المدنيون عالقون بين طرفي حرب السودان... معارك وتهجير وتجنيد وجبايات

03 ابريل 2024
نازحون سودانيون في رنك شمال البلاد، مايو 2023 (أمل باين/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السودان يعاني من استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 إبريل 2023، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية واتهامات بالتطهير العرقي، ورفض الجيش لأي هدنة قبل استسلام قوات الدعم السريع.
- الجهود الدولية بقيادة السعودية والولايات المتحدة لاستئناف محادثات السلام لم تنجح، مع تسليط الضوء على الأزمة في مؤتمر المانحين بباريس وتعيين توم بيريلو كمبعوث أميركي للسودان.
- تزايد الوضع المعيشي والأمني سوءًا بسبب انقطاع الاتصالات والخدمات، ارتفاع أسعار السلع، وانتهاكات ضد المدنيين، مما يعقد جهود السلام ويفاقم الأزمة الإنسانية.

تتواصل الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في عدد من ولايات البلاد، وسط انتهاكات مستمرة بحق المدنيين، وذلك في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وانسداد الأفق السياسي وانقطاع شبكات الاتصالات عن مناطق واسعة في البلاد، مع ظهور قيود جديدة على سفر وتحركات المواطنين وعمليات تجنيد إجباري واتهامات بالتطهير العرقي في ولاية الجزيرة وسط السودان.

ويخوض الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، قتالاً ضد قوات الدعم السريع المنشقة عنه، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، منذ 15 إبريل/ نيسان 2023.
واستمرت الحرب في السودان في شهر رمضان، بعد رفض الجيش، رداً على دعوة مجلس الأمن الدولي في 8 مارس/آذار الماضي لوقف "فوري" لإطلاق النار خلال رمضان، الحديث عن "أي هدنة أو تفاوض"، قبل انسحاب "الدعم السريع" من كل المدن التي تسيطر عليها وتسليم أسلحتها.

وإذا كانت كانت الولايات المتحدة قد أعلنت نهاية شهر مارس/آذار الماضي عن تطلعها إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية يوم 18 إبريل/ نيسان الحالي، أي بعد عطلة عيد الفطر، فإن ذلك قد لا يتحقق بالضرورة في ظل عدم وضوح موقف أطراف الحرب من المشاركة. 

وقادت السعودية والولايات المتحدة محادثات في جدة العام الماضي في محاولة التوصل إلى هدنة من دون أن تكلل بالنجاح، لكن واشنطن أعادت الزخم إلى تحركاتها مع اقتراب مرور عام على بدء الحرب لا سيما بعد تعيين توم بيريلو كمبعوث أميركي للسودان أخيراً. 

وتترافق التحركات الأميركية مع بقاء أقل من أسبوعين أيضاً على مؤتمر المانحين المرتقب في باريس يوم 15 إبريل الحالي، والذي يهدف لتسليط الضوء على أزمة السودان وتداعياتها الخطيرة خصوصاً على المدنيين الذين تشهد أوضاعهم تردياً بعد اضطرارهم إلى النزوح داخلياً بسبب الحرب أو اللجوء إلى دول الجوار، من دون أن تتمكن المنظمات الإغاثية من تلبية احتياجاتهم لأسباب عدة بينها مواقف أطراف الصراع.

يؤكد أحد السائقين أنه يدفع لنقاط التفتيش في مناطق الجيش وقوات الدعم السريع على حد سواء

ولا تزال شبكات الاتصالات مقطوعة منذ نحو شهرين عن مناطق واسعة في السودان. ورغم عودة الشبكات للعمل جزئياً في عدد من الولايات، إلا أن هناك مناطق أخرى ما زالت خارج التغطية، بينها أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان ومناطق في الجزيرة والنيل الأبيض، مع استمرار انقطاع المياه والكهرباء في تلك الولايات وارتفاع أسعار السلع الغذائية.

واضطر عدد من المواطنين إلى مغادرة الخرطوم نحو ولاية النيل الأبيض القريبة، بسبب انقطاع شبكة الاتصالات، ما أدى إلى عدم قدرتهم على سحب الأموال النقدية نتيجة لذلك.

في هذا الوقت، تفرض قوات الدعم السريع إجراءات تفتيش دقيقة للمسافرين في الحافلات من سوق منطقة الكلاكلة اللفة جنوب الخرطوم، إذ يتم تفتيش الحقائب والهواتف، قبل السماح لهم بركوب الحافلات المتجهة إلى النيل الأبيض.

الدفع للمرور على نقاط التفتيش

وفي الطريق الذي تسيطر "الدعم" عليه حتى منطقة نعيمة، ينزل السائق عند كل نقطة تفتيش، ويدفع ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف جنيه (الدولار يساوي نحو ألف جنيه في السوق السوداء) رسوم عبور، حتى الوصول إلى منطقة سيطرة الجيش.

ويستمر في الدفع بذات الطريقة في جميع النقاط الحكومية حتى دخول مدينة ربك بولاية النيل الأبيض.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول السائق أحمد، لـ"العربي الجديد"، إنه يدفع نحو 250 ألف جنيه في الطريق في كل رحلة، موضحاً أن الجنود يهددون بإنزال الأمتعة وتأخير الحافلة  إذا لم يتم الدفع لهم.

ويؤكد السائق أنه يدفع لنقاط التفتيش في مناطق الجيش وقوات الدعم السريع على حد سواء، وكذلك يظهر عناصر شرطة المرور بعد دخول مناطق سيطرة الجيش ويأخذون جبايات كلما يمر بنقاط تواجدهم حتى دخول مدينة ربك. ويشير إلى أنه مضطر للاستمرار في هذا العمل رغم خطورته بسبب الظروف المعيشية، مؤكداً أن بعض زملائه من السائقين تركوا العمل بحثاً عن مصدر رزق آخر.

وقررت قوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية منع من هم دون الستين عاماً من دخول الخرطوم من الناحية الجنوبية عند بوابة منطقة جبل أولياء. ورصدت "العربي الجديد" إنزال عدد من المواطنين من الحافلات المتجهة إلى الخرطوم عند مدينة القطينة جنوباً، وإعادتهم بالحافلات المغادرة، فيما يضطر بعض المواطنين من قرى ولاية الجزيرة إلى سلوك طرق ترابية وخطيرة طويلة لدخول الخرطوم.

موجة نزوح من ولاية الجزيرة

وينتشر مقاتلو "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة الزراعية الحدودية مع العاصمة الخرطوم، ما تسبب في موجة نزوح من القرى بعد اعتدائهم على المواطنين وانتزاع سياراتهم وأموالهم.
وقالت "لجان مقاومة ود مدني" (تنظيمات شعبية)، في بيان في 29 مارس الماضي، إن مواطني ولاية الجزيرة عانوا طوال الأشهر الثلاثة الماضية من التهجير القسري و"المناظر التي تأبى النفس البشرية السوية المستقيمة التصالح معها".

وتضيف أن "المليشيات والعصابات الغاصبة أصبحت في معركة مباشرة مع مواطن الجزيرة الأعزل"، مستنكرة ما وصفته بتخاذل الجيش في حماية مواطنيه من انتهاكات "الدعم السريع".

جرائم جراء الحرب في السودان

بدورها، وصفت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في بيان، ما يحدث بالجزيرة جراء الحرب في السودان بأنه جرائم غير مقبولة أو مبررة تجاه السكان المدنيين، و"تعد في ذات الوقت خرقاً للالتزامات الموقع عليها بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية وقوات الدعم السريع في إعلان أديس أبابا المشترك، في يناير/كانون الثاني الماضي، عموماً والأحكام الخاصة بحماية وضمان سلامة المدنيين، والعمل على إعادتهم لبيوتهم وأماكن سكنهم".

يتهم مواطنون في ولاية الجزيرة قوات الدعم السريع بإجبار الشباب على الانضمام إلى صفوفها

ويتهم مواطنون في ولاية الجزيرة قوات الدعم السريع بإجبار الشباب على الانضمام إلى صفوفها. وقالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان في 29 مارس الماضي، إن ما وصفتها بالمليشيا (الدعم السريع) هاجمت في ولاية الجزيرة وحدها أكثر من 28 قرية خلال الأسبوعين الماضيين، وقتلت 34 مدنياً، متهمة إياها "بتنفيذ أعمال السخرة والتجنيد القسري للأطفال".

وكانت قوات الدعم السريع أعلنت، في 19 مارس الماضي، تشكيل ما سمته بالإدارة المدنية لولاية الجزيرة، والتي تتشكل من مجلس يضم 31 ممثلاً عن محليات الولاية. وتم الإعلان عن اختيار الأكاديمي أحمد محمد البشير رئيساً للمجلس.

في المقابل، أطلقت مجموعات أهلية أخرى دعوات لتنظيم سكان الولاية وتسليحهم لمواجهة "الدعم" والانتهاكات التي ترتكبها.

وضع مأساوي في جنوب كردفان والنيل الأزرق

وشن طيران الجيش السوداني، أمس الأول الاثنين، هجمات على مدن الفاشر وكبكابية وكتم في ولاية شمال دارفور، إلى جانب طلعات جوية فوق ولاية جنوب كردفان. وقالت منظمة الهجرة الدولية، في بيان الجمعة الماضي، إن جنوب كردفان يشهد موجة نزوح واسعة جراء اشتباكات اندلعت بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان ــ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.

وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، في بيان الاثنين الماضي، إلى أن الوضع الإنساني لـ602 ألف نازح، بالإضافة إلى أفراد المجتمع المضيف في مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مأساوي، محذراً من أن 390 ألف نازح يقتربون من مستويات كارثية من المعاناة، ما لم تتم تلبية الاحتياجات العاجلة على الفور من خلال الوصول غير المشروط إليهم.

ويواصل طرفا الحرب في السودان التصعيد الميداني في ظل أنباء عن استئناف المحادثات بينهما في مدينة جدة السعودية خلال الأيام المقبلة.

وبينما تواصل "الدعم السريع" حملاتها الاعلامية على حسابها في منصة إكس والتوثيق لمعاركها، قال نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي، إن الدولة ستقاتل "حتى آخر مرتزق لتطهير البلاد من مليشيا آل دقلو الإرهابية".

واعتبر كباشي، خلال حفل تخريج دفعة من مقاتلي حركة تحرير السودان (متمردون سابقون بدارفور) تحت قيادة القوات المسلحة في مدينة القضارف في 28 مارس الماضي، إن القوات المسلحة في طريقها لحسم "هذه الفوضى تماماً، وبعدها سيبدأ المسار السياسي والانتخابات التي تحدد من يحكم"، مشيراً إلى أن الجيش يتقدم على كل المحاور ويمسك بزمام المبادرة.

من جهتها، تقول وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل (هيئة حكومية)، في بيان في الأحد الماضي، إن هناك تراجعاً ملحوظاً في الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي في مناطق النزاع، جراء انهيار الخدمات الصحية وتدهور الأوضاع الأمنية، فضلاً عن المخاوف من الانتقام ووصمة العار، ما يفاقم معاناة عشرات الآلاف من النساء والفتيات وأسرهن في شتى مناطق الحرب في السودان ويساهم في إفلات المجرمين من العقاب.

المساهمون