يبدو أن القمّة التي عقدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مدينة العلمين الجديدة، أول من أمس الاثنين، بمشاركة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لم تسفر عن أي نتائج محددة.
مواضيع القمة
وكان من المفترض أن تتصدر نقاشات القمّة مواضيع أربعة، على رأسها إيران، على ضوء الاقتراب من إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ثم الاضطرابات السياسية التي يشهدها العراق، وثالثاً مصير القمّة العربية التي من المقرر أن تستضيفها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وأخيراً تطورات القضية الفلسطينية.
لكن ما رشح عن اللقاء، وما قالته مصادر لـ"العربي الجديد"، يشير إلى أن "النقاشات حول تلك الملفات لم تستغرق وقتاً طويلاً، كما أنها لم تصل إلى نتائج محددة".
وقال دبلوماسي مصري بارز إن "السيسي حرص على استقبال ضيوف كبار في مدينة العلمين الجديدة (في منطقة الساحل الشمالي الغربي لمصر، بمحافظة مطروح)، اتساقاً مع توجه للدولة نحو تسويق المدينة على المستوى الدولي، وذلك من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما الخليجية، إليها".
المناخ الذي ساد اللقاء كان باتجاه تأجيل القمة العربية
وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنه "يستبعد أن تكون زيارة الزعماء العرب ومباحثاتهم مع السيسي، قد شهدت أي اتفاقات مهمة، باستثناء الجلسة الخاصة التي عقدها الرئيس مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد في العلمين الجديدة، قبل يوم من وصول باقي الزعماء العرب".
وكان السيسي قد استقبل الأحد الماضي في مطار العلمين، الشيخ محمد بن زايد، وعقدا لقاءً تناول "تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه القضايا الدولية والأمن الإقليمي والأوضاع الراهنة بالمنطقة العربية"، بحسب بيان رئاسي مصري.
وقال البيان إن "الجانبين بحثا خلال اللقاء مسارات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين، والفرص العديدة الواعدة لتوسيع آفاقه إلى مستويات أرحب تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والتنموية التي تدعم تطلعاتهما نحو تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والازدهار لشعبيهما الشقيقين".
وكشف دبلوماسيون مصريون جانباً من المشاورات التي جرت بين قادة مصر والأردن والعراق والإمارات والبحرين، على مدار اليومين الماضيين، مؤكدين أن المباحثات تطرقت إلى القمّة العربية المقرر انعقادها في الجزائر في نوفمبر المقبل، بعدما أثار رئيس الإمارات هذا الملف خلال الجلسة.
وقال دبلوماسي مصري، إن "المناخ الذي ساد المشاورات كان باتجاه تأجيل القمة، كونها تأتي في أجواء غير مناسبة على المستوى العربي، في ظل طبيعة العلاقات العربية - العربية في الوقت الراهن".
وأضاف الدبلوماسي المصري، أن الإمارات "تتبنى في الوقت الحالي رؤية متعلقة بإرجاء جديد للقمة، في ظل خلافات عميقة مع الجزائر، تجلت بشكل واضح في الملف الليبي، حينما أبدت أبوظبي تحفظاً على المرشح الجزائري صبري بوقادوم لرئاسة البعثة الأممية في ليبيا (والذي لا يزال شاغراً منذ استقالة يان كوبيتش أواخر العام الماضي).
وأوضح الدبلوماسي المصري، أن الإمارات "تمارس في الوقت الحالي ضغوطاً على بعض الأطراف العربية، لتبني رؤيتها الداعمة لتأجيل القمة، التي يراهن المسؤولون في الجزائر على عقدها في موعدها بعد تأجيلها"، لافتاً إلى أن أبوظبي "تواصلت بالفعل مع بعض الأطراف العربية الأخرى، من بينها تونس، حيث طرح بن زايد خلال المباحثات التي استقبلتها مدينة العلمين الجديدة، موقف بعض الدول العربية التي تشاور معها في هذا الشأن، والتي أبدى قادتها تجاوباً مع مقترح التأجيل".
مع العلم أن مصدراً رفيعاً في وزارة الخارجية الجزائرية، كان قد أكد قبل أيام لـ"العربي الجديد"، تمسك بلاده بعقد القمّة في موعدها وتحدث عن استكمال الاستعدادات لهذا الغرض.
من جهته، قال دبلوماسي مصري آخر إن "الضغوط الإماراتية جاءت في وقت كانت القاهرة تعمل على تحسين العلاقات مع الجزائر، والتي توترت أخيراً بسبب بعض المواقف الصادرة عن الجزائر في ما يخص ليبيا وملف أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، بخلاف تشكيل تحالف أفريقي ضمّ إثيوبيا، بعيداً عن مصر".
وأوضح الدبلوماسي المصري أن القاهرة "كانت تتجنب إثارة أي أزمة مع الجزائر، محاولة عدم إبداء أي موقف مسبق بشأن القمة المقبلة". وقال إن "الرؤية المصرية لم تعارض عقد القمة أو تتفق مع إقامتها، لكنها تتبنى أنه في حال عقدت القمة، فإنها ستشارك بها"، مشيراً إلى أن "الاتجاه السائد في القاهرة حال عقد القمة، يتجه إلى حضورٍ أقل من رئيس الدولة".
وتابع الدبلوماسي المصري أن "مستوى التمثيل ربما برئيس الوزراء، يأتي كون هناك عدد غير قليل من الدول العربية في القمة، بعثت بإشارات متعلقة بعدم التمثيل بالمستوى الأول في بلادها (الرؤساء والملوك)".
وفي السياق، رجح المصدر أن "يكون لقاء السيسي وبن زايد الذي سبق القمة الخماسية، قد شهد اتفاقات حول تقديم الإمارات دعماً مالياً لحكومة السيسي، مقابل تسهيل استثمارات في مصر، إضافة إلى مناقشة بعض الملفات التي أثارت خلافات بين البلدين في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها ملف سد النهضة الإثيوبي، وموقف الإمارات الأخير في الأمم المتحدة، والذي اعتبره البعض طعنة في ظهر مصر، عندما أصدرت فيه الأولى خطاباً إلى الأمم المتحدة بشأن السد، رحّبت فيه بما سمّته "التزام الدول الثلاث بالمفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي"، وشجعت الدول "على مواصلة التفاوض بحسن نيّة"، وهو ما أضعف من تأثير الخطاب الذي وجهه وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، لتسجيل اعتراض مصر ورفضها التام استمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة بشكل أحادي، من دون اتفاق مع مصر والسودان حول ملء وتشغيل هذا السد".
دبلوماسي مصري: الرئاسة المصرية نفسها اكتفت بوصفه باللقاء الأخوي، بمعنى أنه لم يشهد أي مباحثات جدية
ولفت المصدر إلى أن البيان الإماراتي بشأن لقاء السيسي وبن زايد في مدينة العلمين الجديدة، "ركّز على أن الجانبين تبادلا وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والملفات محل الاهتمام المشترك وآخر تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية".
وأكد بن زايد والسيسي، في هذا السياق، بحسب البيان الإماراتي، "ضرورة اللجوء إلى الحوار والتفاهم والطرق الدبلوماسية لتسوية النزاعات والأزمات بالوسائل السلمية التي تكفل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين"، وهو ما قد يحمل إشارة إلى قضية سد النهضة، وهي الجملة التي خلا منها البيان المصري.
اللقاء الخماسي العربي
وبينما فسّر البعض اللقاء الخماسي الذي جمع الزعماء العرب أول من أمس الاثنين، في العلمين الجديدة، بأنه استمرار للاتصالات المصرية التي سبقت قمّة جدة التي حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن، استبعد الدبلوماسي المصري السابق أن "يكون للقاء هدف محدد"، قائلاً إن "الرئاسة المصرية نفسها اكتفت بوصفه باللقاء الأخوي، بمعنى أنه لم يشهد أي مباحثات جدية".
من جهته، قال السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، ورئيس مجلس أمناء "مركز شاف للدراسات البحثية" التي تموله الإمارات، في مداخلة مع قناة "دي أم سي" المصرية، إن لقاء العلمين يأتي "استمراراً للقاءات التي عقدها الرئيس السيسي قبل قمة جدة، مثل زيارته إلى سلطنة عمان (يونيو/حزيران الماضي)".
وأشار إلى أن "اللقاء يعبر عن استمرار الزخم من أجل دعم التشاور العربي، في ظل الظروف الصعبة التي تمر علينا نحن العرب". وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اصطحب الاثنين، ضيوفه من الزعماء العرب، في جولة سياحية بمدينة العلمين الجديدة، ومنتجع "ريغال هايتس" ومرافقه السياحية، وبعدها شهد الجميع عروض الألعاب النارية، واستعراضاً للمظليين. وأقام الرئيس المصري مأدبة عشاء تكريماً للحضور.