في صيف عام 2006 حين بدأ الاحتلال عدواناً واسعاً في أعقاب عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

واتسمت هذه الجولة بتركز الغارات الجوية الإسرائيلية على المنشآت الحيوية، كالجسور والطرق العامة وشركة الكهرباء إلى جانب محاولة اغتيال عدد من قادة المجلس العسكري لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، على رأسهم القائد العام محمد الضيف ونائبه الحالي مروان عيسى.

وكان الهدف الإسرائيلي المعلن من وراء هذه العملية، التي سرعان ما انتهت نتيجة لاندلاع الحرب مع حزب الله في لبنان، استعادة الجندي شاليط، وهو ما لم يتمكن الاحتلال من تحقيقه ليضطر لاحقاً للقبول بالمفاوضات غير المباشرة لإبرام صفقة تبادل في 2011.


أول جولة قتال حقيقية وقعت بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة كانت في صيف عام 2006

وفي أواخر عام 2008 وبداية 2009، بدأ الاحتلال عملية عسكرية مباغتة في غزة أطلق عليها اسم "الرصاص المصبوب" فيما سمتها المقاومة الفلسطينية "معركة الفرقان".

وكانت شرارتها في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008، وكان الهدف الذي وضعته قيادة الاحتلال لهذه الحرب هو "إنهاء حكم حركة حماس في القطاع"، والقضاء على المقاومة الوطنية الفلسطينية ومنعها من قصف إسرائيل بالصواريخ، إلى جانب الوصول إلى المكان الذي تخبئ فيه المقاومة الأسير جلعاد شاليط.

استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة نحو 23 يوماً، وتوقفت في 18 يناير/ كانون الثاني 2009، واستخدم فيها الاحتلال أسلحة محرمة دولياً، مثل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأطلق أكثر من ألف طن من المتفجرات.

في المقابل، استهدفت المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب مستوطنات غلاف غزة بنحو 750 صاروخاً، وصل بعضها لأول مرة إلى مدينتي أسدود وبئر السبع.

أما عن حصيلة الشهداء، فقد أسفر هذا العدوان عن أكثر من 1430 شهيداً فلسطينياً، منهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة و134 شرطياً، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح، فيما دمر الاحتلال أكثر من 10 آلاف منزل دماراً كلياً أو جزئياً، واعترف بمقتل 13 إسرائيلياً، بينهم 10 جنود، وبإصابة 300 آخرين.

وتجددت المواجهة في عام 2012 وتحديداً في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، حين اغتال الاحتلال أحمد الجعبري، أحد أبرز قيادات "كتائب القسام" في عملية عسكرية أطلق عليها اسم "عمود السحاب" وسمتها المقاومة الفلسطينية "حجارة السجيل"، واستمرت 8 أيام.

وكان الهدف من هذه الحرب تدمير المواقع التي تخزن فيها حركات المقاومة صواريخها، واستشهد خلالها نحو 180 فلسطينياً، بينهم 42 طفلاً و11 امرأة، وجرح نحو 1300 آخرين، في حين قتل 20 إسرائيلياً وأصيب 625 آخرون، معظمهم بـ"الهلع".

وشهدت هذه الجولة إطلاق المقاومة أكثر من 1500 صاروخ، بعضها تجاوز مداه 80 كيلومتراً، ووصل لأول مرة في تاريخ الصراع إلى تل أبيب والقدس المحتلة، وفي 21 نوفمبر 2012 تم وقف إطلاق النار وإعلان اتفاق تهدئة من القاهرة.

وبعد نحو عامين شنّ الاحتلال في 7 يوليو/ تموز 2014 عملية عسكرية جديدة أطلق عليها اسم "الجرف الصامد"، فيما سمتها المقاومة "العصف المأكول"، واعتبرت هذه المواجهة هي الأطول في تاريخ الحروب والمواجهة بين المقاومة والاحتلال.

استمرت المواجهة 51 يوماً، شن خلالها جيش الاحتلال أكثر من 60 ألف غارة على القطاع، فيما كانت شرارتها بعد سلسلة من الأحداث في الضفة الغربية والقدس المحتلة، كان أبرزها عملية أسر وقتل المجندين الثلاثة في الخليل (إيال يفراح، جلعاد شاعر، نفتالي فرينكيل)، وخطف مستوطنين الطفل محمد أبو خضير وتعذيبه وحرقه حياً.

كان الهدف الإسرائيلي من وراء العملية العسكرية هو تدمير شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة تحت الأرض في غزة، وامتد بعضها ليتجاوز الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948.

وأسفرت هذه الحرب عن استشهاد 2322 شخصاً وجرح 11 ألفاً آخرين، في حين اعترف الاحتلال بمقتل 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وأصيب 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكرياً، وأسر 4 إسرائيليين.


دامت معركة "العصف المأكول" 51 يوماً في عام 2014

شهدت هذه المواجهة إطلاق المقاومة الفلسطينية أكثر من 8 آلاف صاروخ، استهدف بعضها مدناً تدخل المواجهة للمرة الأولى مثل حيفا، إلى جانب قصف تل أبيب وحيفا ووقف الرحلات في مطار "بن غوريون" (اللد) عدا عن إطلاق طائرات مسيرة للمرة الأولى.

وشهد عام 2018 جولة تصعيد محدودة قياساً بالمواجهات والحروب، ففي 12 نوفمبر منذ ذلك العام، ردت المقاومة الفلسطينية على تسلل قوة إسرائيلية خاصة إلى داخل القطاع واستشهاد مجموعة من المقاومين، باستهداف باص لجنود إسرائيليين على الحدود باستخدام صواريخ "الكورنيت" في عملية عسكرية أطلقت عليها المقاومة اسم "حد السيف".

تبع ذلك إطلاق القسام والأذرع العسكرية مئات الصواريخ محلية الصنع التي طاولت مستوطنات غلاف غزة، إلى جانب إدخال صواريخ جديدة للخدمة تحمل رؤوساً حربية ثقيلة، كان لها الأثر الكبير في استهداف مدينة عسقلان المحتلة وإصابتها بدقة غير معهودة.

وفي عام 2019 عاد الاحتلال لسياسة الاغتيالات، عبر استهداف قائد المنطقة الشمالية في "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي" في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، وأدى إلى استشهاده هو وزوجته.

ردت الجهاد على هذا الاغتيال في عملية استمرت بضعة أيام سمتها "معركة صيحة الفجر"، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات فلسطينية محتلة، بعضها وصل إلى تل أبيب. وأسفرت هذه الجولة عن استشهاد 34 فلسطينياً، وجرح أكثر من 100 آخرين.

"سيف القدس"

أما في عام 2021، فقد كانت المواجهة مختلفة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، التي استهدفت القدس المحتلة في 10 مايو/ أيار برشقة صاروخية، بعد توتر شهده المسجد الأقصى نتيجة للاعتداءات الإسرائيلية واستيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح. أطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم "حارس الأسوار" على هذه المواجهة، فيما كان الاسم الفلسطيني هذه المرة "سيف القدس".

وخلال هذه الجولة أطلقت المقاومة الفلسطينية أكثر من 4 آلاف صاروخ خلال 11 يوماً، فيما تجاوز مدى الصواريخ 250 كيلومتراً ليصل إلى مطار رامون على الحدود الفلسطينية الأردنية.

أسفرت هذه الحرب عن سقوط 250 شهيداً وأكثر من 5 آلاف جريح، فيما تعمد الاحتلال قصف عدة أبراج سكنية، واعترف الاحتلال بمقتل 12 إسرائيلياً وإصابة نحو 330 آخرين. وتم وقف إطلاق النار بعد وساطات وتحركات وضغوط دولية في 21 مايو 2021.

وبعد أكثر من عام، تحديداً في 5 أغسطس/ آب 2022، اغتالت إسرائيل تيسير الجعبري قائد المنطقة الشمالية لـ"سرايا القدس" في غزة، بعد استهدافه بطائرة مسيرة داخل شقة سكنية في "برج فلسطين" بحي الرمال.

حملت جولة التصعيد هذه اسم "الفجر الصادق" إسرائيلياً، فيما أطلقت عليها المقاومة، وتحديداً حركة الجهاد، اسم "وحدة الساحات". وجاءت هذه العملية نتيجة لحالة من التصعيد تبعت اعتقال القيادي البارز في الحركة في جنين بالضفة الغربية بسام السعدي والاعتداء عليه بوحشية.

ردت حركة الجهاد بإطلاق مئات الصواريخ على المدن المحتلة عام 1948، وطاول القصف مدن تل أبيب وأسدود وبئر السبع وعسقلان إلى جانب مستوطنات غلاف غزة، إضافة لاستهداف مطار بن غوريون، فيما بلغت الحصيلة الإجمالية للشهداء 24 شهيداً، بينهم 6 أطفال، وأُصيب 203 أشخاص بجروح مختلفة.