الكرملين يرفض الاتهامات الأميركية بشأن أوكرانيا: هل وصل المسار التفاوضي إلى طريق مسدود؟
رفض الكرملين، اليوم الجمعة، الاتهامات الأميركية "المجانية" لروسيا بنشر عناصر في أوكرانيا لتنفيذ عملية تخريبية تشكل "ذريعة لغزو" روسي لهذا البلد.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لوكالة تاس الرسمية للأنباء: "حتى الآن، كل هذه التصريحات مجانية ولم تستند إلى أي دليل".
وأكد مسؤول أميركي في وقت سابق الجمعة أن روسيا نشرت عناصر مدربين على المتفجرات، لتنفيذ عملية "مموهة" لإيجاد ذريعة لغزو أوكرانيا.
ونشرت الولايات المتحدة هذه الخلاصات الاستخباراتية غداة اتهام مستشار الأمن القومي جيك سوليفان روسيا بـ"الإعداد لخيار اختلاق ذريعة لغزو" أوكرانيا.
وأضاف المسؤول: "لدينا معلومات تشير إلى أن روسيا قامت بالفعل بتجهيز مجموعة من العناصر للقيام بعملية مموهة في شرق أوكرانيا".
مساعٍ دبلوماسية ألمانية
من جهة أخرى، تتوجه وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى كييف الإثنين، ثم إلى موسكو، قبل أن تزور مع نظيرها الفرنسي، جان إيف لودريان، خط الجبهة ضد الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وفق ما أعلنه الجمعة كلٌّ من برلين وباريس.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الألمانية، كريستوفر برغر، أن الوزيرة ستلتقي خصوصا في كييف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وستكون الزيارة مناسبة لإحياء الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين برلين وكييف، بحسب المتحدث.
وتتوجه بيربوك الثلاثاء إلى موسكو للاجتماع مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف.
تأتي الزيارتان الأوليان للوزيرة إلى أوكرانيا وروسيا في سياق توتر شديد مع روسيا على الحدود الأوكرانية.
وصرّح نظيرها الفرنسي جان إيف لودريان خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بريست غرب فرنسا، "سنقوم بزيارة مشتركة إلى أوكرانيا في الأيام المقبلة(...) على خط التماس" بين الانفصاليين الموالين لروسيا والقوات الأوكرانية.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن هذه الزيارة المشتركة مقررة منذ "مطلع شباط/فبراير".
وأوضح لودريان أن أنالينا باربوك "ستحضّر (في كييف) لهذه الزيارة المشتركة".
التوترات مع روسيا قد تكون لها تداعيات على خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي يربط بين روسيا وألمانيا، وتعارضه أوكرانيا.
وترى الولايات المتحدة، وكذلك وزراء حزب الخضر في الحكومة الألمانية، أنه في حال دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، فإن خط نقل الغاز الذي لم يتم تشغيله بعد يجب أن يستهدف بالعقوبات.
لكن يعتبر وزراء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألمان أنه يجب إبعاد خط أنابيب الغاز عن الملف الأوكراني.
مشاركة أوروبية "طفيفة" وأوكرانيا خارجها
سبق لوزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن أكّد أنه سواء في حلف شمال الأطلسي أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فإن "الأوروبيين يعملون من أجل الدفاع عن مصالحهم".
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "تلقينا تأكيدات أنه لن يتم اتخاذ قرار أو التفاوض بشأن أي شيء بدون الأوروبيين وإن التنسيق مع الأميركيين ممتاز".
لكن مراقبين يرون أن الاتحاد الأوروبي يضطلع بدور "طفيف" في المفاوضات، لأن الولايات المتحدة تفضل إجراء مناقشة مباشرة مع بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكذلك مع حلفاء من أوروبا الشرقية. أما بالنسبة لأوكرانيا تتم المحادثات إلى حد كبير خارج نطاق مشاركتها.
واقترح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على نظيره الأميركي، جو بايدن، عقد اجتماع ثلاثي بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
جاء ذلك على لسان رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني، أندريه يرماك، في تصريح الجمعة، أعرب فيه عن تقدير بلاده لمحاولة واشنطن لعب دور الوساطة لحل أزمة إقليم دونباس.
وأضاف يرماك أن الرئيس زيلينسكي عرض على بايدن عقد اجتماع ثلاثي مع بوتين، لافتا إلى أن الاجتماع يمكن أن ينعقد عبر الإنترنت.
وأردف أن الجانب الأميركي أبدى اهتمامه بالاقتراح، مضيفا أنهم ينتظرون ردا من الجانب الروسي.
وأوضح: "ما زلنا بانتظار الردّ الروسي، لكن شركاءنا الأميركيين تعاملوا مع الاقتراح باهتمام".
واعتبر المستشار المقرّب من الرئيس الأوكراني "أنه اقتراح استباقي يجعل أوكرانيا منخرطة في المفاوضات. وعندما يقتضي الأمر مناقشة هيكلية الأمن في أوروبا، لا بدّ من إشراك أوكرانيا في المسألة".
وكان رئيس الدولة الأوكرانية قد دعا الثلاثاء إلى قمّة رباعية مع موسكو وباريس وبرلين، "لوضع حدّ للنزاع" مع الانفصاليين الروس في شرق البلد.
الرهان الروسي والمواجهة المحتملة
يعتقد مراقبون أن الوضع هش بالكامل، وخطر الحرب مرتفع. ومع أن المفاوض الروسي، سيرغي ريابكوف، كان قد أكد، يوم الإثنين في جنيف، أن روسيا لا تنوي "مهاجمة أوكرانيا"، إلا أن التدخل العسكري قد يتخذ أشكالا أخرى، إذ لوّح بوتين بالتهديد برد "عسكري وتقني".
قد يتضمن ذلك نشر صواريخ في دونباس (شرق أوكرانيا) أو في شبه جزيرة القرم (جنوبا)، بحسب تحليل نشر على موقع "وارونذيروكس" الإلكتروني.
لكن بحسب الاستخبارات الأميركية، فإن الروس لم "يتخذوا قرارا نهائيا بعد" حول غزو محتمل. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن فرنسا لا تعتقد أيضا أن هناك "تحضيرات لغزو فوري".
كانت المقترحات الأميركية المضادة بشأن عدم نشر الصواريخ في أوروبا أو الحد من التدريبات العسكرية جزءًا من المطالب الأميركية، بينما يندد بوتين من جهته بـ "سياسة احتواء" بلاده، ويطالب منذ فترة طويلة بـ"ضمانات أمنية" من الغربيين.
ويراهن الكرملين على أن الولايات المتحدة تركّز حاليا بشكل كامل على التنافس مع الصين، ومن مصلحتها أن تحافظ على علاقة مستقرة مع روسيا وعلى هندسة أمنية في أوروبا تتيح لها التركيز على منطقة المحيطين الهندي-الهادئ".
دبلوماسية متعثرة
لم يعطِ المسار الدبلوماسي المكثف بين الغربيين والروس هذا الأسبوع، لمحاولة تجنب الأسوأ في أوكرانيا، أي نتيجة كما يبدو للوهلة الأولى، وهو أسبوع اختتم بتعرض أوكرانيا الجمعة لهجوم معلوماتي كبير لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه، عرقل عمل قسم من مواقعها الحكومية الإلكترونية.
وبعد الدبلوماسية المكثفة، في جنيف وبروكسل (حلف الأطلسي)، وفي فيينا (منظمة الأمن والتعاون في أوروبا)، يطالب الروس برد على مطالبهم، ولا يرون فائدة من محادثات جديدة في "الأيام المقبلة"، متوقعين ردودا خطية من الغربيين اعتبارا من الأسبوع المقبل.
في مواجهة "الضغط الأقصى" الروسي، قالت الولايات المتحدة إنها "مستعدة لكل السيناريوهات"، وصولا إلى ردود انتقامية اقتصادية ومالية "شديدة".
وترفض الولايات المتحدة من جانبها، كل المطالب الروسية بشأن حلف شمال الأطلسي والتي من شأنها أن تعيد أوروبا بحكم الأمر الواقع إلى التوازنات الجيوسياسية لعام 1991 عند سقوط الاتحاد السوفياتي، وتقترح إطلاق "عملية" مفاوضات تتمحور حول الحد من التسلح والحد من المناورات العسكرية، التي رأت فيها مصادر توتر متكررة، وهو أمر غير كاف بالكامل في الوقت الراهن في نظر الروس.
بحسب مراقبين، الأمور تسير في طريق مسدود، من غير توفيق بين الموقفين الروسي والأميركي، ولا يمكن التكهن ما إذا كان فلاديمير بوتين سيقرر في النهاية مواصلة المحادثات أم لا.
وجرت سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى هذا الأسبوع بين مسؤولين من الغرب وروسيا، لكنها لم تتِح حتّى الساعة درء خطر اندلاع نزاع جديد في أوكرانيا.
(رويترز، فرانس برس)