أصدرت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب في أروشا (تنزانيا)، أمس الجمعة، تدابير مؤقتة بصفة عاجلة تهمّ وضع 4 من المعتقلين السياسيين التونسيين، من بينهم رئيس البرلمان المنحل وزعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي، والأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، الوزير السابق غازي الشواشي.
وقُدِّمَت القضية أمام المحكمة الأفريقية في مايو/ أيار 2023 من قبل رودني ديكسون كي سي (من محاكم تمبل غاردن، لندن ولاهاي) نيابة عن أفراد عائلات المعتقلين والمتوفين، وهم راشد الغنوشي، رئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة؛ والنائب والقيادي بحزب النهضة سيد فرجاني، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقيادي بحركة النهضة نور الدين بحيري.
ودعت المحكمة إلى التحقيق في وفاة الصحافي رضا بوزيان (تقول المعارضة إنه قتل متأثراً بجراحه بعد اعتداء الشرطة عليه خلال احتجاجات وسط تونس العاصمة في 14 يناير 2022)، وقُدِّم طلب منفصل للمحكمة أيضاً نيابة عن القاضي المعتقل، المدعي العام السابق بشير العكرمي، للإفراج الفوري عنه واسترجاع وظيفته.
وأمرت المحكمة، الحكومة التونسية، بـ"اتخاذ جميع التدابير للقضاء على جميع الحواجز التي تمنع المعتقلين الأربعة وعائلاتهم من الوصول إلى والتواصل مع المحامين والأطباء حسب اختيارهم".
وأمرت الحكومة التونسية بـ"إبلاغ المعتقلين وعائلاتهم ومحاميهم بأسباب احتجازهم، وتحديداً تقديم معلومات وحقائق كافية تتعلق بالأساس القانوني والواقعي للاحتجاز".
هذا وقد منحت المحكمة الأفريقية الحكومة التونسية مدة 15 يوماً لتنفيذ هذه التدابير والرد.
وستنظر المحكمة في جوانب الانتهاكات المزعومة، إذ ثبت للمحكمة الأفريقية أن ظروف احتجاز المعتقلين قد تسبب "ضرراً لا يمكن إصلاحه وأنهم معرضون للخطر".
وأكدت المحكمة أيضاً أن "الإجراءات التي اتُّبِعَت في الاعتقال والسجن للمعتقلين غير واضحة، خصوصاً من حيث التهم التي يواجهونها".
غياب وسائل الإجبار
وحول إلزامية قرارات وأحكام المحكمة الأفريقية بالنسبة إلى الحكومة التونسية، أكد المحامي المختص إبراهيم بلغيث، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنها "قرارات ملزمة قانوناً للحكومة التونسية، ولكن لا توجد وسائل إجبار على تنفيذها، فالمحكمة ترسل تقريراً لمؤتمر الاتحاد الأفريقي لإعلامه بعدم الامتثال مع توصيات بالإجراءات التي ترى اتخاذها مناسباً".
وشدد بلغيث على أن "القرارات المؤقتة واجبة التنفيذ قانوناً على الدولة الصادر في حقها تلك التعابير، عملاً بتعهد الدول الوارد بالمادة الـ26 من البروتوكول المحدث للمحكمة، وعملاً كذلك باتفاقيات فيينا للاتفاقيات الدولية، إلا أنه لا يمكن إجبار الدولة إذا امتنعت".
القرارات المؤقتة واجبة التنفيذ قانونا على الدولة الصادر في حقها تلك التعابير، إلا أنه لا يمكن إجبار الدولة إذا امتنعت
وأشار بلغيث إلى أن "المادة الـ24 من البروتوكول خولت المحكمة باتخاذ إجراءات مؤقتة عند الضرورة، وذلك في حالة الخطورة الشديدة والطوارئ ومتى كان ذلك ضرورياً لتجنب الضرر الذي يقع على الأشخاص ويتعذر إصلاحه".
وفسّر المحامي التونسي بأن "المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب هي محكمة إقليمية أسسها الاتحاد الأفريقي بموجب البروتوكول المحدث لها سنة 1998 والذي دخل حيز التنفيذ في 25 يناير 2004 وتختص المحكمة بالنظر في خروقات حقوق الإنسان على معنى الميثاق الأفريقي وأي صك دولي من صكوك حقوق الإنسان".
وبيّن بلغيث أنه "يمكن للأفراد أن يقاضوا دولهم أمامها إذا صدّقت تلك الدول على اختصاص المحكمة، ومن بينهم تونس منذ 2017".
ولفت إلى أن "هناك شروطاً للقيام أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب يجب أن تتوافر لاختصاص المحكمة، وخصوصاً استنفاد سبل التقاضي المحلي وشروط مقبولية الدعوى".
وتعيش تونس أزمة سياسية وحقوقية خانقة منذ 2021 تصاعدت بتفرد الرئيس التونسي قيس سعيّد بجميع الصلاحيات وحلّه البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية الوقتية.
وازداد الوضع تأزماً بعزل مجموعة من القضاة ورفض تطبيق قرار المحكمة الإدارية إعادة مجموعة منهم لوظائفهم وسط اتهامات من المعارضة للرئيس سعيّد بوضع يده على القضاء وتطويعه ضد معارضيه.
وشدد بلغيث على أن "هذه القرارات مزعجة وتمسّ بصورة النظام الحاكم، باعتبارها أموراً أساسية ولأنها تتعلق بالبديهيات في الإجراءات التي يجب أن تتوافر، بينما الحد الأدنى منها غير متوافر".
وفي قراءته للقرارات، أفاد بلغيث بأنه "مؤشر آخر على غياب احترام حقوق الإنسان ومبادئ المحاكمة العادلة في البلاد"، مشيراً إلى أنها "قرارات مؤثرة على المستوى الدولي، ولها رمزية بالغة على المستوى الإقليمي، ويمكن أن توظف في العلاقات الدولية".