المعارضة التونسية صامدة رغم ضربة الاعتقالات

06 ابريل 2023
من تظاهرة لجبهة الخلاص في العاصمة، مارس الماضي (Getty)
+ الخط -

تحاول المعارضة التونسية تشديد الضغط على السلطة وتضييق الخناق عليها، وعلى الرغم من تفرق هذه المعارضة، لكنها تسعى جاهدة لعدم التراجع في نسق الاحتجاج، في ظل حلول شهر رمضان الذي تتراجع فيه النشاطات السياسية عادة. ومع أنها لم تنجح في توحيد صفوفها بعد، فإن هناك إجماعاً واضحاً من المعارضة حول الأهداف، خصوصاً أن الاعتقالات شملت أغلب العائلات السياسية، وأثبتت أن السلطة تستهدف الجميع.

وتخرج جبهة الخلاص الوطني من جديد إلى شارع بورقيبة وسط العاصمة التونسية، يوم الأحد المقبل، في مسيرة احتجاجية تتزامن مع إحياء عيد الشهداء. وهي تواصل منذ أكثر من أسبوع اعتصاماً مفتوحاً شهد ندوات سياسية يومية بحثت الأوضاع السياسية وتطوراتها، بينما أقرت وقفة احتجاجية أسبوعية وسط العاصمة تونس للتضامن مع المعتقلين.

والإثنين الماضي، تجمّعت عائلات المعتقلين أمام سجن النساء تضامناً مع السجينة السياسية شيماء عيسى. وقبلها بأيام عقدت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية (العمال والتكتل والتيار الديمقراطي والقطب) وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العدل، للتنديد بالاعتقالات واستغلال القضاء من قِبل السلطة، وشهدت الوقفة حضور قيادات من جبهة الخلاص.

إجماع على استعادة الديمقراطية

واعتبر رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العمل السياسي عملية تراكم، ونحن نُراكم القوة"، مذكّراً بأن الرئيس قيس سعيّد "عندما انطلق كان أمام طريق مفتوح، وكان جزء هام من الرأي العام يعلّق عليه الآمال، ولكنْ اليوم جزء كبير من هذا الرأي العام، من خلال الاستفتاءات ونتائج الانتخابات التشريعية، يبيّن أنه غير مهتم بمشروع قيس سعيّد".

الشابي: الاعتقالات التي شملت شخصيات سياسية عدة ستكون لها نتيجة عكس ما تتصوره السلطة

وأوضح الشابي أن "الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المدنية وشخصيات مستقلة عدة، تُجمع اليوم على ضرورة إيقاف هذا التدهور، وضرورة إحداث التغيير واستعادة الديمقراطية". ولفت إلى أن "موازين القوى تتغير، ليس لفائدة السلطة وإنما لصالح قوى التغيير، وإضافة لذلك فإن خطر الانهيار الوشيك والأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقرّبنا نحو نقطة التحوّل التي لم تحنْ بعد، ولكنها ستأتي".

وأضاف أن الاعتقالات التي شملت شخصيات سياسية عدة ستكون لها نتيجة عكس ما تتصوره السلطة، مشيراً إلى أن "هناك 4 من أعضاء الهيئة التسييرية لجبهة الخلاص وراء القضبان، ولكن مع ذلك يتواصل النضال بمختلف الأشكال، وهناك اعتصام مفتوح في مقر جبهة الخلاص، وهناك يومياً حلقات نقاش سياسية وحوارات تضم شخصيات مهمة حول عدة قضايا تهم وضع البلاد ووضعية السجناء السياسيين، وهناك مسيرة يوم 9 إبريل في شارع بورقيبة، وبالتالي فالنضال مستمر".

من جهته، قال الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي، إن "الوضع العام يبعث على التفاؤل على عكس ما يعتقد البعض، لأن الحصار حول سعيّد يتوسع، والانقلاب يُفضح أكثر فأكثر". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن هناك "قوى عدة كانت مترددة حول الموقف من 25 يوليو (انقلاب سعيّد في 25 يوليو/ تموز 2021)، وكانت تعتقد أنها يمكن أن تشكّل لحظة للإصلاح، ولكنها اليوم بصدد القيام بمراجعات، والالتحاق بصفوف المعارضة".

الهمامي: قيس سعيّد ماضٍ في الاستبداد، لكنه سيجد قوى تتصدى له

وأشار الهمامي إلى أن "فئات من الشعب كانت تعتقد أن الانقلاب سيحسّن أوضاعها المعيشية، ولكنها ترى اليوم أن أوضاعها تدهورت"، مضيفاً أن "الخيار ليس بالضرورة بين قيس سعيّد أو النهضة، ولا حتى مع ورثة نظام زين العابدين بن علي، بل في طريق آخر مستقل حول برنامج إصلاحي يحقق مطالب الشعب وشعارات الثورة، شغل وحرية وكرامة وطنية".

واعتبر أن "قيس سعيّد ماضٍ في الاستبداد، ولكنه سيجد قوى تتصدى له، ومثلما تصدّت لنظام بن علي ولمنظومة ما قبل 25 يوليو ولتحالف نداء تونس والنهضة فتتصدى لهذا النظام الذي يمثّل ذروة الثورة المضادة"، مشدداً على أن "الانقلاب ليس لتحسين الأوضاع، وإنما لتصفية المكاسب الديمقراطية التي حققها الشعب التونسي".

وعن وضع المعارضة التونسية، قال الهمامي إن "المعارضة معارضات، وهذا ليس في تونس فقط، فكل معارضة تُعارض من موقعها ومن وجهة نظرها وليس من المنطلقات نفسها". وتابع: "أسسنا تنسيقية القوى التقدمية الديمقراطية التي تتكوّن من مجموعة من الأحزاب، وهي متباينة مع جبهة الخلاص ومع الدستوري الحر ونطرح بديلاً لا يقبل الانقلاب، ولكنه لا يعود إلى ما قبله ولا إلى ما قبل ثورة 14 يناير، ونرى أن هذا الطريق هو الطريق السليم".

اتجاه واحد للمعارضة التونسية رغم التفرق

من جهتها، رأت نائبة رئيس مجلس النواب السابق سميرة الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المعارضين وحتى إن لم يكونوا ضمن هيكل موحد إلا أن المهم أنهم كلهم في الاتجاه نفسه، مبينة أن "تنّوع النضالات والتحركات السلمية وإضرابات الجوع والاعتصام والوقفات الاحتجاجية، كلها تجعل دائرة المعارضة تتوسع وتقترب في الأهداف والشعارات، في المقابل فإن من هو بصدد الانعزال هو قيس سعيّد".

وأوضحت الشواشي أن "الهدف الأهم للجميع هو مقاومة الانقلاب، وحضور قيادات في جبهة الخلاص لأول مرة في وقفة مع تنسيقية القوى الديمقراطية أمام وزارة العدل خلال الأسبوع الماضي كان لمساندة المعتقلين وعائلاتهم لأن أي صوت حر ديمقراطي يرى أن ما يتعرض له المعتقلون مظلمة، ومن الطبيعي أن يكون حاضراً في هذه المحطات، خصوصاً أن عائلات المعتقلين من مختلف الانتماءات طلبت من جبهة الخلاص المساندة والحضور، وهذا واجب خصوصاً أن لديهم قيادات وشخصيات موقوفة".

وفي قراءة للمشهد، اعتبر عضو الهيئة التسييرية لجبهة الخلاص، محمد القوماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من أن الاعتقالات السياسية شملت الطيف السياسي الواسع من المعارضة وحتى من غير رجال السياسة، فإن الدرس لم يُستخلص، ولا تزال المعارضة مشتتة، ولا يوجد الحد الأدنى من التقائها، لا على ورقات عمل ولا على برنامج للخروج من الأزمة أو في تحرك ميداني".

القوماني: المعارضة لم تستخلص الدرس من انقلاب 25 يوليو، وكانت المناكفات السياسية الحادة من أسباب الوصول إليه

ورأى القوماني أن "المعارضة التونسية لم تستخلص الدرس من انقلاب 25 يوليو، وكانت المناكفات السياسية الحادة من بين أسباب الوصول إليه، وهي مناكفات بين طبقة أضاعت فرصة تاريخية بعد أن أعطتها الثورة فرصة لأخذ مقاليد الحكم والقرار من مواقع مختلفة، ولكنها سمحت بإمكانية الانقلاب على عشرية الانتقال الديمقراطي".

ولفت إلى أن "جزءاً من المعارضة كان مسانداً لهذه الإجراءات الاستثنائية رغبة في ضرب أطراف معينة، وهذا يذكّر بمرحلة استهداف الرئيس المخلوع بن علي لحركة النهضة، ثم دارت ماكينة الاستبداد لتشمل الجميع". وأضاف أنه "بعد سنة ونصف السنة من الانقلاب لم تستفد المعارضة ولم تقم بمراجعات، سواء من كانوا في الحكم أو عارضوا أو ساندوا الانقلاب أو ساعدوا على الانقلاب بالمناكفات وترذيل البرلمان والمس بأسس العمل الديمقراطي"، معتبراً بالتالي أن "جميع الأطراف مدعوة للقيام بمراجعات، بمن في ذلك المجتمع المدني، وإلا فإن التاريخ لا يرحم".

ورأى القوماني أن "الصراع بين السلطة والمعارضة وصل إلى مرحلة حاسمة، خصوصاً بعد استهداف قادة بارزين ممن كان لهم دور في محاولة توحيد المعارضة، وبالتالي كان الاستهداف على هويات الأشخاص"، معرباً عن اعتقاده بأن "هناك عقلاً سياسياً اشتغل على فكرة ملف المؤامرة، وجزءاً آخر اشتغل على استهداف شخصيات من خارج تهمة المؤامرة كعلي العريض ونور الدين البحيري وآخرين، والغاية شل العمل السياسي الذي كان يبحث عن حل للخروج من الأزمة".

وأشار إلى أن "المعارضة تضررت عملياً بهذه الاعتقالات، لكنها لا تزال صامدة، والفرصة ممكنة والمرحلة حاسمة لأن السلطة قررت إسكات المعارضة التي لا تزال صامدة في الدفاع عن الحقوق والحريات، ولكنها مرتبكة وكأنها خرجت من مربع السياسة إلى مربع الدفاع عن الحقوق والمطالبة بالحريات، إلا أنه دون المربع السياسي".

المساهمون