المحاصصة على أساس الأقاليم تسيطر على ملتقى الحوار السياسي الليبي

02 ديسمبر 2020
منصب المؤسسة الوطنية للنفط ما زال خارج التوافقات (فرانس برس)
+ الخط -

يواصل، اليوم الأربعاء، أعضاء ملتقى الحوار السياسي مناقشة مقترحات آليات اختيار شاغلي السلطة الجديدة في البلاد، في وقت حذر فيه مراقبون من غلبة منطق المحاصصة في توزيع المناصب على أساس الأقاليم. 

وبحسب مصادر مقربة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، فإن اجتماع الأعضاء اليوم الأربعاء، عبر تقنية الفيديو، سيناقش أربعة مقترحات من أصل ثمانية حيث تمكن الأعضاء من مناقشة أربعة خلال لقاء يوم أمس. 

وقالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" إن البعثة تلقت ثمانية مقترحات من جانب الأعضاء بشأن آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، وفضلت أن يناقش الأعضاء المقترحات للتوافق على مقترح واحد واعتماده من قبل لجنة الصياغة، فيما يتُوقع أن تكون الجلسة المباشرة والرسمية لاختيار شاغلي السلطة الجديدة وفق المقترح المتفق عليه بين يومي 6 و8 من الشهر الجاري. 

وحتى الآن لم يرجح أي من المقترحات، لكن ذات المصادر اتفقت معلوماتها على ترجيح مقترح يقضي بأن تكون الآلية وفقا لمحاصصة بين أقاليم ليبيا الثلاثة، وتحديداً أن يكون  رئيس المجلس الرئاسي من شرق البلاد ونائباه ممثلين عن الغرب والجنوب، فيما يكون رئيس الحكومة من غرب البلاد ونائبه الأول من الجنوب والثاني من الشرق، فيما يضم مجلس الأمن القومي ضباطاً من المؤسسة العسكرية من مختلف المناطق الليبية. 

ويبدو أن نص البيان الختامي لمشاورات وفدي مجلسي النواب والدولة 13 + 13، أمس في طنجة المغربية، يؤيد بشكل واضح هذا الاتجاه، فقد أوصى المشاركون في ملتقى الحوار بــ"ضرورة اختيار آلية شفافة وعادلة ومتوازنة بحيث تُتاح الفرصة لمجمع كل إقليم لترشيح أكثر من شخص لكل منصب ويقوم ملتقى الحوار السياسي مجتمعاً في جلسة عامة بالتصويت للاختيار". 

واتفق المجتمعون في طنجة على تشكيل لجنة عمل مصغرة من فريقي الحوار المكون من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين "تباشر عملها خلال أيام بشأن المادة 15 من الاتفاق السياسي بهدف توحيد المؤسسات السيادية".

 وكانت مصادر كشفت لــ"العربي الجديد"، في تصريح سابق، أن اللجنة مكونة من ستة أعضاء بواقع ثلاثة أعضاء عن كل من المجلسين لإعادة النظر في آليات شاغلي المناصب السيادية الثمانية بهدف دعم مشاورات أعضاء ملتقى الحوار السياسي المختلفين حول آليات اختيار شاغلي السلطة الجديدة. 

توقعات بعقد أولى جلسات مجلس النواب 

وفي سياق منفصل، يُتوقع أن تستضيف مدينة غدامس، اليوم الأربعاء، أولى جلسات مجلس النواب الموحد، لكن بشير الثني، أحد أعيان مدينة غدامس، أكد لــ"العربي الجديد" أن الأوضاع لا تزال غير واضحة بشأن انعقاد جلسة موحدة لمجلس النواب، اليوم، مشيراً إلى أن الجلسة لو انعقدت اليوم فستنتظر تكاملاً للنواب لعقد جلسة مكتملة النصاب. 

وسيطر منطق المحاصصة على أساس الأقاليم على مختلف التفاهمات الليبية بدءاً من اجتماعات وفدي مجلسي الدولة والنواب في بوزنيقة المغربية، التي اُختتمت في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، بتوزيع ثمانية مناصب سيادية على أقاليم ليبيا الثلاثة، وأكدها اجتماع ذات اللجنة خلال يومي الإثنين والثلاثاء، من الأسبوع الجاري. 

ورغم التوافق، خلال لقاءات بوزنيقة، على توزيع مناطقي لثمانية مناصب، إلا أن منصب المؤسسة الوطنية للنفط بقي خارج التوافقات.

ويصف المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، الخلافات الدائرة في كواليس الحوارات الليبية بــ"المساومات"، ويقول إن "أغلبها تنصب بين مؤسسة النفط والبنك المركزي بسبب علاقتهما بالمال، وهو ما أدى إلى اندلاع الصدامات الكبيرة بين قادة البلاد"، في إشارة للخلافات بين الصديق الكبير محافظ البنك المركزي، ومصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط بشأن حجب إيرادات النفط في حسابات لدى البنك الليبي الخارجي. 

وأمس، انتهى لقاء موسع جمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، بالكبير وصنع الله بحضور ستة مسؤولين آخرين رفيعي المستوى، نتج عنه بيان ملخصه الاتفاق على عقد اجتماع حكومي "طارئ موسع للبحث عن آليات رفع التجميد" عن إيرادات النفط ، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للسراج ليل أمس الثلاثاء. 

وأشار البيان إلى اتفاق المشاركين في الاجتماع على "تفعيل دور اللجنة المشتركة التي تضم ديوان المحاسبة ووزارة المالية والبنك المركزي وممثلين عن المالية بالمنطقة الشرقية للتنسيق في المسائل ذات العلاقة تحقيقا للمصالح العليا". 

وفيما لم يوضح مكتب السراج شكل اللجنة، فإن بيان آخر لديوان المحاسبة ذكر أنها  "تضم أعضاء من وزارة المالية والمصرف المركزي وديوان المحاسبة" بفرعيهما في الشرق والغرب بهدف "الشروع في توحيد المالية العامة وإعداد مشروع ميزانية موحد". 

ويعلق ذويب في حديثه لــ"العربي الجديد" بالقول إن شكل اللجنة المشتركة هو ترجمة فعلية وواضحة لاتفاق نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد معيتيق واللواء الليبي المتقاعد حفتر حول النفط"، مضيفاً "هذا ما كنت رجحته في السابق من أن الصراع على المناصب سيشكل أحلافاً جديدة أظهرها البيان بشكل مضمن". 

وحسب ذويب، فإن الخلافات بين الكبير وصنع الله انتهت إلى دعم اتفاق حفتر ومعيتيق، ويبرز اتفاق الأخيرين، المعلن في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، على تشكيل لجنة مشتركة للإشراف على "إيرادات النفط وضمان التوزيع العادل للموارد"، و"إعداد ميزانية موحدة، تلبي احتياجات كل طرف، طبقاً لتقديراته للنفقات، والتوفيق حول أي خلاف حول المخصصات، ووضعها في إطارها النهائي، وتعتبر ملزمة التنفيذ للطرفين". 

وأكد معيتيق، في لقاء أجرته معه مجلة جون أفريك الفرنسية بعد يوم من إعلان الاتفاق، على أن السراج "ليس ضد هذا الاتفاق"، مشيراً إلى أنه "راضٍ عن إعادة فتح حقول النفط". وأكد أن الاتفاق تم ترتيبه بعلم السراج مع وزير المالية بالحكومة الموازية شرق البلاد.

ويتحدث المحلل السياسي الليبي عن أن ملامح الحلف الجديد سيجمع بشكل غير مباشر قادة فرقاء الأزمة بعد صراع مسلح دام لسنين وتجلى بشكل واضح في هجوم حفتر على طرابلس بالسلاح تحت ذريعة تمويل حكومة الوفاق للمليشيات من واردات النفط. 

من جانبها، تلفت الصحافية الليبية نجاح الترهوني إلى بعد آخر في مسار حوارات الليبيين، يتعلق بغلبة منطق المحاصصة على أساس الأقاليم وبروزه بشكل أكثر تداولاً في الوقت الحالي، محذرة من أن يكون منطق يكرس للتقسيم في فترات مقبلة. 

وتوضح الترهوني رأيها بالقول إن "التوافق حول شروط ومعايير شاغلي المناصب السيادية ومناصب السلطة الجديدة اصطدم بشكل واضح بآليات اختيارهم حالياً، ورغم أن الفرقاء سيتوافقون عليها قريباً، وفق منطق المحاصصة على أساس الإقليم، لكنه أساس سيكرس لعمق الخلافات بين الأقاليم الثلاثة في المدى المتوسط والبعيد"، لافتةً إلى أن خطر تكريس هذا الأساس سيتجلى بشكل واضح في مرحلة الانتخابات المقبلة. 

وتتحدث الترهوني عن عدم وجود حقيقي للأقاليم على أرض الواقع، لكنها تؤكد أن أيادي في الظل تستدعي هذا التقسيم من ردهات التاريخ البعيد، تمهيداً لمشروع دولي يستهدف كامل المنطقة بخارطة سياسية جديدة، مشيرة إلى أن النفط الذي وحد أقاليم ليبيا الثلاثة في ستينيات القرن الماضي سيمثل عامل العودة للتقسيم من جديد. 

المساهمون