المطالب المادية تهيمن على خطابات مرشحي نادي القضاة المصري

22 ديسمبر 2022
يُرجح فوز عبد المحسن (وسط) وقائمته (مواقع التواصل الاجتماعي)
+ الخط -

يحتشد أكثر من 15 ألف قاضٍ وعضو نيابة عامة غداً الجمعة في نادي القضاة المصري، لاختيار رئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي، في انتخابات التجديد الكلي.

وتجري المنافسة بين ثلاثة مرشحين على مقعد رئيس النادي، هم الرئيس الحالي محمد عبد المحسن، وهو نائب رئيس محكمة النقض، والمستشار محمد عبد الرحمن الذهبي الرئيس في محكمة الاستئناف، والمستشار مصطفى بدير الرئيس بمحكمة الاستئناف، فيما يتنافس عشرات القضاة على 17 مقعداً لعضوية المجلس.

وتأخر إعداد قائمتي الذهبي وبدير ما جعلهما غير بارزتين، في مواجهة قائمة عبد المحسن، المطعون فيه من خصومه على خلفية انتمائه السابق لـ"تيار الاستقلال".

يأتي ذلك على الرغم من انتهاء "جبهة استقلال" القضاء فعلياً، بسبب التطورات السياسية في البلاد التي أفضت لفصل نحو مائة قاضٍ منتمٍ لـ"تيار الاستقلال"، فيما فضّل المتبقون من التيار عدم الانخراط في شؤون القضاة، ربما حرصاً على الاستمرار في مواقعهم.

ويتوقع مراقبون أن يؤيد من تبقّى من "جبهة الاستقلال" عبد المحسن باعتبار أنه خاض انتخابات 2002 على قائمة التيار، على الرغم من أنه لم يستمر أكثر من عام في موقعه لإعارته للعمل قاضياً في الخارج. كما أنه لا يرتبط بأي شكل بالتيار الموالي لرئيس النادي السابق المستشار أحمد الزند، الذي كان من أقوى خصوم التيار المحسوب على ثورة يناير/كانون الثاني 2011.


التيار العام في صفوف القضاة يرغب في الابتعاد عن السياسة

ويحتفظ عبد المحسن بعلاقات ودية مع مؤسسات الدولة، إذ لم تشهد فترته السابقة أي صدامات معها مهما اختلفت المواقف، وينتقد قضاة تبنيه الدائم لوجهات نظر السلطة في كثير من المواقف.

وبدا ذلك التماهي واضحاً في رفضه لأي اتهامات حقوقية للقضاء المصري بافتقاد الحيادية وغياب المحاكمات العادلة. واعتبر قضاة تلك المواقف تسييساً للقضاء، عبر بيانات النادي المتتالية ضد انتقادات البرلمان الأوروبي ومفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، بشكل يجعل رئيس نادي القضاة المنتهية ولايته هو المرشح المفضل للسلطة، كما يقول قضاة.

المكاسب المادية الشعار الأساسي للحملات الانتخابية

وتكشف النظرة السريعة على برامج المرشحين عن بروز الدعايات المحملة بالمكاسب المادية على الحملات الدعائية للمرشحين الثلاثة، مع غياب أي شعارات سياسية أو أي حديث عن استقلال القضاء أو رفض نفوذ الأجهزة التنفيذية داخل الساحة القضائية.

ويأتي ذلك لتلبية رغبات التيار العام بين القضاة بالابتعاد عن المواجهة مع السلطة، تجنباً لتدخلات حكومية خشنة، تضر بوضع النادي وبدوره الخدمي والاجتماعي، بحسب متابعين.

ولفتت مصادر قضائية تحدثت لـ"العربي الجديد"، مفضلة عدم ذكر أسمائها، إلى أن التيار العام في صفوف القضاة يرغب في الابتعاد عن السياسة تجنباً لملاقاة مصير نحو مائة قاضٍ وقّعوا على بيان رافض لانقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، وجرى فصلهم من القضاء وحرمانهم من حقوقهم كافة بعد اتهامهم بالتماهي مع أهداف جماعة الإخوان، بل وملاحقة عدد منهم في قضايا مشهورة انتهت بعقوبات وصفت بـ"القاسية".

وأبدى مرشحون التزاماً بالتوجهات الرافضة للسياسة، وخلت جولات المرشحين ولقاءاتهم مع القضاة من أي مطالب تتعلق باستقلال القضاة. وسيطرت المطالب المالية وتحسين أحوال القضاة المادية على الأحاديث خلال اللقاءات والجولات، في ظل موجة الغلاء والتضخم الشديدة التي تضرب مصر.


نجح عبد المحسن في تقليص نفوذ قاعدة أحمد الزند

إلى ذلك، هناك أسباب أخرى لترجيح كفة عبد المحسن للفوز بولاية ثالثة في رئاسة النادي، بحسب متابعين، وهي الوعود بمزيد من المكاسب المادية للقضاة، عقب نجاحه في هذا الملف، بسياسة وصفها مراقبون بأنها نتاج "النهج الهادئ لعبد المحسن في التعامل مع المشكلات التي تواجه النادي وأعضاءه، وتفضيله الابتعاد عن المواجهة مع السلطة، وكذلك عدم الدخول في معارك إعلامية قد تضعف من هيبة النادي".

ونجح عبد المحسن أخيراً في دفع وزارة المالية لإقرار صرف بدل جبر الضرر لعموم القضاة، تعويضاً لهم عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، نتيجة تراجع أسعار صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، وارتفاع معدلات التضخم.

ووعد المرشح الأبرز القضاة بتلبية مطالبهم المتكررة بإعفائهم من رسوم الطرق التي تزايدت قيمتها أخيراً، والمستثنى منها ضباط الجيش والشرطة لطبيعة عملهم التي تقتضي المرور منها للعمل لا لمصالح شخصية.

واعتبر قضاة أنهم في حاجة للاستثناء نفسه، لاضطرارهم للتنقل بين المحاكم، مطالبين بضرورة وجود تعديل قانوني يضمن هذا الإعفاء بشكل دائم، مع المطالبة بزيادة رواتبهم.

وتشي الأعداد الكبيرة التي تشهدها مؤتمرات قائمة عبد المحسن في المحافظات برجحان حظها بمواجهة قائمة خصمه الذهبي، الذي يخوض المعركة من دون قائمة واضحة المعالم حتى الآن، معولاً على شعبيته في عدد من محافظات الدلتا الشمالية، وهي قاعدة اكتسبها منذ عضويته في مجلس نادي قضاة مصر، في زمن المستشار مقبل شاكر.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويعول الذهبي كذلك على دعم التيار المحسوب على المستشار أحمد الزند، الذي كان رئيساً للنادي ووزيراً للعدل، وكان أقرب للسلطة قبل أن تطيحه في واقعة اعتُبرت إساءة للنبي محمد، في عام 2016.

وقاعدة الزند مناوئة لعبد المحسن الذي استطاع تقليص نفوذها، بل وتطويع المحسوبين على الزند داخل أول مجلس إدارة للنادي رأسه منذ 6 سنوات، لخوض الانتخابات ضمن قائمته في السنوات الماضية، بشكل أتاح له الاستفادة من جزء من قاعدة الزند.

وتضم قائمة عبد المحسن المستشارين أبو الحسين قايد وكيل نادي القضاة، ومحمد صبحي خليفة سكرتير عام النادي، وحازم أبو سديرة أمين الصندوق، وحازم رسمي وحمدي عبد التواب وكيلي النادي عن المستشارين.

أما عن القضاة ورؤساء المحاكم، فتضم القائمة، القضاة شادي خليفة، وأحمد سمير الجمال، ومحمد بهاء الدين، ومحمد فاروق، ويوسف فرحات. وعن النيابة العامة تضم، محمد هاني عبد الجابر، وكريم الزقرد، ورامي حسن، وأحمد الميرغني، ومحمد عصام عيسى.

وشهدت السنوات التي أعقبت عام 2013 فصل عدد كبير من قضاة "تيار الاستقلال"، وعلى رأسهم المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر الأسبق، الذي أصدر حكماً اعتبره حقوقيون قاسياً على متظاهرات في قضية عُرفت باسم قضية "بنات 7 الصبح" بالإسكندرية. وفسر مراقبون الحكم بأنه كان محاولة لم تفلح من عبد العزيز لتفادي إطاحته، إذ كان ملفه معروضاً على لجان الصلاحية بالتزامن مع نظر القضية.


تجري المنافسة على رئاسة النادي بين محمد عبد المحسن ومحمد عبد الرحمن الذهبي ومصطفى بدير 

كما أطيح وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان وحبس احتياطياً لأكثر من عام، بتهمة نشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة الإخوان، ثم المستشار هشام جنينة أحد رموز "تيار الاستقلال" المسجون انفرادياً بحكم عسكري، بتهمة ترويج أخبار كاذبة بعد إقالته من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وطاولت العقوبات أبناء عدد من المستشارين المحسوبين على "تيار الاستقلال"، والعاملين في سلك القضاء، فجرى فصل المستشار أسامة أحمد سليمان، وأحمد زكريا عبد العزيز وشروق هشام جنينة.

أدوار نادي القضاة تاريخياً

وكانت لمجالس إدارات نادي القضاة المتعاقبة أدوار بارزة ومشتبكة بالقضايا الوطنية، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. ففي مجلس المستشار ممتاز نصار، هبّ النادي رفضاً لحملة ضد أعضائه، بعد رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي، ما قاد إلى ما عرف بـ"مذبحة القضاء الأولى" في عام 1969، حين أُحيل عشرات القضاة للتقاعد حتى عاد أغلبهم بعد دعاوى قضائية أقاموها عام 1972.

وبعد العودة سيطرت مجالس قضائية قادها رموز من "تيار الاستقلال"، ومنهم المستشاران وجدي عبد الصمد ويحيى الرفاعي، على مجلس إدارة النادي إلى عام 1986 حتى أطيح الرفاعي من رئاسة النادي، بعد المواجهة المشهورة مع الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال مؤتمر العدالة الأول، حين طالب الرفاعي مبارك بإنهاء حالة الطوارئ بشكل أغضب مبارك بشدة.

وتولت بعد الرفاعي مجالس إدارات للنادي موالية للسلطة، كان أبرزها مجلس المستشار مقبل شاكر الذي هيمن على رئاسة النادي لثلاث دورات متتالية، انتهت عام 2001، بعد سقوطه أمام المستشار زكريا عبد العزيز، ليصعد مجدداً "تيار الاستقلال" القضائي، ملحقاً الهزائم المتتالية بالقوائم الموالية للسلطة.

وخلال 4 سنوات شهد مجلس عبد العزيز ورموز "تيار الاستقلال" من خلفه المتمثلة في المستشارين حسام الغرياني وأحمد مكي، مواجهات مع السلطة تتعلق برفضهم تزوير الانتخابات الرئاسية، التي جرت في عام 2005. ونشر النادي تقارير متتالية تفضح التزوير الممنهج للانتخابات، مطالباً بالحفاظ على نزاهتها وعلى استقلالية القضاء.

وفي عام 2005 أيضاً، قررت الجمعية العمومية لنادي القضاة برئاسة عبد العزيز، الامتناع عن الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في نهاية العام نفسه، إذا لم يتم تنفيذ مطالب القضاة في إقرار قانونهم الخاص بالسلطة القضائية ومنحهم سلطة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.

وخلّفت هذه المواجهة بين القضاة، ومنهم "تيار الاستقلال"، معركة جديدة بين السلطة والنادي، إثر قرار مجلس القضاء الأعلى بقيادة المستشار فتحي خليفة بإحالة نائبي رئيس محكمة النقض، القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي، إلى محاكمة تأديبية بسبب حديثهما عن تزوير الانتخابات. وأعلن عبد العزيز ومجلسه الاعتصام، الذي حظي بتضامن ودعم من جميع التيارات الحزبية والسياسية في مصر، ما أدى إلى الاكتفاء بتوجيه اللوم إلى القاضيين.

وحرص نادي القضاة خلال السنوات التي تلت إحالة البسطويسي ومكي إلى المجلس التأديبي على مطالبة السلطة بضمانات لنزاهة الانتخابات وعدم تدخل السلطة في شؤون القضاء والمطالبة بإلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وكذلك رفض إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية، ونهاية بالمطالبة بالإصلاح السياسي.

وشنّت السلطة حرباً اقتصادية على النادي، ثم دعمت بقوة مرشحها لرئاسة النادي أحمد الزند ضد قائمة "تيار الاستقلال" بقيادة المستشار هشام جنينة.

وكانت تحركات القضاة مواكبة لاندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ تصدر قضاة "تيار الاستقلال" صفوف المتظاهرين، كما أدى التيار دوراً في ضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية بين الرئيس الراحل محمد مرسي ومنافسه، آخر رئيس لوزراء مبارك، أحمد شفيق، في عام 2012.