اللاجئون الفلسطينيون في لبنان... أوضاع غير إنسانية

27 ديسمبر 2020
الفقر يزداد على وقع كورونا مكرِّساً الظلم والاضطهاد (محمت غيلتي/الأناضول)
+ الخط -

عاصر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أنواعاً متعددة من التحديات منذ اللجوء عام 1948، وكل تحدٍّ له طعم ونكهة مختلفة. والحديث هنا ليس عن نوع من الطعام، بل عن أنواع من الغذاء العنصري اللاانساني والبعيد كلياً عن الأنسنة.
المرحلة الأولى، بدايتها كانت باقتلاعهم من ترابهم الأساس، حيث مضوا إلى منفاهم القسري، معتقدين أنها فترة ستكون بضيافة إخوتهم من أمتهم العربية. غالباً ما يكون طعم الاقتلاع على يد العدو أهون ومستساغاً على الصعيد الفكري والوعي النفسي، لأن هذا العدو كان ولا يزال جزءاً من ثقافة نتربى عليها.
وعمل اللاجئون على مقاومة هذا العدو الصهيوني في بلدان لجوئهم عبر ابتكار آليات نضالية كثيرة، حتى توجت بالكفاح المسلح الذي كان الآلية الجديدة المقتبسة من كثير من الشعوب المقهورة عبر الكرة الأرضية.
تخطت مرحلة اللجوء كل ما هو متعارف عليه في التاريخ الإنساني؛ إذ يقيم أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان البالغ عددهم أكثر من (460 ألفاً) بحسب الإحصائيات المؤخرة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، ويعمل أغلبهم في البناء والسباكة والزراعة، لكونهم محظورين من مزاولة مهنتهم الجامعية والتعليمية لأكثر من 40 مهنة، حيث يقيمون في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً به لدى الأونروا، هي: نهر البارد، البداوي، برج البراجنة، ضبية، مار الياس، عين الحلوة، الرشيدية، برج الشمالي، البص، شاتيلا، ويفل (الجليل)، المية ومية.
ويقيم باقي اللاجئين في المدن والقرى اللبنانية، إضافة إلى تجمعات سكنية جديدة نشأت بسبب تطورات الأوضاع في لبنان. ومن أهم هذه التجمعات غير المعترف بها من الأونروا: المعشوق، جل البحر، شبريحا، القاسمية، البرغلية، الواسطة، العيتانية، أبو الأسود، عدلون الغازية، الناعمة، سعد نايل، ثعلبايا وغيرها.
وكانت الأونروا تشرف على 16 مخيماً رسمياً، دُمرت منها ثلاثة في أثناء سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديداً منذ عام 1974 وحتى عام 1976، ولم يعد بناؤها من جديد، وهي: مخيم النبطية في جنوب لبنان، ومخيما الدكوانة (تل الزعتر) وجسر الباشا في بيروت. وهناك مخيم رابع هو مخيم جرود في بعلبك، أُجلي أهله منه، ونُقلوا إلى مخيم الرشيدية في منطقة صور.
يجدر ذكره، أن هذه الأرقام غير دقيقة 100% لأنها تعتمد على معلومات يتقدم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقونها، وكذلك لا تشمل الأرقام الزيادة الطبيعية، فهناك لاجئون فلسطينيون في منطقة عمليات الأونروا غير مسجلين لديها رغم استحقاقهم ذلك. إضافة إلى أن بعض هؤلاء المسجلين يعيشون خارج منطقة العمليات.
تخنق الأزمة المعيشية والاقتصادية والصحية الشارع اللبناني يوماً بعد يوم، إثر التدهور الكبير لسعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، وتهافت اللبنانيين على شرائه، حيث سجلت الليرة اللبنانية حوالى 8000 مقابل الدولار الواحد، أي خمسة أضعاف عمّا كان عليه قبل ثمانية أشهر، رغم تحديد سعر صرف الليرة عند الصرافين بـ 3910 كحد أقصى.
هذا الأمر ينعكس مباشرة على أسعار السلع، التي تسجل ارتفاعاً كبيراً، وخاصة السلع المستوردة، الأمر الذي يساهم بفقدان بعضها من السوق، كالأدوية والمازوت، مع تسجيل إغلاق لمؤسسات ومحال تجارية لأبوابها، بالإضافة إلى ارتفاع في معدلات البطالة، التي هي الأعلى لها منذ عشرات السنين، حيث قدّرتها استطلاعات بأكثر من مليون عاطل من العمل في لبنان، لدولة يقدَّر عدد مواطنيها بنحو 6 ملايين شخص.
لم يكن حال أهالي مخيمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان بأفضل من غيره، وسط أزمة اجتماعية باتت تلوح في معظم المخيمات المنتشرة على الأراضي اللبنانية، ما دفع أبناء المخيمات الفلسطينية إلى دق ناقوس "الخطر الداهم" من "الانفجار الاجتماعي"، الذي ينذر بـ"كارثة إنسانية" قد تصل إلى حدود "المجاعة"، بعدما بدأوا يئنّون تحت وطأة الجوع والفقر المدقع معاً، إثر تضاعف مأساتهم انعكاساً للحراك الاحتجاجي وعدم تشكيل الحكومة اللبنانية، من جهة، وتقليص مساعدات منظمة الأونروا من جهة ثانية دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول قريبة، مع العقبات السياسية التي تحول دون ولادة الحكومة، ومع استمرار الأزمة المعيشية والاقتصاديّة الخانقة.
إن جملة من الأسباب المتداخلة تضافرت لتنذر من الانفجار الاجتماعي، وتزيد من معاناة أبناء المخيمات فوق الوصف، وأبرزها عدم نجاح وكالة "الأونروا" بإطلاق "نداء استغاثة" لتقديم المزيد من الدعم المالي لها، استجابةً لسد الفوراق في ارتفاع كلفة المعيشة نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار وفق ما كان متوقعاً، وقد برّر المدير العام للوكالة في لبنان فيليب لارزيني السبب، بأن الأزمة لا تطاول مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بعينه، بل هو امتداد للأزمة اللبنانية، ما يعني استحالة إطلاق "نداء استغاثة" خاص بهم، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة بعد توقيف العشرات من أبناء المخيمات عن العمل بسبب إقفال المؤسسات أو إفلاسها أو تخفيض عدد العمال، فازداد الفقراء فقراً، في ظل عجز القوى والفصائل والجمعيات الفلسطينية عن تأمين البديل.
وتعاني المخيمات الفلسطينية منذ سنوات من الفقر المدقع، الذي دفع الكثير من أبنائها وعائلاتها إلى الهجرة بهدف الخلاص من الواقع المؤلم.
في المقابل، تقدمت المبادرات الإنسانية والخيرية لبعض القوى والجمعيات الفلسطينية تحت شعار "التكافل الاجتماعي" بهدف تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، إذ حرصت وكالة "الأونروا" على دفع رواتب موظفيها بالدولار الأميركي للمرة الأولى، ووقّعت عقداً مع أحد المصارف لهذه الغاية، في محاولة لتعويض الموظفين من فروقات سعر صرف الدولار، فيما استغربت أوساط فلسطينية التحرك السياسي الجماعي الخجول للقوى والفصائل الفلسطينية الذي ترجم بعدم عقد أيّ اجتماع موسع لهيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، القيادة السياسية الموحدة، لوضع خطة طوارئ موحدة أو تشكيل "خلية أزمة" لمواجهة التداعيات السلبية.
لا شك في أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان داخل المخيمات وخارجها يعانون الأمرَّين من الظلم والاضطهاد. فمنذ اللجوء عام 1948، ومع تعاقب السنوات، ازدادت المأساة والمعاناة، وبالرغم من أن لبنان كان من الدول المصدّقة على معظم بنود بروتوكول الدار البيضاء عام 1965، ذلك البروتوكول الذي ينص على ضرورة معاملة الفلسطينيين في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة شعوبهم في إقامتهم وسفرهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية، ولكن أمام العنصرية اللبنانية تتكسر كل القرارات الدولية الإنسانية وتبقى حبراً على ورق. إن القرارات العنصرية اللاإنسانية تتوالى قراراً بعد قرار. 
فبعد القرار الجائر من وزارة العمل اللبنانية، التي كلفت الأجهزة الأمنية ملاحقة العمال والمؤسسات الفلسطينية، ضاربة بالحقوق الإنسانية والدولية عرض الحائط، بقي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعاملون كأجانب محرومين أبسط الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وما يتفرع منها من حقوق كثيرة، ورغم أن لبنان قد أكد في مقدمة دستوره احترامه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن واقع الحال يشير إلى خلاف ذلك، ويتناقض مع قرار القوى اللبنانية الذي أقرته وشرعته السلطات اللبنانية في عام 2010 عندما سمحت للفلسطينيين بالعمل في نحو 40 مهنة بناءً على منحهم إجازات عمل مجانية وأيضاً حرمانهم العلاج، حيث لا تقدم الدولة اللبنانية أدنى خدماتها في العامل الصحي للفلسطينيين، كتطعيم الأطفال على الأقل، وقد صدر قرار آخر صدم اللاجئين الفلسطينيين، صدر عن نقابة الصيارفة في لبنان بمنع اللاجئ الفلسطيني من شراء الدولار وحصر شرائه في اللبنانيين فقط. وليس هذا فقط‫، بل دون اكتراث لآثار اقتراحه وانعكاساته على أكثر الفئات المهمشة في لبنان، قال وزير الاقتصاد اللبناني، راوول نعمة، إنه قدم اقتراحاً لمجلس الوزراء برفع الدعم عن المواد الأساسية، الخبز والمحروقات، عن الأجانب في لبنان، والفلسطينيون منهم. ‬‬‬‬
‫جاء تصريح نعمة في أثناء جولة له في طرابلس، وأمام المتظاهرين المحتجين على سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور قيمة العملة اللبنانية.‬‬‬‬
‫ويعني رفع الدعم أن يُزاد سعر صرف الدولار على المحروقات والقمح، من 1515 ليرة إلى سعر السوق، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الخبز والمحروقات بنحو خيالي.‬‬‬‬
‫فسعر الصرف الدولار تجاوز عتبة الـ 8 آلاف ليرة لبنانية، في السوق السوداء، كما ذكرنا أعلاه.‬‬‬‬
‫ونظراً إلى عدم وضع تعريف واضح من قبل القوانين اللبنانية للاجئ الفلسطيني في هذا البلد، فقد أثار هذا التصريح تخوفاً كبيراً لدى الفلسطينيين، بأن يشملهم الاقتراح إذا ما تحول إلى قرار رسمي، على اعتبار أن سبق وعومِلوا كأجانب خلال إجراءات لوزارة العمل السابقة.‬‬‬‬
إن اللاجئ الفلسطيني لا يستطيع العودة إلى بلاده، وكل ما ينتجه داخل لبنان يبقى فيه، ما يعزّز الدورة الاقتصادية للبلاد، سواء أكان مصدرها من أصحاب المشاريع الصغيرة، أم من تعب العمال والحرفيين. كذلك يستفيد لبنان من حجم الأموال المتدفقة من خلال موازنة الأونروا، البالغة 80 مليون دولار، إضافة إلى ما تصرفه المنظمات الدولية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وما يرسله المهاجرون الفلسطينيون إلى ذويهم اللاجئين في لبنان التي تقدَّر بعدة مئات الملايين من الدولارات.
ولتزداد طينة اللاجئين بلة، اجتاحت كورونا المخيمات الفلسطينية في لبنان. فبعد الأزمات السياسية والأمنية والمهنية التي تلاحقها، تمددت اليوم إلى الصحيّة، إذ انتشر الهلع والخوف من الفيروس بين صفوف أبنائها مثل كل اللبنانيين، مع فارق كبير. فإجراءات الدولة وهيئاتها الصحية وإجراءاتها الوقائية لم تشملهم، توقفت عند مداخلها، وبقي الأمر "متروكاً" على كاهل وكالة "أونروا" بعجزها المالي و"مؤسسات المجتمع المدني" بإمكاناتها المتواضعة.
وكما ذكرنا أعلاه، هناك 12 مخيماً في لبنان، إضافة إلى عدد من التجمعات الفلسطينية، ليست جزراً معزولة عن محيطها اللبناني، تتأثر بها وتتكامل معها في ارتباط دورة الحياة، ما يفرض على أبنائها اتخاذ الإجراءات الوقائية ذاتها، بينما غالبيتهم لا قدرة لهم على شراء مواد التعقيم في الحد الأدنى، مع ارتفاع أسعارها في خضمّ الإقبال الكثيف عليها، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يترنح منها لبنان والتي تنعكس سلباً وأضعافاً عليهم.
إن الجهات المعنية والمسؤولة مباشرة عن المخيمات الفلسطينية واللاجئين في لبنان لم تكلف نفسها عناء اتخاذ أي إجراءات حالية على أرض الواقع لمنع تفشي هذا الوباء فيها، فالوزارة اللبنانية ليست معنية لأنها تعتبر أن المخيمات خارج نطاق عملها، وبالتالي فهي لا علاقة لها، وليست المسؤول عن اتخاذ التدابير اللازمة في ظل وجود "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولا يوجد سوى مبادرات فردية من المجتمع المحلي وأهالي المخيمات.
النظر إلى خيارات العلاج المتاحة للفلسطينيين يشي بحالة مزرية تبدو ذاهبة نحو التدهور في ظل تزعزع وضع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وما يعكسه ذلك من تقليصات متزايدة في تقديماتها الأساسية في جميع المجالات، وفي مجال الصحة خصوصاً.
إن المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المضيفة ومجتمعاتها، ملزمة بتقديم الحقوق الأساسية والحريات للاجئين ضمن حدودها. إن هذه الالتزامات تنبثق من قوانين حقوق الإنسان الدولية، علاوة على النظام العالمي لحماية اللاجئين، وفي العقود الثلاثة الماضية، كان هناك تصديق واسع النطاق على كل اتفاقيات حقوق الإنسان من قبل دول الشرق الأوسط.
 

المساهمون