المعارضة البريطانية تدعو جونسون لمصادرة أصول الأوليغارشية الروسية

05 مارس 2022
يرى المنتقدون أن حكومة جونسون متأخرة مقارنة بما فعلته أميركا ودول أوروبية (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه حكومة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، انتقادات لاذعة على خلفية سياسة معاقبة الأوليغارشية الروسية المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسلطات الروسية. وتأتي هذه الانتقادات على مستويين: الأول يتعلق ببطء إصدار العقوبات تجاه الأوليغارشية، الأمر الذي يتيح لهم مزيداً من الوقت للتحايل على العقوبات، وربما تجنبها، فيما يطاول الثاني طبيعة العقوبات التي تنحصر في تجميد الأصول دون مصادرتها.

لا تقتصر الانتقادات على الأحزاب المعارضة لحكومة جونسون، ولا سيما حزب العمال، بل تضمّ طيفاً واسعاً من حزب المحافظين الحاكم، إلى جانب أصوات من الحكومة ذاتها. فيما ترى الحكومة أنه يجب معالجة العوائق التي تحدّ من تبني سياسات عقابية صارمة وسريعة، كما وعد جونسون، بالتوازي مع تسليط الضوء على نجاحها في مواقع أخرى.

روسيا

وتيرة عقوبات بطيئة وانتقادات متصاعدة

يرى المنتقدون أن الحكومة متأخرة في إجراءاتها العقابية تجاه الأوليغارشية الروسية، مقارنة بما فعلته أميركا والدول الأوروبية الأخرى، ويستهزئون بتصريحات رئيس الوزراء التي نقلتها صحيفة "ذا ميرور"، يوم الخميس، والتي زعم فيها أنه يقود العالم في معاقبة الكرملين وفي فتح تحقيق في جرائم الحرب، فيما لم تستهدف المملكة المتحدة حتى الآن سوى 11 روسياً من المقربين للكرملين، في الوقت الذي فرض فيه الاتحاد الأوروبي عقوبات تشمل حظر السفر على 702 شخص، منهم جميع أعضاء البرلمان الروسي، وأكثر من 50 منظمة مرتبطة ببوتين، تقول الحكومة البريطانية إنها تعتزم إلحاقهم بعقوباتها قريباً.

وتزداد الانتقادات، رغم محاولة جونسون الحدّ منها عبر توسيع قائمة العقوبات، التي كانت تضم ثلاثة من الأثرياء الروس المقربين من بوتين فقط، لتشمل 100 مستهدف، بينهم شركات وأفراد، ثمانية منهم من الأوليغارشية المقربة من بوتين، كذلك ألغى جونسون نظام التأشيرة الذهبية (بُدئ العمل به في 2008)، الذي يمنح حق الإقامة لجميع المستثمرين الأجانب الذين تبلغ قيمة استثماراتهم أكثر من مليوني جنيه إسترليني (2.7 مليون دولار).

بدورها، نقلت صحيفة "ذا تايم" البريطانية يوم الأربعاء الماضي، تصريحات لوزيرة الخارجية ليزا تروس، أشارت إلى أن "الحكومة تعمل على استهداف المزيد من الأوليغارشية الروسية المرتبطة بالكرملين".

ولم تتمكن التصريحات والقرارات الحكومية من امتصاص غضب الشارع والنخبة البريطانية، حيث تساءل زعيم "حزب العمال" المعارض، كير ستارمر، في لقاء مع وكالة "بلومبيرغ" الأربعاء، عن سبب "عدم إدراج إيغور شوفالوف، نائب رئيس الوزراء السابق لبوتين، على قائمة عقوبات المملكة المتحدة، على الرغم من وجوده على قائمة الاتحاد الأوروبي".

كذلك انتقد وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، الحكومة أيضاً، وفق ما نقلته صحيفة "ذا غارديان"، الخميس، بقوله إن "من غير المقبول بعد أسبوع على غزو بوتين غير القانوني لأوكرانيا، أن تعاقب حكومة المملكة المتحدة 11 شخصاً فقط. كان على الوزراء التحضير لهذا الاحتمال منذ شهور عديدة، لكونه يحظى بدعم البرلمان، ليس هناك عذر لفشلهم في سَنّ قوانين قوية بما فيه الكفاية تسهّل فرض العقوبات. إن فشل الحكومة في مواكبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن العقوبات يسمح للأوليغارشية المرتبطة ببوتين بإنقاذ مئات الملايين من الأصول".

يرى المنتقدون أن الفشل في مواكبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يسمح للأوليغارشية المرتبطة ببوتين بإنقاذ مئات الملايين من الأصول

وترفض حكومة جونسون الإقرار بالتقصير الحكومي، وتصرّ على أن العقوبات البريطانية مؤلمة وقاسية، مع تأكيد عزمها على "خنق" روسيا والطبقة المحيطة والداعمة لفلاديمير بوتين أكثر، كما توحي بذلك تصريحات جونسون التي نقلتها "بلومبيرغ"، الأربعاء، والتي قال فيها: "علينا الفخر بما فعلناه بالفعل، سنواصل تشديد العقوبات على نظام بوتين. ستنشر الحكومة قائمة كاملة بالأفراد المرتبطين بالزعيم الروسي وحكومته".

ورأى المتحدث باسم جونسون، مع صحيفة "ذا غاردين"، الخميس، أن الإجراءات التي تستهدف الشركات والبنوك الروسية الأخرى أكثر فعالية في قطع التمويل عن نظام فلاديمير بوتين. وقال: "نحن نعطي الأولوية للعقوبات ذات التأثير الأكبر أولاً"، مؤكداً أن البطء يعود إلى القيود القانونية المعيقة، قائلاً: "نحن فقط نتأكد من أننا قمنا بالعمل المطلوب الذي يفي بالمعيار القانوني. هناك مراجعة مستمرة من أجل تمهيد الطريق للمضي بشكل أسرع. لقد عاقبت المملكة المتحدة البنوك والشركات الروسية بشكل أكبر من الحكومات الأخرى".

وردت وزيرة الخارجية ليزا تروس، على اتهامات النواب المحافظين لوزارتها بعدم الاستعداد مسبقاً، بقولها لصحيفة "ذا غاردين"، الخميس: "لا يصح اعتبار العقوبات مسألة تنافسية مع دول أخرى، هناك أسباب قانونية تستدعي هذا الوقت".

دعوات لمصادرة أموال الأوليغارشية

يسلط طيف الانتقادات الثاني الضوء على طبيعة العقوبات الحكومية التي تجمّد أموال المعاقبين دون مصادرتها، فينطلق من اعتبار أموال الأوليغارشية الروسية أموالاً منهوبة، يجب إعادتها إلى الشعب الروسي في أقرب وقت ممكن، لذلك يجب مصادرتها ومصادرة جميع العقارات، والاستفادة منها في إيواء اللاجئين الأوكرانيين.

وقد طالب عمدة مدينة لفيف الأوكرانية، أندريه سادوفي، في تصريح نقله موقع "بزنس إنسايدر"، الأربعاء، جونسون بـ"البدء فوراً بتجميد الحسابات المصرفية للأوليغارشية الروسية في لندن، ومُصادرة فِللهم الفاخرة. إذ من الأفضل استخدام تلك القصور في إيواء اللاجئين الأوكرانيين".

وتنطلق الانتقادات البريطانية أيضاً من إجراءات المصادرة الأوروبية والأميركية، كما في مصادرة ألمانيا يختاً ضخماً يملكه الملياردير أليشر عثمانوف.

وعزز هذه الانتقادات النائب العمالي كريس براينت، في حديث لصحيفة "ذا ميرور"، الخميس، فقال: "لا أفهم لماذا لم نستولِ حتى الآن على يخت أو قصر أو أصل قيّم من المقربين لبوتين، على عكس جيراننا الأوروبيين؟"، وقد أيده رئيس لجنة الشؤون الخارجية، توم توغندهات، بقوله للصحيفة ذاتها: "يجب الاستيلاء على أصول المرتبطين والمستفيدين من آلة بوتين الحربية، وعلينا الاحتفاظ بها كأمانة وإعادتها إلى الشعب الروسي، في أسرع وقت ممكن".

وقد نقلت "بلومبيرغ"، الأربعاء، عن مصدر مطلع، أن وزير الدولة للإسكان والمجتمعات، مايكل جوف، يبحث في خطط لمصادرة ممتلكات تعود للأوليغارشية الروسية الخاضعة للعقوبات، دون دفع تعويضات لهم، ونقل المصدر تأييد جونسون للخطوة.

وأكدت مصادر خاصة بصحيفة "ذا ميرور"، الخميس، الخبر ذاته، وأضافت أن الحكومة ناقشت كذلك استخدام القصور المصادرة لإيواء اللاجئين الأوكرانيين، مع طرح إمكانية بيع العقارات واستخدام عائداتها لمساعدة اللاجئين، بدلاً من إسكانهم في القصور، ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله: "من الناحية الواقعية، لا أستطيع أن أتخيل أن القصر المكون من 10 غرف نوم سيكون أنسب مكان للإقامة".

مشروع قانون جديد

ونقلت "ذا ميرور"، الخميس، عن مصادر خاصة أن الحكومة عازمة على إصدار قانون جديد، يتيح مصادرة الممتلكات أو الأراضي المملوكة لكبار رجال الأعمال الخاضعين للعقوبات بسبب صلاتهم بفلاديمير بوتين، أو استخدامها أو بيعها، وذلك لأن قوانين المملكة الحالية لا تسمح بذلك، حيث يتيح القانون الحالي للمعاقبين استخدام أموالهم بذريعة الاستهلاك اليومي، وهو ما يتيح لعائلاتهم التمتع بثرواتهم وممتلكاتهم السكنية والترفيهية.

ويفرض مشروع قانون بوريس جونسون للجرائم الاقتصادية المُجدَّد، الذي قُدِّم في 28 فبراير/شباط، الكشف عن هوية مالكي العقارات والشركات ذات الملكية المجهولة، الأمر الذي يحدّ من قدرة الفاسدين على الاختباء والتهرب من العقوبات.

كذلك يغطي مشروع القانون التكاليف القانونية التي قد يتكبدها تطبيق القانون في أثناء محاولته الاستيلاء على أصول الأوليغارشية، وأخيراً يعمل مشروع القانون على تسريع العقوبات، من خلال تقليص مدة تطبيق العقوبات في الوقت الحالي، التي تصل إلى ستة أشهر.

المساهمون