يتواصل في تونس "حوار الطرشان" بين الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه، ويتثبت معه مشهد الأزمة في صورة متواصلة منذ أشهر: احتجاجات المعارضة العاجزة عن تشكيل جبهة قوية فاعلة وقادرة على تغيير حقيقي، ورئيس يمعن في العناد ويدفع بالأزمة إلى أقصاها، وتوقعات موضوعية بأن تعصف العوامل الاقتصاديّة والاجتماعية بكل شيء.
وإدراكاً منها بضرورة تحريك المياه الراكدة، قررت المبادرة الديمقراطية (مواطنون ضد الانقلاب) أن تعود مجدداً إلى الشارع بعد غد الأحد 20 مارس/آذار، في ذكرى العيد الوطني التونسي، الموعد الذي اختاره سعيّد أيضاً لإنهاء استشارته الإلكترونية، والذي كان يتوقع أن يكون يوم احتفال بنجاحها الجماهيري، وتتويجاً لسند شعبي، ولكن يبدو أنه سيكون مخالفاً تماماً لتوقعاته.
وقالت المبادرة إنها ستنزل للشارع "تصدياً لسياسة العبث التي تنتهجها سلطة الانقلاب، والتي تهدّد كيان الدولة والمجتمع"، وتدعو إلى "التعبير عن التمسّك بمواصلة النضال، وإسقاط الانقلاب، وعودة المسار الدستوري بوصفه الحل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية، والمأزق السياسي الذي وضع فيه الانقلاب البلاد".
وأكدت المبادرة، في بيان لها الخميس، "رفضها التام لما تُسميه سلطة الانقلاب "الاستشارة الوطنية"، ورفض مخرجاتها، واعتبار خريطة الطريق التي قدمها المُنقلب تحايلاً على إرادة الشعب، وإيغالاً في المسار التخريبي الذي يمارسه الانقلاب".
وحذرت من "الانهيار الاقتصادي المؤذن بالانفجار الاجتماعي، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد عُزلة دولية، وافتقاراً تاماً لأيّ رؤية وطنية للحلّ، في ظل حكم فردي يكتفي بحركات فولكلورية، ومسرحيات استعراضية طارِدة للاستثمار، وتستهدف التجار والصناعيين تحت اسم محاربة الاحتكار".
"أزمة ثقة"
ويذهب القيادي في "حركة النهضة" محمد القوماني إلى تحليل أسباب هذا المشهد المتجمد منذ أشهر، ويفسر في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "بعد 8 أشهر من القرارات الانقلابية لقيس سعيّد، يمكن القول إنه نجح في إحكام السيطرة على السلطات الثلاث، والنزوع نحو حكم فردي مطلق، ولكنه، رغم ذلك، لم ينجح في تمرير مشروعه، وحتى جزء هام ممّن أيده يوم 25 يوليو/تموز انتفض من حوله، وفي المقابل قامت المعارضة بمجهود كبير للاحتجاج على القرارات الانقلابية، والدعوة إلى إسقاطها، ولكنها عملياً أيضاً لم تنجح في إسقاط الانقلاب الذي ظل مدعوماً من القوى الصلبة في الدولة، ومن قبل سلطة الأمر الواقع".
وأضاف القوماني أن "سعيّد استغل، بلا شك، حالة الانقسام التي تعيشها المعارضة، سواء قبل 25 أو بعدها، فقد كان هناك انقسام حاد جداً في البرلمان، والائتلاف الداعم للحكومة كان يجد صعوبات في الحصول على الأصوات المطلوبة لتمرير مشاريع القوانين الأساسية، والمعارضة فشلت أيضاً في إطاحة الأغلبية، ولكن حالة الانقسام زادت بعد 25 يوليو".
ولاحظ أن "المشهد السياسي يعاني من أزمة ثقة بين أطرافه، ليس فقط في علاقته بـ(النهضة)، وإنما حتى في العلاقات البينية، والدليل أنهم لم يجتمعوا لا مع (النهضة) ولا وحدهم ضد (النهضة)"، مؤكداً أن "الانقسام ليس سياسياً فقط، وإنما هو أيضاً أيديولوجي ونخبوي، والدليل أن موجة التضامن مثلاً مع عميد المحامين عبد الرزاق الكيلاني، المسجون حالياً، كانت محدودة مقارنة بمحاكمات سياسية أخرى حتى قبل الثورة، رغم العلاقات الجيدة للعميد الكيلاني بكل الأطراف".
وبيّن المتحدث أن "الانقسام واضح أيضاً في صفوف القضاة، والرئيس قيس سعيّد استضعف المجلس الأعلى للقضاء، وتولّى حلّه عندما لاحظ هذا الانقسام"، مشيراً إلى أن "الانقسام في صفوف النخب والمعارضة والقطاعات المهنية أضعف مقاومة الانقلاب".
وأوضح أن "هناك فشلاً في إسقاط الانقلاب، يقابله فشل في تمرير الرئيس مشروعه السياسي، وهذا الوضع لا يساعد البلاد على تجاوز أزمتها وفتح أفق أفضل، وهناك خطر اقتصادي واجتماعي يتفاقم، والجهات الدولية المانحة، دولاً وصناديق، تشترط الاستقرار السياسي، وموافقة القوى الفاعلة من أحزاب ومنظمات، وفي الوضع الحالي، لا تتوفر هذه الشروط، وبالتالي سيتأخر التمويل أو ينعدم، والشعب هو الذي سيدفع التكلفة".
ورأى أن "لا حلّ سوى الحوار بين الجميع، وضمنه يتم طرح مختلف السيناريوهات، سواء بالاتفاق مع الرئيس أو لا، وهناك دعوات للحوار من اتحاد الشغل أو من قبل المعارضة التي قد يوحدها الواقع الموضوعي، لتجد صيغاً لفتح آفاق للبلاد، وتقدم مخرجاً للأزمة السياسية".
لا بديل حقيقياً
وحول نفاذ الوقت ومضي سعيّد في مشروعه من ناحية، وتواصل احتجاجات ونضال المعارضة على مدى أشهر من ناحية أخرى، من دون تقدم فعلي في حلّ الأزمة، يرى رئيس الهيئة السياسية لحزب "أمل" أحمد نجيب الشابي أن "السياسة هي فن الممكن، والكل يتمنى أن تتشكل الجبهة السياسية اليوم قبل الغد، ولكن هل توفرت شروطها أم لا؟ وبالتالي، لا بد من العمل على تهيئة الأرضية، وتوفير الشروط من أجل تكوين جبهة وطنية للخلاص، ومزيد من التباحث والتشاور من خلال اللقاءات الفكرية والأعمال الميدانية، كالاحتجاجات"، مؤكداً أن "سعيّد استفاد بالضرورة من تشتت المعارضة وانكماش المجتمع المدني، وهذا مصدر قوته".
وأكد الشابي، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا بد من حلّ سياسي يوقف الانحدار الاقتصادي والاجتماعي، ويفتح باب العودة إلى الديمقراطية الجامعة لكل الأطراف"، مضيفاً أن "الاجتماعات واللقاءات بين المعارضة تمهد لقيام جبهة تشكل قوة ضاغطة من أجل مؤتمر وطني للحوار، يمثل الإطار الوحيد لتلتقي مختلف الأطياف، وينظر في المستقبل".
من جهته، يؤكد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مشاريع قيس سعيّد فشلت رغم الانقلاب على الدستور وحلّ المجلس الأعلى للقضاء وتنظيم استشارة إلكترونية، لقد أصبح سعيّد وانقلابه أشبه بجثة".
وبين الغيلوفي أن "هناك في المقابل إشكالية داخل الطبقة السياسية، فلا يوجد بديل حقيقي على الساحة، وهناك فراغ كبير لدى الطبقة السياسية التي لم تطرح بديلاً، ولم تستطع أن تشكل جبهة لإغلاق قوس الانقلاب".
وبيّن المتحدث أن "مواطنون ضد الانقلاب" بصدد الإعداد لهذه الجبهة، و"قيس سعيّد قوس زائل، ولكنه سيخلّف عدة أضرار، ويجرف ما راكمته الدولة التونسية الحديثة بعد الاستقلال"، مؤكداً أنه "رغم كل شيء، هناك تفاؤل، لأن لا أفكار ولا مشروع لدى سعيّد، وهو دخيل على الحياة السياسية".