تبدأ اليوم الإثنين في جنيف السويسرية جولة جديدة من المفاوضات حول الدستور بين المعارضة السورية والنظام، عقب توقف لأشهر تخللتها جولات مكوكية للمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن تكللت بالعودة إلى طاولة التفاوض، من دون أن تشي المعطيات السياسية بإمكانية حدوث اختراق مهم.
وتعقد "اللجنة المصغرة" من اللجنة الدستورية التي شكّلتها الأمم المتحدة، جولتها السابعة في ظل مؤشرات على أن تقدماً جوهرياً في أعمالها ليس بمتناول اليد في الوقت الراهن، مع استمرار النظام في تعنّته.
وتحدثت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأحد، عن "تعديل الدستور"، بينما تصر المعارضة على تنفيذ مضمون القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 2254 الذي ينص على كتابة دستور جديد للبلاد، تجري على أساسه انتخابات.
وسبقت الجولة لقاء المبعوث الأممي غير بيدرسن أمس الأحد، الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية، أحمد الكزبري ممثلاً عن وفد النظام، وهادي البحرة ممثلاً عن وفد المعارضة، للاتفاق على عناوين المبادئ الأساسية التي ستتم مناقشتها.
وتتألف الهيئة المصغّرة للجنة من 45 عضواً، مهمتها صياغة مضامين وقواعد مشروع الدستور لرفعها إلى الهيئة الموسعة لمناقشتها وإقرارها، والمؤلفة من خمسين عضواً من كل طرف من الأطراف الثلاثة (النظام والمعارضة والمجتمع المدني). وأمل بيدرسن في تصريح مساء أمس أن يعمل النظام والمعارضة "بشعور من الجدية والهدف" خلال الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة.
استياء من سير أعمال اللجنة الدستورية
وأوضح عضو اللجنة المصغرة عن المعارضة، أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لا جديد" في الجولة السابعة عن الجولة السابقة. وحول إمكانيات حدوث اختراق جاد في هذه الجولة يمهد الطريق لكتابة دستور جديد للبلاد، قال: المؤشرات غير واضحة حتى الآن.
وفي السياق، ذكر مصدر مطلع في "هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية" لـ"العربي الجديد"، أنّ عدداً من أعضاء المعارضة السورية المستقلين في اللجنة الدستورية "مستاؤون من سير أعمال اللجنة الدستورية"، مشيراً إلى أن "التفاوض مع النظام عبثي لا طائل منه، وهو ما قد يدفعهم إلى إعلان الانسحاب من اللجنة". كما بيّن المصدر أن جدول أعمال الجولة السابعة "ربما يتضمن تنظيم عمل السلطات العامة، وحقوق المعارضة البرلمانية والتوقيف، والاعتقال والعنف، والتعددية السياسية".
أحمد العسراوي: لا جديد في الجولة السابعة عن الجولة السابقة
وفي السياق، ذكر مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، أن الوفود الثلاثة ستناقش في هذه الجولة المبادئ الأساسية للدستور التي سبق ان طُرحت في الجولة السابقة. وكانت الجولة السادسة التي عُقدت أواخر العام الماضي، قد انتهت إلى فشل ذريع، ما دفع بيدرسن، وهو المسيّر لأعمال اللجنة الدستورية، إلى القول إنها كانت "خيبة أمل".
وكانت الوفود الثلاثة قد قدّمت أوراقها في تلك الجولة، إذ عرض وفد النظام ورقتي "السيادة السورية" و"الإرهاب والتطرف"، بينما أرسل وفد المعارضة ورقة "الجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات"، ووفد المجتمع المدني ورقة مبدأ "سيادة القانون". وتجنّب وفد النظام مناقشة أوراق وفدي المعارضة والمجتمع المدني في الجولة السابقة، وقدّم أوراق عمل "لا علاقة لها بالدستور" وفق مصادر في وفد المعارضة.
ومن المتوقع أن يصر وفد المعارضة في الجولة السابعة على البدء بصياغة الدستور، بينما سيواصل وفد النظام سياسة المماطلة وتبديد الوقت مع إدراكه أن المعارضة ستستمر في العملية السياسية وليس أمامها خيار آخر.
لا مؤشرات على اختراق ممكن
دبلوماسي منشق عن الخارجية السورية، قريب من وفد المعارضة، قال لـ"العربي الجديد" مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه: "لا توجد مؤشرات على إمكانية حدوث اختراق في الجولة السابعة، ولا في جولات مقبلة، لأنه من الواضح أن النظام وضع العملية السياسية وراء ظهره". وأعرب عن اعتقاده بأن أزمة الروس في أوكرانيا "لن تغيّر من موقفهم الداعم للنظام"، مضيفاً: لم نعوّل عليهم سابقاً حتى نفعل الآن.
دبلوماسي منشق: من الواضح أن النظام وضع العملية السياسية وراء ظهره
وأشار إلى أن بيدرسن في إحاطاته المتعددة لمجلس الأمن الدولي "لم يُحمّل النظام حتى اللحظة مسؤولية إيصال اللجنة الدستورية والعملية السياسية إلى طريق مسدود"، مضيفاً: "تنحصر مهمة بيدرسن في الإشراف على تنفيذ القرار الدولي 2254، وليس خلق مسارات حل أخرى. آن الأوان لوضع حد لهذا المبعوث الذي عليه العودة إلى دوره الذي حددته له الأمم المتحدة، وهو تيسير العملية التفاوضية لتنفيذ القرار 2254، وأهم بند فيه إنشاء هيئة حكم انتقالي".
وكان بيدرسن قد طرح خلال العام الحالي مبادرة للحل تقوم على مبدأ "خطوة بخطوة"، وذلك لتحفيز النظام على الانخراط في العملية السياسية. إلا أن هذه المبادرة رُفضت من النظام والمعارضة معاً. وكانت المعارضة قد تخلت عن تراتبية القرار الدولي 2254، ووافقت على البدء في مناقشة الدستور قبل الانتقال السياسي تقوم به هيئة حكم كاملة الصلاحيات، نتيجة ضغوط إقليمية، إلا أن النظام لم يُقابل هذه الخطوة إلا بمزيد من التعنّت.
ومن الواضح أن المبعوث الأممي يحاول ترحيل إعلان فشله للاستمرار في مهامه أطول فترة زمنية ممكنة، إذ من المقرر عقد جولتين إضافتين للجنة الدستورية في مايو/أيار ويونيو/حزيران المقبلين.
وكان ثلاثة مبعوثين أمميين إلى سورية، هم كوفي عنان، الأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا، قد أعلنوا استقالاتهم بسبب رفض النظام تسهيل مهام الأمم المتحدة منذ منتصف عام 2012 حين صدر أول قرار دولي حول سورية، عُرف بـ"بيان جنيف1" الذي يستند عليه القرار الدولي 2254.
هذا القرار الذي صدر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، وصوّت عليه الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن بالإجماع، كان قد نصّ على تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة.
ولكن القرار الدولي بقي من دون تنفيذ، على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي كان قد حدد سقوفاً زمنية لتنفيذ مضامين هذا القرار الذي يعد المرجعية الأساسية للعملية السياسية برمتها. وطيلة أكثر من ست سنوات، حاول النظام السوري تغيير المعادلات العسكرية والميدانية على الأرض من أجل فرض شروطه على الرغم من أن القرار الدولي المذكور رسم خريطة حل واضحة المعالم، لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات جادة وصارمة لتنفيذها.
واستطاع النظام خلال السنوات الماضية حصر المعارضة في شمال سورية، إلا أنه لم يستطع دفعها للقبول بحلول سياسية أقل مما نصت عليه القرارات الدولية.