المساعدات الدولية... ورقة روسيا لتعويم نظام الأسد

01 يوليو 2022
قافلة مساعدات على الحدود السورية، يونيو الماضي (أوزان كوزه/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب انتهاء العمل بآلية المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية في 10 يوليو/تموز الحالي، والتي أقرها مجلس الأمن الدولي العام الماضي، تتزايد التحذيرات الدولية من عواقب العرقلة الروسية المحتملة لتجديد العمل بهذه الآلية التي تقلصت تباعاً بسبب الضغوط الروسية لتقتصر على معبر واحد، في إطار مساعي موسكو والنظام السوري للاستحواذ الكامل على هذه المساعدات، وابتزاز المجتمع الدولي وإجباره على التعامل مع النظام، والاعتراف تاليا بشرعيته.

ويرى خبراء أن هدف روسيا هو تعزيز سلطة الأسد، والضغط لانتزاع تنازلات بشأن السياسة السورية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خصوصاً أن نظام الأسد لا يسيطر إلا على جزء صغير من الحدود الخارجية للبلاد.

وفي إطار هذه المخاوف الدولية، قدّمت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سورية تحديثها الشفوي لمجلس حقوق الإنسان. وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو، خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان، أول من أمس الأربعاء، إنه "من غير المعقول أن تركز نقاشات مجلس الأمن على إغلاق معبر باب الهوى الحدودي، عوضاً عن البحث عن كيفية توسيع نطاق الوصول إلى المعونة المنقذة للحياة في جميع أنحاء البلاد وعبر كل الطرق المناسبة".


مارك كتس: الأشخاص الذين يعيشون في شمال غربي سورية المنكوب قد يموتون

واعتبر بينيرو أن أطراف النزاع في سورية "أخفقت باستمرار في تسهيل المرور السريع ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين في جميع أنحاء سورية"، مطالباً بإزالة جميع العوائق التي تمنع وصول المساعدات أو تؤخرها.

وأوضح أن 14.6 مليون سوري يعتمدون على المساعدات، في حين يواجه 12 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعيش 9 من كل 10 أفراد دون خط الفقر.

وحذّر منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية، مارك كتس، من أنه إذا استخدمت روسيا حق النقض لمنع تمديد تفويض الأمم المتحدة لدخول المساعدات الإنسانية، فإن ذلك سوف يتسبب في وفيات في شمال غربي سورية.

وفي تصريحات نقلتها وكالة "رويترز"، قال كتس إن "الأشخاص الذين يعيشون في شمال غربي سورية المنكوب قد يموتون بسبب سوء التغذية أو نقص المياه".

وأوضح المسؤول الأممي أن "طفلاً من بين كل ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية، في حين يعتمد الكثيرون على التغذية العلاجية التي أصبحت ممكنة بفضل المساعدات عبر الحدود"، مشيراً إلى أن "الكثير من مستشفيات شمال غربي سورية لن تحصل بعد الآن على المساعدة الطبية التي تحتاجها، وسوف تتأثر برامج التطعيم، ولن تصل المياه التي تنقل بالشاحنات لمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في المخيمات". ووصف الأزمة في سورية حالياً بأنها "أسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى".

تعزيز المساعدات الدولية

وفي السياق أيضاً، أعرب مشرّعون أميركيون عن "قلقهم العميق إزاء المعاناة المطولة للشعب السوري"، مؤكدين دعمهم لتقديم المزيد وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية "من دون تقديم تنازلات" لروسيا.

وجاء في رسالة وقّع عليها نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجّهت إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن "سوء الإدارة الاقتصادية المزمن لنظام الأسد لم يؤد إلا إلى زيادة تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحالي، ونقص الوصول إلى المياه والأدوية".

ووصفت الرسالة "الجهود التي تبذلها روسيا ونظام الأسد لتوجيه جميع المساعدات عبر النظام السوري" بأنها "امتداد إضافي للسلطة والنفوذ في سورية والمنطقة"، موضحة أن "الآلية العابرة للخطوط أثبتت أنها غير كافية على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الملحّة للشعب السوري، ويمكن أن يقطعها نظام الأسد في أي وقت".

ودعا النواب الأميركيون حكومة بلادهم إلى "مواصلة الضغط الدبلوماسي لصالح استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى 14 مليون سوري يعتمدون على المساعدات المنقذة للحياة".

وقال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه منذ أكثر من عام يفاوض الروس على هذا الملف الإنساني، بهدف محاولة تعويم النظام والتخفيف من العقوبات الاقتصادية التي يرزح تحتها نظام الأسد.

وأضاف أن هذا النظام طالما استخدم الملفات الإنسانية لتحقيق أهداف أمنية واقتصادية، إضافة إلى محاولة إيجاد آلية ابتزاز للضغط على المناطق الخارجة عن سيطرته، بهدف التحكم في هذه المساعدات وتوجيهها وعرقلتها، وفق أجنداته الخاصة.

ورأى علوان أن عرقلة روسيا لتجديد القرار الأممي 2585 سيناريو قائم ومرجح، وهذا سيترك ثغرة كبيرة في المساعدات الإنسانية التي هي أصلاً غير كافية بوضعها الراهن، وهذا يوجب على المجتمع الدولي البحث عن آليات جديدة لإدخال المساعدات، وقد ظهرت بالفعل مؤشرات على جهود أوروبية ـ تركية لإيجاد آليات بديلة في حال عرقلت روسيا التمديد للآلية الحالية.

من جهته، اعتبر الباحث شادي عبدالله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام لا يسيطر فعلياً إلا على نحو 20 في المائة من الحدود السورية، لكنه يقوم بمساندة روسيا بعملية ابتزاز سياسي، لإجبار الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي على التعامل مع النظام، تمهيداً لفتح مشاريع إعادة الإعمار التي يسيل لعاب النظام وروسيا لها، على الرغم من الإعلانات المتكررة من جانب واشنطن، والعديد من العواصم العالمية، رفضهم الانخراط في مثل هذه الجهود، طالما لم يتم تحقيق تقدم في العملية السياسية.


يجني النظام السوري أكثر من نصف دولار عن كل دولار من المساعدات

ورأى عبدالله أنه بالإضافة إلى ضرورة البحث عن آليات فعالة جديدة لتلافي الابتزاز الروسي، فعلى الولايات المتحدة، بصفتها المصدر الرئيسي للمساعدات المقدمة إلى سورية، تغيير نهجها من خلال الاستثمار في المناطق الغنية بالموارد الخارجة عن سيطرة النظام، خصوصاً في شمال شرقي سورية، حيث يتركز معظم النفط والأنشطة الزراعية، إذ تعتبر هذه المنطقة سلّة غذاء سورية، فضلاً عن ثروتها النفطية. واعتبر أنه من الواجب التركيز على بدائل محلية مستدامة، بدلاً من مواصلة الاعتماد على مساعدات خارجية.

ويضاف إلى ذلك، وفقاً لعبدالله، المساعدة في تعزيز هياكل الحكم المحلي في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، مع بروز تقارير عن انتشار الفساد في أوساط المنظمات المحلية في مناطق شمال وشرق سورية، والمساعدة في انتخاب مجالس محلية تتمتع بالكفاءة والنزاهة وتعكس رغبات السكان المحليين.

استغلال النظام السوري للمساعدات الدولية

وكانت تقارير دولية أشارت إلى أن النظام السوري عمل خلال السنوات الماضية على سحب ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية، من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على تحويل أموال المساعدات إلى الليرة السورية وبالسعر الرسمي الأدنى.

وهو ما تسبّب في فقدان نصف أموال المساعدات الخارجية التي وصلت إلى العاصمة دمشق، وذلك بحسب تقرير صادر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

وأشار التقرير إلى أن المساعدات الإنسانية مكّنت النظام السوري من كسب ملايين الدولارات، وأن كل دولار مساعدة يُعطى لسورية يجني منه النظام السوري عبر المصرف المركزي ما يزيد قليلاً على نصف دولار، محقّقاً ما يقارب 60 مليون دولار أميركي العام الماضي على الرغم من فرض واشنطن عقوبات عليه.

ولفت التقرير إلى أن النظام السوري لطالما وجّه المساعدات إلى المناطق التي يعتبرها موالية له، وأعاق وصولها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.

ووثّقت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" عمليات استغلال وتحكّم في المساعدات الأممية المرسلة لسكان مناطق شمال شرقي سورية، منذ إغلاق معبر اليعربية/ تل كوجر في يناير/كانون الثاني الماضي، من قبل النظام.

واستندت المنظمة في تقرير صدر عنها يوم الثلاثاء الماضي إلى مقابلات أجرتها في وقتٍ سابق من العام الحالي، مع مجموعة من موظفي إغاثة، في وكالات تتبع للأمم المتحدة.

وأشار التقرير إلى أن النظام وأجهزة أمنية مرتبطة به في مدينتي الحسكة والقامشلي، يمنح قسماً من المساعدات الأممية لعناصر من جيشه، وأمنه، وأعضاء من حزب "البعث" الحاكم وعائلاتهم، في مقابل حرمان النازحين في المخيمات والعائلات الأكثر حاجة في المدن والأرياف من المساعدات المخصصة لهم.

ويعود سبب قدرة النظام على التحكم في المساعدات إلى اعتماد وكالات الأمم المتحدة في مسألة التوزيع على شركاء محليين مرتبطين بالنظام، بشكل رسمي أو شبه رسمي، وإيصال هذه المساعدات إلى المنطقة عبر مطار القامشلي أو طرق برية تخضع جميعها لسيطرة النظام.