استمع إلى الملخص
- تونس لم تلتزم بأحكام المحكمة الأفريقية السابقة، مما يعزز سيطرة الرئيس سعيد على السلطات. المحامي بلغيث يرى الحكم خطوة لحماية حقوق الإنسان واستقلال القضاء.
- عدم التزام تونس بقرارات المحكمة قد يضر بسمعتها دولياً. المحكمة الإدارية أنصفت 49 قاضياً، لكن السلطة رفضت التنفيذ، مما اعتبره حقوقيون انتهاكاً للقانون.
دعت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب في أروشا (تنزانيا)، الدولة التونسية، الجمعة، إلى الالتزام بوقف تنفيذ قرار الرئيس التونسي قيس سعيد القاضي بإعفاء 54 قاضية وقاضياً بمفعول مرسوم رئاسي أصدره في العام 2022، وأمهلت المحكمة تونس 15 يوماً لتنفيذ القرار وتقديم تقرير يفيد ذلك. وأنصفت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان (التي تعد تونس عضواً مؤسساً فيها)، مجموعة من القضاة الذين رفعوا دعوى من خلال إنابة المحامي الدولي إبراهيم بلغيث؛ الذي سبق له أن استصدر حكماً من المحكمة نفسها لتوقيف تنفيذ الأمر 117 لسنة 2021 الذي تمكّن الرئيس قيس سعيد من خلاله التفرّد بجميع السلطات.
وتونس واحدة من ست دول في القارة انضمت إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. ولم تلتزم السلطة التونسية بتنفيذ الحكم السابق لإلغاء التدابير الاستثنائية التي مكنت سعيد من طمس كل المؤسسات الدستورية وإحكام قبضته على جميع السلطات. وقال المحامي إبراهيم بلغيث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحكم يتعلق بقرار في الوسائل المستعجلة المطلوبة من المدعين في القضية 08/2024 المنشورة أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهم قضاة معزولون السيدة خيرة بن خليفة وحمادي الرحماني وسامي بن هويدي ومكرم حسونة، وينوبهم في ذلك إبراهيم بلغيث واتحاد المحامين الأفارقة، حيث ينسب المدّعون للدولة التونسية جملة من خروقات حقوق الإنسان أهمها الحق في المحاكمة العادلة ومبادئ دولة القانون والمؤسسات".
وتابع بلغيث أن "ملف الحكم بمناسبة إصدار المرسوم الرئاسي 35/2022 المنقح للمرسوم 11/2022 المتعلق بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، والذي أعطى رئيس الجمهورية لنفسه بموجبه حق عزل أي قاض من دون أي إجراء مسبق، وكذلك بمناسبة إصدار الأمر الرئاسي عدد 516 /2022 الذي عزل بموجبه رئيس الجمهورية 54 قاضية وقاضياً". وشدد المحامي التونسي على أنه "نظراً لخطورة تلك النصوص وخرقها الظاهري والبديهي لاستقلال القضاء ومبدأ توازن السلط وفصلها، قبلت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان بإصدار وسائل وقتية، وذلك بأمر الدولة التونسية بإيقاف تطبيق المرسوم 35/2022 والأمر 516/2022 لما يمثلانه من خطر على السلطة القضائية واستقلاليتها وبالتالي على حماية حقوق الإنسان".
ماذا إن لم تستجب السلطات التونسية لقرار المحكمة الأفريقية؟
وحول مدى التزام السلطة بتنفيذ قرارات المحكمة الأفريقية قال بلغيث "لئن أصبح شبه معتاد على النظام القائم عدم احترام القرارات القضائية، داخلية كانت أو دولية، فإن عدم الإذعان من شأنه أن يضر بصورة وسمعة النظام القائم في تونس"، مشيراً إلى أن "القضاء الدولي يقوم على افتراض احترام الدولة لالتزاماتها". واعتبر أن "هذا الحكم سيمثل مرة أخرى إحراجاً للدول الغربية التي تدعي احترام قيم الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات وتتعامل مع نظام لا يحترم حقوق شعبه، ولا يوفر استقلالية للقضاء والقضاة تسمح بضمان الحقوق والحريات"، بحسب تفسيره. وتابع "كما يمثل هذا القرار أحد الحلول القانونية لتجنب آثار المساس من مبادئ القانون عند رحيل هذا النظام من دون الحاجة إلى استصدار نصوص أو قرارات قضائية لاحقاً" بحسب تفسيره.
ومرّ أكثر من عامين على عزل الرئيس سعيد عزلاً تعسفياً 57 قاضية وقاضياً في العام 2022 في خطوة غير مسبوقة بعد أن تم حل المجلس الأعلى للقضاء المسؤول دستورياً على ضمان استقلالية القضاة وتنظيم عملهم في حياد عن السلطة التنفيذية. وأنصفت المحكمة الإدارية في تونس نحو 49 قاضياً من جملة 57 وأمرت بإلغاء قرارات العزل وإعادتهم إلى وظائفهم غير أن السلطة رفضت تنفيذ الحكم القضائي، وهو ما اعتبره حقوقيون وأساتذة قانون وقضاة تمرداً على القضاء ونكراناً للعدالة وانتهاكاً للقانون والمواثيق الدولية. ومن بين القضاة الـ57 المعزولين من قبل الرئيس سعيد في يونيو/ حزيران 2022 من لم تشملهم المحكمة الإدارية التونسية ولا المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان بقرارات إيقاف العزل، وهم محل ملاحقات قانونية بتهم متعددة من بينها تغيير مسار قضايا، وتعطيل تحقيقات، وارتكاب فساد مالي وأخلاقي، وهو ما ينفون القضاة صحته.