رفضت محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في المغرب، طلب مراجعة الأحكام الصادرة في حق 42 معتقلاً على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها منطقة الحسيمة (شمال المغرب) بين خريف 2016 وصيف 2017، بعد وفاة بائع سمك سحقاً داخل شاحنة قمامة، بينما كان يحاول استعادة أسماكه التي صادرتها السلطات.
وكشفت مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد "، عن أن محكمة النقض قضت، أول من أمس الأربعاء، برفض مراجعة الأحكام الصادرة في حق 22 معتقلاً قدّموا الطلب داخل الآجال القانونية، من بينهم قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، ورفيقاه نبيل أحمجيق وربيع الأبلق، في حين قضت بسقوط الطلب بحق 18 معتقلاً بدعوى عدم تقديمهم مذكرات، وبعدم قبول طلب متهم آخر جراء تقديمه خارج الآجال القانونية.
وكانت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء قد قضت في إبريل/نيسان 2019 بأحكام تتراوح ما بين عام واحد و20 سنة سجناً نافذاً في حق قادة حراك الريف، ضمن ما يعرف بمجموعة "الزفزافي ورفاقه"، في حين صدرت أحكام أخرى بالسجن في حق العشرات الآخرين من نشطاء الحراك.
وبحسب الناشط الحقوقي خالد البكاري، فإن قرار محكمة النقض تأييد الأحكام الاستئنافية كان متوقعاً، لسببين: أولهما أن نقضه كان سيُعتبر تشكيكاً في كل المسار القضائي، خصوصاً أن محاكمات ما زالت جارية وذات طابع سياسي يشرف عليها قضاة كانوا مساهمين في إدانة معتقلي الحراك. أما الثاني، فيتمثل في أن نقض الحكم سيتطلب إعادة المحاكمة في طورها الاستئنافي، وهو ما لا يمكن أن يتحمل السياق السياسي في البلاد حالياً تكلفته.
واعتبر الناشط الحقوقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ملف حراك الريف هو في النهاية ملف سياسي، وحلّه لن يكون إلا سياسياً عبر آلية العفو، وبالتالي يمكن أن يؤدي رفض النقض عوض إعادة المحاكمة، إلى تسريع الحل عبر هذه الآلية.
وعلّق عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الريف، محمد أغناج، على قرار محكمة النقض، بالقول: "شخصياً، ما زلت متشبثاً ببراءة المتابعين من التهم الثقيلة التي أدينوا بها، والتي لا تسندها في نظري أية وسائل إثبات سليمة. كما أعتبر المتهمين لم يتمتعوا بحقهم في محاكمة عادلة أمام قضاء مستقل نزيه ومحايد"، وفق تعبيره.
وأضاف، في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أؤكد قناعة هيئة الدفاع بأن القضية بدأت سياسياً، ويجب أن تنتهي عاجلاً بقرار سياسي يشمل الإفراج عن جميع المعتقلين، ورفع مذكرات البحث والمتابعات عن المعنيين بها، وفتح حوار يستهدف إدماج هذه المناطق في النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية".
وشكل مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية، في ليلة 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشرارة الأولى لاندلاع حراك الريف، بعد أن نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية اضطرت محافظ الإقليم ومسؤولاً قضائياً بارزاً إلى النزول للشارع من أجل التفاوض معهم.
ومنذ تلك الليلة، عمّت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمّى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، وتنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل.
وعرفت الاحتجاجات، لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، وشملت تظاهرات شهدت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات، ويبقى التركيز على محاكمات المعتقلين.
وبعد احتجاجات الريف، أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، 3 وزراء وعدداً من المسؤولين، لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية. وفي يونيو/ حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بإدانة الزفزافي و3 آخرين، هم سمير ايغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي، بالسجن لمدة 20 عاماً، وذلك بعد اتهامهم بـ"المساس بالسلامة الداخلية للمملكة".
كما قضت بحبس نشطاء آخرين لمدد تراوحت بين عام واحد و15 سنة، فيما قضت بالسجن 3 سنوات مع النفاذ في حق رئيس تحرير موقع "بديل أنفو"، الصحافي حميد المهداوي، بتهمة "عدم التبليغ عن جريمة تهدد سلامة الدولة".
ويُعتبر ملف حراك الريف من الملفات الشائكة والمعقدة، بكل تداعياته الحقوقية والمدنية، سواء من طرف الدولة، أو تعدد المتدخلين فيه وتنوعهم، من هيئات ولجان محلية ووطنية ودولية تُعبّر عن المعتقلين وأسرهم أمام الدولة وأجهزتها الرسمية.
وفي الوقت الذي جرت فيه مياه كثيرة تحت الجسر الرابط بين منطقة الريف والعاصمة الرباط، يبقى إطلاق سراح ما تبقى من معتقلين، وعلى رأسهم قائد الحراك، من المطالب الرئيسة التي يرفعها حقوقيون وجمعية عائلات المعتقلين، من أجل تحقيق تقدّم ملحوظ في مسار حلحلة الملف، الذي دخل سنته الرابعة، كما كان، خلال الأسابيع الماضية، موضوع مبادرات ودعوات أحزاب سياسية من أبرزها حزب "العدالة والتنمية "، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، وحزب "الأصالة والمعاصرة"، أكبر حزب معارض، وحزب "التقدم والاشتراكية المعارض.
وساهمت الجهود التي بذلت والإشارات التي توالت طوال الأشهر الماضية من قبل معتقلين سابقين وحتى من قائد الحراك بإمكانية طيّ الملف، في معانقة فوج جديد من المعتقلين (17 معتقلاً) للحرية من خلال عفو ملكي بمناسبة حلول عيد الفطر الأخير، في انتظار عفو جديد في مناسبات قادمة لطي الملف بصفة نهائية وتحقيق المصالحة.