محكمة التمييز في الكويت تؤيد الأحكام بقضية الصندوق السيادي الماليزي

27 يونيو 2024
قصر العدل الذي يحتضن محكمة التمييز في الكويت، 18 يونيو 2017 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- محكمة التمييز في الكويت تصدر حكمها النهائي بالسجن 10 سنوات لنجل رئيس مجلس الوزراء السابق وشركائه، و7 سنوات للمحامي سعود عبد المحسن، مع تغريمهم وإلزامهم برد مليار دولار في قضية الصندوق السيادي الماليزي.
- الأحكام تؤكد على أحكام سابقة وتعكس ثبات موقف القضاء الكويتي، مع جهود مكثفة من النيابة العامة والتعاون الدولي، خاصة مع ماليزيا التي حكمت على رئيس وزرائها السابق بالسجن.
- التحقيقات التي بدأت في 2016 كشفت عن شبكة لغسل الأموال تضمنت استخدام شركات وهمية وتحويلات مالية ضخمة، بفضل ضغوط من السفارة الأمريكية والسخط الشعبي على الفساد.

أسدلت محكمة التمييز في الكويت، اليوم الخميس، الستار على قضية الصندوق السيادي الماليزي، إحدى أكبر قضايا الفساد وغسل الأموال في تاريخ البلاد. وحكمت المحكمة بحبس نجل رئيس مجلس الوزراء الكويتي السابق، الشيخ صباح جابر المبارك الصباح، وشريكه رجل الأعمال الكويتي حمد الوزان، إلى جانب رجل الأعمال السوري بشار كيوان، ورجل الأعمال الماليزي جو لو، مدة 10 سنوات، وحبس المحامي الكويتي سعود عبد المحسن 7 سنوات، وإلزامهم بردّ مبلغ مليار دولار، وتغريمهم مجتمعين 145 مليون دينار كويتي (نحو نصف مليار دولار).

ويأتي حكم محكمة التمييز ضد المُدانين الخمسة، تأييداً لحكم محكمة الاستئناف في يوليو/ تموز الماضي، وهو الحكم الذي جاء كذلك تأييداً لحكم المحكمة الكلية في الدرجة الأولى في مارس/ آذار 2023، في تطابق تام في أحكام درجات القضاء الكويتي الثلاث.

وجاء حكم الدرجة الأولى في قضية الصندوق السيادي الماليزي بعد نحو عام من إعادة فتح النيابة العامة في الكويت ملف القضية، صيف عام 2022، واستئناف التحقيقات من جديد، وإصدارها أوامر قضائية بضبط المتهمين الكويتيين ومنعهم من السفر، بالتزامن مع إصدار السلطات القضائية الماليزية حكماً بحبس رئيس وزرائها السابق، نجيب عبد الرزاق، 12 عاماً، وتغريمه أكثر من 50 مليون دولار، وذلك بعد تجمد القضية مدة عامين تقريباً، بسبب تعثر الحصول على معلومات حاسمة من جهات خارج الكويت مرتبطة بالقضية، وعلى رأسها ماليزيا.

وبدأت فصول قضية الصندوق السياسي الماليزي لدى القضاء الكويتي في صيف عام 2020، بعد رفع النيابة العامة ضد المُدانين الخمسة قضية "غسل أموال"، إثر ضغوط مارستها السفارة الأميركية في البلاد، والتي نظّمت اجتماعاً رسمياً مع نجل أمير الكويت في حينها، الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، والذي كان يتقلّد قبلها منصب وزير الدفاع، قبل أن يغادر المنصب على خلفية كشفه قضية اختلاسات في "صندوق الجيش" في عهد وزير الداخلية آنذاك، الوزير الذي سبقه في المنصب، الشيخ خالد الجراح الصباح، والتي أطاحت في حينها برئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، من منصبه، وأُدين الاثنان فيها رسمياً بحكم نهائي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وأزالت الإطاحة برئيس مجلس الوزراء الكويتي السابق، الشيخ جابر المبارك الصباح، الغطاء السياسي عن نجله الشيخ صباح جابر المبارك، وفُتح الباب على مصراعيه مع صعود قضية الصندوق السيادي الماليزي إلى السطح، والذي أدى إلى سخط الشارع الكويتي، وتصاعد المطالبات بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد.

وفي تلك الأثناء، حثت السفارة الأميركية، الشيخ ناصر صباح الأحمد، على التحرك في قضية الصندوق الماليزي، وتبع ذلك إعلان وزير الداخلية آنذاك، أنس الصالح، رفع بلاغ إلى النائب العام بحق المتورطين في القضية، في الوقت الذي أمرت فيه القيادة السياسية في البلاد الحكومة بعدم التهاون فيها، بعدما أدت إلى تعريض النظام المصرفي في الكويت، والذي يُعرف بالمتانة والنزاهة، إلى الخطر بسبب عمليات غسل الأموال، إضافة إلى ضغوط كل من الولايات المتحدة الأميركية وماليزيا على السلطات الكويتية لمعاقبة المتهمين.

قصة الصندوق السيادي الماليزي

أما قصة الصندوق السيادي الماليزي داخل الكويت، الذي يعود تأسيسه إلى عام 2009، فقد بدأت عام 2016، بحسب القضاء الكويتي، حينما قام رجل الأعمال الماليزي - الصيني، جو لو، بالاتصال بالشيخ صباح جابر المبارك، وعرض عليه القيام بعمليات غسل أموالٍ مختلسة من الصندوق الماليزي، الذي كان جو لو قد سرق مليارات الدولارات منه بالتواطؤ مع رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب عبد الرزاق، والذي أُدين رسمياً بعد ذلك على خلفية القضية ذاتها. وجاء تواصل جو لو مع نجل رئيس الوزراء الكويتي السابق، في وقت كانت وزارة العدل الأميركية تضيّق فيه الخناق عليه وأصوله المالية المنتشرة في أرجاء العالم.

وقدم جو لو إلى الكويت عدة مرات، واجتمع مع نجل رئيس الوزراء الكويتي السابق، في مزرعة الأخير في العبدلي شمالي الكويت، ورجلي أعمال متحالفين معه، الأول رجل الأعمال الكويتي حمد الوزران، الذي كانت تربطه بجو لو علاقة صداقة منذ فترة الدراسة الجامعية، والآخر رجل الأعمال السوري - الفرنسي، بشار كيوان، والمُقرّب من رأس النظام السوري، بشار الأسد. واتفق الثلاثة على استخدام مجموعة إعلامية تدعى "مجموعة الوسيط"، كان قد أسسها الشيخ صباح جابر المبارك مع شريكه السوري، وكان من بين ذلك، قيام الشيخ صباح جابر المبارك بشراء حصة جو لو من فندق بارك لين في نيويورك عبر المجموعة، قبل أن يقوم بإعادة بيعها لشركة أخرى تابعة لجو لو، وذلك بهدف تبييض الأموال، وتضليل الجهات الرقابية، وإخفاء الأصول التابعة لجو لو.

كما اتفق الثلاثة على استخدام شركات صينية تعمل في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، ومشروع "طريق الحرير" الكويتي، من أجل إخفاء الأموال وغسلها، وهو ما كان عبر سلسلة اتفاقيات وهمية وقعت في مدينة شنغهاي الصينية في إبريل/ نيسان عام 2016، تحت غطاء شراكة استراتيجية بين الكويت والصين في مجالات متعددة، حيث ادعى الشيخ صباح جابر المبارك أنه ممثل رسمي للحكومة الكويتية، وقام باستغلال جزء من نفوذه للتمويه وإخفاء مصادر الأموال المختلسة من الصندوق الماليزي، وكانت شركات صينية قد وافقت على المشاركة في العملية نظير حصولها على عقود لمشاريع بنية تحتية في ماليزيا.

خلافات وفرار من الكويت

كما اسُتخدمت في عمليات غسل الأموال شركة "الأصباح العالمية للتجارة العامة" والمملوكة بالكامل للشيخ صباح جابر المبارك، و"شركة المنيرتين للتجارة العامة"، التي يملك حمد الوزان تفويضاً بإدارتها، وقامت الشركتان بإجراء عدد من التحويلات من وإلى شركات خارج الكويت. وجاء في اعترافات المُدانين لدى القضاء الكويتي، أن المحامي سعود عبد المحسن هو الذي كان يُدير عمليات البيع والشراء، كما اعترف حمد الوزان أنه قد تلقى 14 مليون دينار كويتي (أكثر من 45 مليون دولار)، دُفعت له من قِبل الشيخ صباح جابر المبارك من الأموال الماليزية المسروقة نظير استشارات وبحوث استثمارية. فيما حوّل الأخير أموالاً إلى حساباته الشخصية لشراء يخت وطائرة خاصة وسيارات ومجوهرات، وأيضاً لصبّ أموال في حسابات أبنائه.

وكانت خلافات بين الشيخ صباح جابر المبارك وشريكه السوري حول حصة كل منهما في عملية غسل الأموال، أول خيوط كشف القضية، التي أدت إلى فضيحة كبرى فيما بعد، بعد استخدام الشيخ صباح جابر المبارك نفوذ والده السياسي برفع عدة قضايا على بشار كيوان عام 2017، وصدور أحكام بحبسه تصل إلى 20 عاماً، قبل أن ينجح كيوان بالهروب من الكويت بطريقة غير شرعية، وصولاً إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها.

وفي فرنسا، أدلى كيوان بشهادته حول تورط شريكه السابق الشيخ صباح جابر المبارك، في قضايا فساد وغسل أموال ومن بينها قضية الصندوق السيادي الماليزي في رسالة طويلة وُجهت إلى السفارة الكويتية في فرنسا، وهو ما فسر على أنه عملية انتقام متعمّدة، بسبب عدم حصوله على حصته من عمليات غسل الأموال. أما العقل المدبر لعملية الصندوق السياسي الماليزي، جو لو، فقد توارى عن الأنظار منذ عام 2016، ويُعتقد أنه يتمتع بحماية من السلطات الصينية.

ورفع البنك المركزي الكويتي، ثلاثة بلاغات إلى وحدة التحريات المالية في أعوام 2017 و2018 و2019، تفيد بتضخم حسابات نجل رئيس الوزراء السابق الموجودة في بنك صيني يعمل داخل الكويت، لكن البلاغات تعرّضت للتجاهل التام، بسبب النفوذ الذي كان يتمتّع به نجل رئيس مجلس الوزراء آنذاك، وقد ساهم تدخل أطراف دولية في القضية أولاً، ثم الإطاحة بوالده من منصبه أخيراً، إلى مثوله أمام القضاء وصدور حكم بالإدانة على الأطراف المتورطة بالقضية.