بعدما ضاق الخناق على تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، في مدينتي الشيخ زويد ورفح، بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، اضطر التنظيم للتوجه نحو المناطق الغربية من المحافظة، حيث مدينة بئر العبد، وجنوبها وصولاً إلى مناطق وسط سيناء، حيث جبل المغارة ومحيطه.
وبذلك تفتح جبهة جديدة مع التنظيم، ذات سمات مختلفة عما كانت عليه الحال في رفح والشيخ زويد، والتي تحتاج إلى المزيد من القوة البشرية، والمعلومات الاستخبارية التي تعتمد على الأدوات البدائية.
وأوضح أحد العاملين في المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أن تنظيم "ولاية سيناء" انحصر في مناطق محدودة داخل المنطقة العازلة في مدينة رفح والتي يحظر على المقاتلين البدو دخولها حتى اللحظة، بالإضافة إلى بعض الفلول المتبقية للتنظيم في قرى غرب رفح، وجنوب الشيخ زويد.
تفتح جبهة جديدة مع التنظيم تحتاج إلى المزيد من القوة البشرية والمعلومات الاستخبارية
وسط سيناء... وجهة "داعش" الجديدة
وأضاف المصدر أن أنظار القائمين على الحملة العسكرية من قيادات عسكرية وأمنية، ومن القبائل، تتجه حالياً إلى بئر العبد والمغارة في وسط سيناء، حيث الجبهة الأكثر اتساعاً من حيث المساحة، والأكثر وعورة من حيث التضاريس.
وتحدث المصدر عن صعوبة التحرك في هذه المنطقة بالمركبات والآليات العسكرية، وإنما مشياً على الأقدام، ما يستدعي الاحتياط، لتجنب وقوع خسائر بشرية في صفوف القوة العسكرية، سواءً أكانت النظامية أو القبلية.
وأضاف المتعاون البدوي مع قوات الجيش في مدينة رفح، أن الجميع يعلم بخطورة المرحلة المقبلة في قتال تنظيم "داعش" في تلك المناطق، في ظلّ عدم خبرة المقاتلين البدو وبعض قوات الجيش بدروب الصحراء، وسط سيناء.
ولفت إلى أن "المعضلة ستكون بالتالي حقيقية أمام استمرار الحملة العسكرية لقوات الجيش، والتي قد تعتمد على القصف الجوي والمدفعي لمناطق يعتقد تواجد التنظيم فيها، مع التنبيه إلى أنها ستكون أقل فاعلية، في حال اختباء عناصر التنظيم في الكهوف والمغارات، التي لا يمكن تدميرها بالنيران الثقيلة".
ويأتي ذلك، بحسب المصدر، بعكس معركة رفح والشيخ زويد التي توسعت بشكل متسارع، نتيجة وضوح البيئة الجغرافية، ومعرفة المقاتلين بها جيّداً، لأن كل مجموعة عسكرية تقاتل في المنطقة التي كانت تقطنها قبل تهجير السكان منها مع بدء الحرب ضد "داعش" في عام 2013.
وبناء على ذلك، بيّن المصدر أن قيادة الاستخبارات المصرية ستكون مضطرة إلى حشد كل القوة البشرية التابعة للمجموعات القبلية، وبدعم عسكري مفتوح من القوات الخاصة والجوية، لملاحقة مجموعات "داعش" في دروب صحراء وسط سيناء، بمشاركة خبراء في الجغرافيا وقصّ الأثر والتعقب، مع قطع طرق إمداد الغذاء والماء المؤدية إلى كافة مناطق وسط سيناء، وعزل المنطقة التي يتواجد فيها التنظيم عن حركة السكان الأصليين.
وأشار المصدر إلى أن الجيش والمجموعات القبلية تسارع الخطى نحو ملاحقة التنظيم، تحسباً لتنفيذه هجمات ضد المصالح الاقتصادية والتجارية في وسط سيناء، كرد على الخسائر التي مني بها في شمال سيناء، تحديداً في رفح والشيخ زويد خلال الأسابيع الماضية.
وشملت الخسائر قتل عدد من أفراده وإظهار صورهم وهم قتلى تحت أقدام أبناء القبائل، واعتقال العشرات من نساء مقاتلي التنظيم، وتسليمهم من المجموعات القبلية لقوات الجيش المصري والاستخبارات.
ستعتمد الحملة على التنظيم في مناطق تواجده الجديدة على القصف الجوي والمدفعي بالإضافة إلى أهمية تعاون القبائل
يشار إلى أن المقصود بمناطق وسط سيناء التي باتت وجهة تنظيم "داعش"، مدينة ومركز الحسنة والقرى المحيطة بها، وهي التي تمثل الظهير الصحراوي لمدن شمال سيناء، رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، على امتداد المناطق الجنوبية لهذه المدن، من الحدود بين مصر والاحتلال الإسرائيلي وصولاً إلى محافظة الإسماعيلية "القنطرة شرق".
وتشمل مناطق الجدي والحمة والجفجافة والريسان والغرقدة والمغارة والمفارق والمنجم وبغداد وقرية والمليز ووادي العمرو والكيلو 64 (الوفاء) والقسيمة والمغفر والمقضبة والمنبطح وأم قطف وأم شيحان وبئر بدا وعرب بلى.
ويبلغ عدد السكان التقديري لهذه المنطقة لعام 2021، 22680 نسمة، ويعتمد سكانها على الرعي والزراعة كمصدر أساسي للرزق، بالإضافة إلى العمل في بعض المصالح الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة المصرية، والشركات القابضة.
أما أبرز المعالم الموجودة في وسط سيناء، فهي: منجم فحم المغارة وسد الروافعة وعين القصيمة وواحتها الطبيعية وعين قديس ومحاجر الزلط والتربة الزلطية ومحاجر الرخام في جبل يلق وممر الختمية وممر الجدي ومطار المليز العسكري، ومصنع إسمنت سينـاء ومنطقة الصناعات الثقيـلة بقرية بغداد ومنفذ العوجة مع الأراضي المحتلة.
منطقة أمنية صعبة للجيش المصري
وتعليقاً على ذلك، رأى باحث في شؤون سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وسط سيناء منطقة أمنية يصعب للغاية السيطرة عليها. وقال إن "أسطورة جبل الحلال ليست علينا ببعيدة، إذ إن كل الأنظمة التي حكمت مصر، على مدار التاريخ، لم تتمكن من فرض السيطرة التامة على شبه جزيرة سيناء. وبالتالي ستبقى حالة المناورة قائمة بين قوات الأمن وتنظيم "ولاية سيناء"، في مناطق وسط سيناء، خلال الفترة المقبلة، في ظل المساحات الشاسعة والتضاريس الوعرة التي تسمح للتنظيم بالاختباء بعيداً عن أعين طائرات الجيش وقواته وقصّاصي الأثر البدو".
ولفت إلى أن "البدو (المتعاونين مع الجيش) هم الحل الأنجح في الوصول إلى أماكن وصول عناصر داعش في حال تحركوا من أماكنهم".
وبرأيه فإن "الخطة العسكرية التي يتوجب على الجيش وضعها يجب أن تراعي الظروف الاستثنائية لهذه المنطقة، والتي تختلف تماماً عن مناطق رفح والشيخ زويد وغيرها".
وأضاف الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لتواجده في سيناء، أن التنظيم تعرض لخسارات فادحة في الجانبين المادي والبشري، لا يمكن تجاهلها، أو تقليل أثرها على قدرة التنظيم على الاستمرار في نشاطه في شمال سيناء خلال المرحلة المقبلة.
ولفت الباحث إلى أنه "لا يمكن الحديث في الوقت نفسه، عن انتهاء حقبة التنظيم بشكل كامل، في ظل وجود فلول لبعض مجموعاته الإرهابية في مدن رفح والشيخ زويد وبئر العبد، والعديد من الداعمين والمناصرين له".
وأشار إلى أن خطة الجيش المصري في الاعتماد على المجموعات القبلية في قتال "داعش" كانت ناجحة، على الرغم من تأخر تنفيذها، وعلى الرغم من المطالبات والمبادرات الكثيرة التي عرضت من مشايخ سيناء لإعطاء الفرصة لأصحاب الأرض في طرد الإرهاب منها، نظراً إلى خبرتهم في المناطق الصحراوية، وكذلك رغبتهم في العودة إلى ديارهم والدفاع عنها بعد سنوات من النزوح إلى خارج المحافظة.
وكانت المجموعات القبلية المجندة من قبل أجهزة الاستخبارات المصرية قد بدأت حملة عسكرية هي الأوسع نطاقاً والأكثر قوة وعدداً، ضد تنظيم "ولاية سيناء"، في مارس/آذار الماضي، بدأت في قرى جنوب رفح، وامتدت إلى جنوب الشيخ زويد، واستطاعت طرد التنظيم منها.
وواصلت الحملة المسير في اتجاه غرب رفح والشيخ زويد، إلا أنها واجهت مقاومة شرسة من التنظيم، أدت إلى وقوع العشرات من أفرادها بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش شملت قادة ميدانيين، وضباطاً. من جهته، خسر التنظيم العشرات من أفراده، والكثير من معداته ومخابئه، وأسلحته، والأراضي التي كان يسيطر عليها.