حظي 17 سجيناً من معتقلي "حراك الريف" بعفو العاهل المغربي الملك محمد السادس، بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك اليوم الخميس في البلاد، فيما استُثني قائد الحراك، ناصر الزفزافي وزميلاه محمد جلول ونبيل أحمجيق من العفو.
وبحسب مصادر حقوقية، فقد استفاد من العفو الملكي معتقلون على خلفية "حراك الريف" من بينهم محكومون بـ20 سنة سجناً، ومعتقل مدان بـ 12 سنة، واثنان تراوح عقوبتهما السجنية ما بين سنتين وسنة حبساً، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ العفو جاء على خلفية مبادرة قادها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة عمومية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها) مع عدد من معتقلي الحراك، تُوجت برفع عدد منهم التماس العفو إلى العاهل المغربي.
ووفق المصادر ذاتها، فإن الجهود التي بذلت والإشارات التي توالت طوال الأشهر الماضية من قبل معتقلين سابقين وحتى من قائد الحراك بإمكانية طيّ الملف ساهمت في معانقة فوج جديد من المعتقلين للحرية في انتظار عفو جديد في مناسبات قادمة، لافتة إلى أن الملف بات في المحطة ما قبل الأخيرة للحل.
وفي الوقت الذي يخفض فيه العفو الجديد عدد معتقلي حراك الريف في السجون، يشير استثناء قائد الحراك، ناصر الزفزافي، بمعية زميليه محمد جلول ونبيل أحمجيق، إلى أن شروط الطي النهائي للملف مؤجلة إلى الأشهر المقبلة ولمناسبات أخرى دينية أو وطنية، وأن السلطات المغربية تسير في اتجاه طي الملف بشكل متدرج دون الخضوع للضغوط.
وقالت وزارة العدل المغربية، في بيان لها، إنه اعتباراً من الملك "للظروف العائلية والإنسانية للمدانين في إطار قضايا الأحداث التي عرفتها منطقة الحسيمة، وتجسيداً لما يخص به رعاياه الأوفياء وفي كل المناسبات، فقد أسبغ عفوه على 17 نزيلاً من بين المستفيدين بهذه المناسبة، وذلك بالعفو مما بقي من العقوبة السالبة للحرية الصادرة في حقهم".
"لا مبرر لاستمرار" الاعتقال
وتعليقاً على قرار العفو، قال الناشط الحقوقي، خالد البكاري إنه "لا يمكن المرء إلا أن يكون مستبشراً بالإفراج عن 17 معتقلاً من معتقلي حراك الريف على أمل إغلاق العفو عمّن بقي منهم، وكذلك كل المعتقلين بسبب الرأي أو الاحتجاج"، معتبراً، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لم يعد هناك ما يبرر استمرار الاعتقال السياسي بالمغرب، فلا الأوضاع الداخلية المطبوعة بالاحتقان الاجتماعي بسبب استمرار تداعيات جائحة كورونا، وكذا اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، ولا الوضع الخارجي المتسم بعودة ورقة حقوق الإنسان كمحدد ضمن محددات كثيرة في العلاقات الدولية، كما في الضغط الذي قد يصل إلأى حد الابتزاز للدول الضعيفة".
وجرت العادة في المغرب أن يُصدر الملك عفواً عن معتقلين، قد يصل عددهم إلى المئات، سواء من المتابعين قانونياً وغير الموضوعين في السجن بانتظار قرار المحكمة النهائي، أو المدانين من قبل المحاكم، وذلك خلال مناسبات وطنية ودينية، كذكرى المسيرة الخضراء وعيد العرش وعيدي الفطر والأضحى.
جرت العادة في المغرب أن يقوم الملك بإصدار عفو عن معتقلين، قد يصل عددهم إلى المئات
وينص الفصل الـ 58 من الدستور المغربي على أن "الملك يمارس حق العفو"، لكنه لم يقدم أية توضيحات أو شروحات لهذه العبارة القصيرة في النص الدستوري. فيما يورد الفصل الـ 42 من ذات الوثيقة أن قانون العفو يمكن أن يتداوله المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك.
ويعتبر ملف حراك الريف الذي تفجر، بعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف شمال المغرب، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، من الملفات الشائكة والمعقدة، بكل تداعياته الحقوقية والمدنية، سواء من طرف الدولة، أو تعدد المتدخلين فيه وتنوعهم من هيئات ولجان محلية ووطنية ودولية تُعبّر عن المعتقلين وأسرهم أمام الدولة وأجهزتها الرسمية.
من جهة أخرى، شمل العفو الملكي 12 سجيناً ضمن المحكوم عليهم في قضايا التطرف والإرهاب، الذين شاركوا في الدورة السابعة من برنامج "مصالحة" استجابة لملتمسات العفو التي سبق للمعنيين بالأمر المشاركة فيها، بعدما راجعوا مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، وأعلنوا رسمياً نبذهم لكل أنواع التطرف والإرهاب وتشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها ومؤسساتها الوطنية، وفق وزارة العدل المغربية.
ويندرج العفو الجديد عن المعتقلين المدانين بالإرهاب، في سياق وتيرة تبدو متواصلة منذ عام 2016، إذ يجري في كل سنة، وفي مناسبات دينية ووطنية، العفو عن عدد محدود من المعتقلين الذين يكونون قد شاركوا في برنامج "مصالحة"، وأعلنوا مراجعاتهم الفكرية والعقدية بخصوص عدد من القضايا، وصرحوا بنبذ التطرف والتشدد في أفكارهم وسلوكياتهم. وأعلنوا كذلك التمسك بثوابت الدولة من نظام ملكي ودين وسطي.
وينقسم معتقلو السلفية في السجون إلى ثلاث فئات رئيسية: الأولى تتمثل بمعتقلين ارتبطوا بالفعل بالدم ومخططات إرهابية، ولديهم أفكار متطرفة. فهؤلاء لا حظ لديهم في العفو. وفئة ثانية تتمثل بمعتقلين يرفضون المراجعات، باعتبار أنهم أبرياء، وليس لديهم ما يتراجعون عنه. بينما فئة ثالثة أعلنت صراحة مراجعاتها، وهي الشريحة المرشحة كل مرة للعفو الملكي.