المعارضة السورية بعد تقارب أنقرة والنظام: لا تغيير للمواقف

05 يناير 2023
وقفة في جامعة إدلب رفضاً للمصالحة مع النظام السوري، أمس (العربي الجديد)
+ الخط -

يضع التقارب بين تركيا ونظام بشار الأسد المعارضة السورية على مفترق طرق سياسية، في ظل خيارات شبه معدومة أمام هذه المعارضة، التي سعت للتأكيد أنها تلقت تطمينات من الجانب التركي بأن التطبيع مع النظام السوري لن يتجاوزها، وأن الأولوية لدى أنقرة هي "محاربة الإرهاب والتعامل مع ملف اللاجئين السوريين في تركيا".

وفي حين شددت المعارضة على أن "لا تغيير للمواقف ولم يتحدث أحد عن تطبيع أو مصالحة"، وأن "ما يحصل لا يعني التخلي عن القرار الدولي 2254"، فإن أطرافاً فيها لا تزال مقتنعة بأن خطوة أنقرة مجرد مناورة سياسية قبيل الانتخابات التركية المقررة في يونيو/ حزيران المقبل.

واجتمع وفد من المعارضة السورية ضم رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، ورئيس الائتلاف الوطني المعارض سالم المسلط، ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، أمس الأول الثلاثاء، مع مسؤولين أتراك في أنقرة، في محاولة لمعرفة أهداف الجانب التركي من التقارب مع النظام.

تمسك بالقرار 2254

وأكد رئيس الائتلاف سالم المسلط، أمس الأربعاء، في بيان مصور نُشر على موقع الائتلاف الإلكتروني، الالتزام بـ"ثوابت الشعب السوري وثورته"، وبـ"نهج الشعب السوري ومطالبه في نيل حقوقه وحريته واستعادة وطنه"، مضيفاً: "نظام الأسد هو نظام إبادة ارتكب آلاف جرائم الحرب والمجازر بحق الشعب السوري الأعزل. النظام فاقد للشرعية اعتمد التدمير والقتل نهجاً".

وأثنى المسلط على الموقف التركي حيال الشعب السوري "منذ انطلاق ثورته"، مضيفاً: "احتضنت تركيا ملايين المهجرين السوريين"، وأشار إلى أن الجانب التركي ملتزم بـ"دعم الشعب السوري وعدم التخلي عن مطالبه ودعم المسار السياسي وفق القرار الدولي 2254"، مشدداً على أن "لا تغيير للمواقف ولم يتحدث أحد عن تطبيع أو مصالحة".

من جهته، قال جاموس إن وفد المعارضة السورية الذي اجتمع مع المسؤولين الأتراك لم يسمع كلاماً "خارج إطار القرار الأممي 2254"، وفق ما جاء في مقابلة له مع "تلفزيون سوريا" بثت مساء الثلاثاء، وأشار إلى أن "اجتماعات تركيا مع النظام السوري لم تتطرق إلى موضوع إدلب ولا مناطق سيطرة المعارضة"، كاشفاً أن الاجتماع اقتصر على موضوع التعاون ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وأكد أنه "غير قلق حتى الآن من السياسة والتوجّه التركيان"، مشيراً إلى أنه لم يُطلب من المعارضة مصالحة النظام من قبل أي جهة تركية.


مصدر في الائتلاف الوطني: الخطوة التركية باتجاه النظام السوري مناورة سياسية

وفي السياق، وصف مصدر مطلع في الائتلاف الوطني السوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، لقاء وفد المعارضة مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بـ"الجيد"، مضيفاً: "كان صريحاً من الجانبين"، وبيّن أن تأخير الاجتماع مرده سفر وزير الخارجية التركي إلى خارج البلاد، وقال إن "الاجتماع حصل مع وصول الوزير إلى أنقرة مباشرة".

وبحسب المصدر: "لدى الجانب التركي مسألتان ملحّتان في الملف السوري يريد التعامل معهما، وهما: محاربة الإرهاب المتمثل بحزب العمال الكردستاني وأذرعه في سورية، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم".

وأكد أن الجانب التركي "ليست لديه نيّة الخروج عن مضامين القرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري، لا سيما القرار 2254"، معرباً عن اعتقاده بأن الخطوة التركية باتجاه النظام السوري "مناورة سياسية لا أكثر ولا أقل قبيل الانتخابات في منتصف العام الحالي"، واعتبر أنه "ليس لدى نظام بشار الأسد ما يقدّمه لتركيا أو لغيرها".

وعن خطوات الائتلاف الوطني المقبلة، أكد المصدر أن "الائتلاف يريد مواصلة العمل على تنفيذ القرارات الدولية"، مشيراً إلى أنه "سيكون لنا تحرك في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة"، كما شدّد على تمسك المعارضة بالقرارات الدولية، معتبراً أن "لا حل سياسياً في سورية إلا وفق هذه القرارات، التي دعت بشكل واضح إلى انتقال سياسي وكتابة دستور جديد تجري على أساسه انتخابات".

كما أكد المصدر رفض المعارضة لأي مقاربات سياسية للملف السوري خارج سياق مسار جنيف التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة، واضعاً التظاهرات التي عمّت الشمال السوري، الجمعة الماضي، والمتوقع استمرارها بزخم أكبر رفضاً لأي تقارب أو تصالح مع النظام، في سياق "الدليل الواضح على أن القضية السورية لا يمكن تصفيتها بأي حال من الأحوال".

تطور الدوريات المشتركة التركية الروسية؟

في موازاة ذلك، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الأربعاء، إن بلاده يمكن أن تطور مسألة الدوريات المشتركة مع روسيا في الشمال السوري، على ضوء اللقاءات المستمرة معها، وجاء كلامه في تصريحات للصحافيين في أنقرة، تحدث فيها عن الاجتماع الثلاثي في العاصمة الروسية موسكو، الذي ضم وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وأوضح أكار تعليقاً على الاجتماع الثلاثي: "سيكون هناك استمرار للاجتماع، وتم الاتفاق اللازم حيال ذلك. يمكن أن نطوّر الدوريات المشتركة مع روسيا في شمال سورية"، من دون تحديد ما إذا كان ذلك سيتم بمشاركة النظام أو بتنسيق معه. وأضاف: "ستتواصل المرحلة المقبلة من خلال عودة لقاء الخبراء معاً، ونأمل أن تستمر هذه المرحلة بشكل ناجح ومعقول ومنطقي، وأن تتكلل بمكافحة الإرهاب بشكل ناجح".

وأكمل أكار بالقول: "أمنيتنا الأخرى أن نتمكن من إعادة إخوتنا السوريين الضيوف في تركيا بشكل آمن وطوعي ومحترم إلى بيوتهم وترابهم"، مشدداً على "أننا ندعم تطبيق القرار الأممي 2254 في كل وقت"، وتابع في ما يخص الاجتماع الثلاثي: "هدفنا هو أمن البلاد والشعب، ولهذا فإن مكافحة الإرهاب عنصر هام، وأبلغنا نظراءنا (الروس والسوريين) بأن تركيا حازمة في هذا الأمر، وشددنا على عدم رغبتنا باستقبال مزيد من اللاجئين".

وشدّد أكار على أن "السوريين في تركيا إخوتنا، نحن لا نتحدث هنا عن أي أمر أو قرار يمكن أن يضعهم في موقف صعب، وعلى الجميع أن يعرف موقف تركيا هذا ويتصرف وفقه وألا ينجر خلف عمليات التحريض التي تأتي في الأخبار من خارج تركيا، سياسة تركيا واضحة في هذا الأمر". وأكد أيضاً احترام تركيا وحدة وسيادة العراق وسورية، وأن "الغاية الوحيدة هي حماية تركيا وشعبها من هجمات الإرهابيين وتحرشهم والقضاء عليهم".


رضوان زيادة: الموقف الأميركي الرافض للتطبيع مع نظام الأسد سيكون له تأثير على التحرك التركي

ومع هذا التحول في السياسة التركية إزاء نظام الأسد، تبدو المعارضة السورية أمام خيارات سياسية محدودة، في ظل وجود أكثر من 4 ملايين سوري في تركيا، ومثلهم تقريباً في الشمال السوري يعتمدون على مساعدات دولية يعبر أغلبها من الجانب التركي.

ويتخذ الائتلاف الوطني السوري والمؤسسات التابعة له، وفي مقدمتها الحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم، من تركيا مقرات لها، وهو ما يحول دون قدرة الائتلاف على المناورة خارج الرؤية التركية للأوضاع في سورية.

وتعد تركيا هي الضامن الوحيد للمعارضة السورية في المسارات السياسية والتفاوضية خصوصاً مسار أستانة، الذي تحكم تفاهماته مجمل الأوضاع في الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضة التي باتت مدعومة بشكل أساسي من الجيش التركي.

واصطدم التقارب التركي مع النظام السوري برفض واضح من الولايات المتحدة، التي دعت دول العالم إلى عدم تطبيع علاقاتها مع نظام بشار الأسد "الديكتاتور الوحشي"، وذلك في معرض تعليقها على اللقاء الثلاثي في موسكو.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، للصحافيين: "نحن لا ندعم الدول التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، الديكتاتور الوحشي".

وضع المعارضة السورية

وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموقف الأميركي الرافض لأي تقارب أو تطبيع مع نظام الأسد "سيكون له تأثير على التحرك التركي باتجاه هذا النظام"، مضيفاً: "سابقاً لم يكن هناك موقف أميركي في هذا الإطار، ولكن الآن هناك رسالة واضحة أن هناك قوانين أميركية تعاقب على مثل هذا التقارب".

ولفت زيادة إلى أن وضع المعارضة السورية بعد التقارب التركي مع النظام "صعب للغاية"، معتبراً أنها "وضعت كل رهاناتها على التحالف مع الجانب التركي"، وتابع: "كان هذا التحالف فعالاً لعقد كامل، ولكن فجأة قررت أنقرة الانعطاف بشكل جذري"، وأشار إلى أن أنقرة "لا تأخذ بعين الاعتبار مواقف المعارضة السورية، وإنما يقوم الجانب التركي بإعلام المعارضة بأي تحرك من دون تنسيق حقيقي معها".

ودعا زيادة المعارضة السورية إلى التعامل مع التحولات التركية حيال النظام "بشكل جدي"، مطالباً بعدم التخفيف منها واعتبارها "جاءت بسبب الانتخابات التركية المقبلة، فهي ربما تقود إلى تقارب حقيقي بين نظام الأسد وأنقرة".

وأعرب عن اعتقاده بأن السعودية "غير مهتمة في الوقت الحالي بالانخراط مجدداً في الملف السوري"، داعياً المعارضة إلى إبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع الجانب التركي "كون القاعدة الأكبر من اللاجئين السوريين هي في تركيا".

المساهمون