لم تغب قضية اللاجئين السوريين، لا سيما الموجودين في تركيا، عن الواجهة الإعلامية السياسية خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً أن هذه القضية تحولت إلى ورقة سياسية تستخدمها كل الأطراف الفاعلة في المشهد، محاولة دفع النظام السوري إلى إبداء "مرونة" حيال هذا الملف، الذي يريده النظام ورقة ضغط للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية من المجتمع الدولي.
وقبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية الأحد المقبل، بين الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف المعارضة كمال كلجدار أوغلو، وضع وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أمس الأول الأربعاء، حجر الأساس لقرية سكنية في منطقة جرابلس، الخاضعة للنفوذ التركي في ريف حلب الشمالي الشرقي، في خطوة لا يمكن عزلها عن سياق الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن وجود اللاجئين السوريين في تركيا يعد الورقة الانتخابية الأهم في تركيا.
وذكر الوزير عبر "تويتر" أن الخطوة تأتي في إطار مشروع العودة "الطوعية والآمنة والمشرّفة للسوريين إلى بلدهم"، موضحاً أن هذا المشروع يأتي بالتعاون مع "صندوق قطر للتنمية".
اللاجئون السوريون في تركيا
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قد أكد، الثلاثاء الماضي، في تصريحات صحافية، أن حكومة بلاده أعادت 550 ألف لاجئ سوري، إلى مناطق شمال غربي سورية.
وأكد أن اللجنة المنوط بها وضع "خريطة طريق" لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة وفق نتائج الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، الذي عُقد في 10 مايو/أيار الحالي، ستعقد اجتماعها في الأيام القريبة المقبلة.
وأوضح أنها ستضم من الجانب التركي نائب وزير الخارجية بوراك أكشابار وكذلك ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات.
وتراجع عدد السوريين المسجلين في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة" نحو 124.969 منذ بداية العام الحالي، ليصبح عددهم 3 ملايين و411 ألفاً و29 شخصاً، وفق بيانات رسمية تركية.
محمد سالم: السوريون يخشون من أي تغييرات فالخيارات غدت بين سيئ وأسوأ
ويعد ملف اللاجئين في تركيا، خصوصاً السوريين منهم، من أبرز الملفات الضاغطة على حكومة حزب العدالة والتنمية والتي تحاول سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية، من خلال العديد من الخطوات، لا سيما الانفتاح على نظام بشار الأسد بعد عقد من القطيعة، وذلك بدفع من الجانب الروسي.
ويبدو أن أنقرة تخطط لإعادة أكبر عدد ممكن من السوريين اللاجئين لديها إلى سورية، بما فيها مناطق النظام، وفق جاووش أوغلو، الذي تحدث أخيراً عن حاجة القطاع الزراعي والصناعة وغيرها من القطاعات لليد العاملة التي يوفرها السوريون في تركيا، في إشارة واضحة إلى أن أنقرة لا تدفع باتجاه إعادة كل السوريين لأسباب اقتصادية.
وكانت الحكومة التركية قد بدأت، أواخر العام الماضي، تقارباً مع النظام برعاية مباشرة من الجانب الروسي. ويدخل ملف اللاجئين السوريين في صلب هذا التقارب، إذ يحاول أردوغان تهدئة هواجس الشارع إزاء اللاجئين السوريين، خصوصاً بعد حملات تحريضية إعلامية عليهم من قبل بعض الجهات التركية المعارضة.
ومن المتوقع أن تكون قضية اللاجئين أولوية لدى الجانب التركي في المباحثات مع النظام السوري الذي ما يزال يماطل حيال هذا الملف وملفات أخرى. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن مصادر "متابعة"، قولها إنه "من المبكر الحديث عن إعداد لجنة سورية لمتابعة إعداد خريطة طريق لتطوير العلاقة مع تركيا وفقاً لمخرجات الاجتماع الوزاري الرباعي الأخير بصيغته الوزارية".
وادّعت أن "دمشق لن تتنازل عن مبادئها وثوابتها، والتي تربط أي خطوة تطبيعية مع أنقرة بإنهاء احتلالها للأراضي السورية، ووقف دعم الإرهاب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
اللاجئون والخشية من انتقام النظام
ولا يدفع النظام باتجاه إعادة السوريين خصوصاً من دول الجوار، إذ يطالب برفع العقوبات الدولية عنه، وانخراط المجتمع في إعادة الإعمار، قبل التفكير في موضوع اللاجئين الذين، كما تؤكد الوقائع، جلهم لا يفكر في العودة "الطوعية" إلى مناطق النظام في ظل الخشية من حملات انتقامية، فضلاً عن تدمير النظام مدناً وأحياء كاملة خصوصاً في دمشق وريفها، وحمص وريفها ودير الزور، وحلب، وريفي إدلب وحماة.
فراس رضوان أوغلو: كل التفاهمات ستصب في صالح إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم
ولا توجد أرقام رسمية حول عدد اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم، إلا أن تقديرات تشير إلى أن نحو 10 ملايين سوري لجأوا إلى العديد من الدول، أبرزها تركيا ولبنان والأردن، وإلى دول عربية أخرى ودول أوروبية أبرزها ألمانيا والسويد وهولندا.
وقال مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "مسألة اللاجئين السوريين أصبحت على رأس الأجندة السياسية في تركيا وغيرها بسبب تناولها بشكل عنصري والتحريض بشتى الأشكال عليهم". وتابع: "السوريون يخشون من أي تغييرات يمكن أن تحدث في تركيا، والخيارات اليوم غدت بين سيئ وأسوأ".
وأعرب عن اعتقاده بأن الفترة المقبلة "ربما تشهد عودة رحلات التهريب المكثفة إلى أوروبا"، مضيفاً: "حتى الآن كل الحراك الذي نشاهده حول اللاجئين لا يقدّم أي حلول حقيقية ومستدامة للقضية، على العكس قد يقوم بتعقيدها بشكل أكبر".
وأعرب سالم عن قناعته بأن "أي تفاهمات حول قضية اللاجئين السوريين سواء في تركيا وغيرها من الدول لا تعني حلاً للموضوع"، مضيفاً: "النظام عملياً لا يريد عودة هؤلاء اللاجئين، ويربط ذلك بإعادة الإعمار، واللاجئون لا يمكن أن يعودوا إلى مناطق النظام تحديداً لأسباب أمنية واقتصادية ومتنوعة"، وأن "أكثر خطة يبدو فيها شيء من الواقعية هي الخطة التركية لتشجيع السوريين على العودة إلى منازل مبنية مسبقاً، مع إعطائهم بعض الميزات في شمال غربي سورية".
وكان أردوغان قد أكد قبل أيام أن بلاده تعدّ مشاريع لبناء مساكن في سورية من أجل عودة نحو مليون لاجئ إلى بلادهم، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن "استثمارات البنية التحتية التي نقوم بها هناك الآن في وضع يمكنها استيعاب أكثر من ذلك".
من جهته، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك مراجعة دولية لقراءة مشهد اللاجئين السوريين سواء في دول الجوار السوري أو أبعد من ذلك".
ورأى أن "كل التفاهمات الإقليمية والدولية ستصب في صالح إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم"، مضيفاً: "النظام يستخدم هذه الورقة لتحقيق مصالحه لجهة رفع العقوبات وإعادة الإعمار".
وبرأيه، فإن النظام السوري "يحقق نجاحا في التعامل مع هذه الورقة"، مضيفاً: "المجتمع الدولي سيضغط على النظام لعودة اللاجئين. مسألة هؤلاء اللاجئين تشهد تطورات كبيرة، وأعتقد أن النظام السوري هو الكاسب الأكبر".