قالت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن المسؤولين بالأجهزة السيادية داخل النظام، وتحديداً في الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يزالون منزعجين، من التصريحات التي أطلقها الناشط المصري -الفلسطيني المفرج عنه أخيراً رامي شعث.
وكان شعث اتهم، في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، السلطات المصرية بإرهاب المعارضين من خلال اعتقالهم بشكل غير قانوني. واعتبر أن مصر تحولت إلى جمهورية خوف وإرهاب، مطالباً بمحاسبة النظام على انتهاكاته.
غضب مصري من شعث
وكشفت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن أحد كبار مسؤولي المخابرات العامة المصرية، وهو مقرب للغاية من السيسي، عبر، في أكثر من مناسبة، عن غضبه من هجوم شعث على النظام المصري. وقال إن قرار الإفراج عن شعث جاء "مجاملة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وليس لأي سبب آخر".
تجربة الإفراج عن شعث وسلطان قد تؤدي لإعادة السلطات التفكير بالإفراج عن آخرين
وقالت المصادر إن تجربة المسؤولين مع واقعة الإفراج عن شعث، الذي تنازل عن جنسيته المصرية مقابل إخلاء سبيله، وقبلها تجربتهم مع الناشط محمد سلطان الذي يحمل الجنسية الأميركية، والذي تنازل أيضاً عن الجنسية المصرية من أجل الإفراج عنه، ثم غادر إلى الولايات المتحدة، وبعدها دشن حملة دولية لفضح سياسات النظام، تجعل من المرجح أن يفكر المسؤولون المصريون أكثر من مرة قبل اتباع نفس الأسلوب مع معتقلين آخرين يحملون جنسيات دول غربية، وأولهم الناشط علاء عبد الفتاح، الذي أعلنت عائلته قبل أيام حصوله على الجنسية البريطانية.
ورجحت المصادر أن يكون حصول عبد الفتاح على الجنسية البريطانية، جاء كخطوة في سبيل التفاوض مع المسؤولين المصريين لإخلاء سبيله، كما حدث سابقاً مع سلطان، وشعث، وقبلهما محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية، بعد تنازلهم عن الجنسية المصرية.
وكان الناشط السياسي محمد سلطان، نجل القيادي الإخواني وأستاذ الشريعة بجامعة القاهرة صلاح سلطان والمحبوس منذ الانقلاب العسكري في العام 2013، قد صدر ضده حكم بالمؤبد 25 سنة، ودخل في إضراب طويل عن الطعام، مدته 495 يوماً، ما أدى إلى تدهور صحته.
سوابق بالإفراج عن حملة جنسيات أجنبية
ولأن سلطان يحمل الجنسية الأميركية، وخوفاً من موته بسبب الإضراب داخل السجن، طلبت السلطات منه التنازل عن الجنسية المصرية مقابل الإفراج عنه وترحيله إلى أميركا، وهو ما حدث في مايو/ أيار 2015.
السيناريو نفسه حدث مع الناشط السياسي والقيادي في حركة مقاطعة إسرائيل رامي شعث، الذي يحمل الجنسية المصرية استناداً إلى أمه. وعلى الرغم من أنه نجل قيادي كبير في منظمة التحرير الفلسطينية هو الوزير السابق نبيل شعث، فقد اعتقلته السلطات المصرية عامين ونصف العام سنة 2019 بتهمة "مساعدة جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر".
وقبل شعث تكررت الواقعة نفسها مع الصحافي المصري محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية، والذي حكم عليه بالسجن 7 سنوات. وبسبب ضغوط الحكومة الكندية طلبت منه السلطات المصرية التنازل عن الجنسية المصرية مقابل إطلاق سراحه وترحيله إلى كندا. ووافق فهمي، وتم ترحيله في العام 2015.
وأكدت المصادر، أنه بالنسبة إلى حالة محمد سلطان، فقد عبر المسؤولون المصريون عن غضبهم للإدارة الأميركية، خصوصاً بعد حملة الهجوم العنيفة التي شنها على النظام المصري بمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة.
ولفتت إلى أنه وصل الحال بالأجهزة المصرية إلى تسريب وثيقة تسليم سلطان إلى السلطات الأميركية، والتي تدعي أنه سيقضي باقي العقوبة في السجون الأميركية، وهو ما لم يحدث في الواقع".
اكتساب عبد الفتاح الجنسية البريطانية
وقالت المصادر إنه "على الرغم من عدم ضمان أسرة الناشط علاء عبد الفتاح، أن يتم تسليمه للسلطات البريطانية بعد حصوله على جنسيتها، وتنازله عن الجنسية المصرية، إلا أنها سعت لاكتسابه الجنسية في محاولة لإطلاق سراحه".
حصول عبد الفتاح على الجنسية البريطانية قد يكون خطوة للتفاوض مع المسؤولين المصريين لإخلاء سبيله
وأوضحت المصادر أن قرار السلطات البريطانية منح الجنسية لعبد الفتاح، جاء بعد ضغط من المنظمات الحقوقية العاملة هناك، والتي أطلقت ما يشبه حملة من أجل إطلاق سراحه، ساهمت في تفعيلها، خالته الكاتبة أهداف سويف.
اعتراض على الإفراج عن عبد الفتاح
وأكدت المصادر أن إحدى الشخصيات النافذة في النظام المصري، أبدت اعتراضاً على طلب قدمه نقابيون وصحافيون، للإفراج عن علاء عبد الفتاح. وأوضحت أن رفض المسؤول الكبير جاء قبل الإعلان عن حصول عبد الفتاح على الجنسية البريطانية، حيث أكد أنه سوف يحال إلى المحاكمة قريباً إلى جوار متهمين آخرين في قضايا جنائية.
وفي الوقت ذاته لم تستبعد المصادر أن تمارس الحكومة البريطانية ضغوطاً على النظام المصري للإفراج عن عبد الفتاح. وأوضحت أنه وقتها سيُطلب منه التنازل عن الجنسية المصرية، مثلما حدث مع حالات أخرى لمعتقلين يحملون جنسيات أجنبية، وطلب منهم التنازل عن الجنسية المصرية.
وقالت أسرة عبد الفتاح، في بيان في 11 إبريل/نيسان الحالي، إنه حصل على الجنسية البريطانية، ضمن مساع للبحث عن "أي وسيلة قد تبدو مستحيلة" لإطلاق سراحه، بعد أن أمضى نحو 3 سنوات ونصف السنة في السجن.
وأوضح البيان: "ثلاثتنا - علاء ومنى وسناء - نحمل، بالإضافة لجنسيتنا المصرية، الجنسية البريطانية عن طريق والدتنا ليلى سويف، التي ولدت بلندن في مايو/ أيار 1956 أثناء رحلة عمل أكاديمي لوالدتها".
وتابع: "لم نسع من قبل لمحاولة فهم موقفنا القانوني من ناحية الجنسية البريطانية. ولكن في 2019 اضطرتنا الظروف لإطلاق خيالنا ومحاولة التفكير في أي وسيلة قد تبدو مستحيلة للخروج من سجون السيسي التي ترفض إطلاق سراح أسرتنا، وبالأخص سراح علاء. وبالفعل بعد التواصل وتوكيل محامين متخصصين في إنكلترا، تأكد لنا طبقاً للقانون البريطاني حقنا في الجنسية البريطانية، وأتممنا جميع الأوراق الرسمية اللازمة".
وقالت المصادر إن حصول أسرة عبد الفتاح على الجنسية البريطانية يمكن أن يكون جاء كإجراء استثنائي، من الحكومة البريطانية، نتيجة الضغط الذي مارسته المنظمات الحقوقية عليها. وأشارت إلى أن إجراءات الحصول على الجنسية في الدول الغربية بشكل عام أصبحت في غاية الصعوبة، حيث تتطلب شروطاً، من بينها على سبيل المثال أن يكون طالب الحصول على الجنسية، قد أقام خمسة أعوام على الأقل داخل الدولة.
ولفتت المصادر إلى أن هناك داخل السجون معتقلين آخرين، تحمل أمهاتهم جنسيات دول غربية، منذ فترة طويلة، ولا يستطيعون الحصول على الجنسية.
وأشارت إلى أن من بينهم حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي قالت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012، إن والدته نوال عبد العزيز نور حصلت على الجنسية الأميركية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2006، وبناء على ذلك تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية.
وقالت صحف محلية آنذاك إن والدة أبو إسماعيل، التي توفيت عام 2010 عاشت سنواتها الأخيرة مع ابنة لها، زوجة لمصري يعيش في الولايات المتحدة، ويمكن أن تكون حصلت على الجنسية الأميركية.
وقالت المصادر إنه بالرغم من حصول والدة أبو إسماعيل على الجنسية الأميركية، إلا أنه من الصعب جداً أن يحصل أبو إسماعيل نفسه عليها، بناء على ذلك، نظراً لأن عمره يتجاوز الثمانية عشر عاماً، ولأن والدته توفيت، وهي التي كانت صاحبة الحق في طلب الجنسية لابنها، وذلك في حال أنها كانت تعيش في الولايات المتحدة.
رفضت السلطات المصرية طلباً لنجلاء يونس للتنازل عن جنسيتها وترحيلها إلى أميركا
وتستند السلطات المصرية في قرارات الإفراج عن المعتقلين الذين يحملون جنسيات دول أجنبية، وترحيلهم لتلك الدول إلى القانون رقم 140 لسنة 2014. وينص في مادته الأولى على أنه يجوز لرئيس الجمهورية، بناء على عرض النائب العام وبعد موافقة مجلس الوزراء، الموافقة على تسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وذلك لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة حسبما تقضي الأحوال، متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك، مع عدم الإخلال بأحكام القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
الجنسية الأجنبية لم تنقذ جميع المعتقلين
وبينما شكلت الجنسية الأجنبية طريقاً لبعض المعتقلين في مصر للإفلات من غياهب السجون، فإنها لم تنقذ آخرين، ومنهم من مات داخل السجن، مثل مصطفى قاسم الذي كان يحمل الجنسية الأميركية واعتقل عام 2013 وصدر بحقه حكم بالسجن 15 سنة.
وكان قاسم قدم طلباً للتنازل عن الجنسية المصرية في مقابل الإفراج عنه وترحيله إلى أميركا، إلا أن السلطات المصرية تجاهلت طلبه، فقرر الإضراب عن الطعام، لكنه مات داخل السجن.
ومن ضمن الحالات الأخرى، تأتي المعتقلة نجلاء يونس التي تحمل الجنسية الأميركية، والتي قدمت أيضاً طلباً للتنازل عن الجنسية المصرية وترحيلها إلى أميركا، ولكن تم رفض طلبها، وما زالت داخل السجن حتى الآن.