استمع إلى الملخص
- اتهمت كييف وسيول بيونغ يانغ بإرسال آلاف الجنود لدعم روسيا، وأكدت الولايات المتحدة وجود ثلاثة آلاف جندي كوري شمالي في روسيا للتدريب، مما يثير قلقاً دولياً.
- مشاركة كوريا الشمالية قد تكون مدفوعة برغبتها في تقنيات عسكرية ودعم اقتصادي، مما يزيد التوترات ويهدد استقرار المنطقة ويضع الصين في موقف حرج.
تتابع بكين بقلق تواتر تقارير تتحدث عن مشاركة القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي في حربه، وذلك بالنظر إلى تداعيات وارتدادات هذه الخطوة الأمنية والعسكرية على منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وانعكست هذه الأجواء من خلال ما نشرته وسائل إعلام صينية، أول من أمس الجمعة، إذ ذكرت أن التقارير التي تفيد بأن قوات من كوريا الشمالية تتجمع في أقصى شرق روسيا وربما في أوكرانيا بالفعل، ستقابل بالقلق في بكين. وأضافت أن تورط القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا من شأنه أن يضع الصين في موقف صعب، وقد يؤدي أيضاً إلى تعاون أوثق بين دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" وشمال شرقي آسيا. وحذرت من أن نشر القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا لدعم جهود الحرب الروسية يمثل تحولاً كبيراً في الديناميكيات العالمية، من خلال ربط مسارح الأمن الأوروبية والمحيطين الهندي والهادئ بطرق غير مسبوقة.
اتهمت كييف وسيول بيونغ يانغ بتخصيص أكثر من 12 ألف جندي، بما في ذلك ثلاثة آلاف موجودون بالفعل في روسيا، لدعم المجهود الحربي الروسي، وهو الادعاء الذي دعمته الولايات المتحدة أيضاً. وقال مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، أول من أمس، إن كوريا الشمالية أرسلت أكثر من ثلاثة آلاف جندي إلى روسيا للقتال ضد أوكرانيا. ورداً على سؤال عن أنباء نشر جنود كوريين شماليين في منطقة كورسك الروسية، قال كيربي خلال مؤتمر صحافي، مساء الجمعة: "نعتقد أن ذلك ممكن حقاً". وأضاف: "ربما تم نشر بعض الجنود الكوريين الشماليين في منطقة كورسك". وأردف: "نراقب هذا الوضع عن كثب ونجري مشاورات مستمرة مع أجهزة استخباراتنا". وذكر كيربي أن واشنطن ستعرف قريباً في أي المناطق ينتشر هؤلاء الجنود تماماً. وتابع: "يمكننا القول إن أكثر من ثلاثة آلاف جندي من كوريا الشمالية موجودون حالياً في روسيا للتدرب والتجهيز". ولفت إلى أن الولايات المتحدة تحاول تحديد عدد الجنود الكوريين الشماليين في روسيا بحسب التقارير الاستخبارية.
جينغ وي: بيونغ يانغ ليس لديها ما تخسره ومن غير المرجح أن تواجه أي عقوبات جديدة
قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في تصريحات للصحافيين خلال زيارة إلى روما الأربعاء الماضي: "إننا نرى أدلة على وجود قوات كورية شمالية" في روسيا. كذلك، قال مدير جهاز الاستخبارات الوطني في كوريا الجنوبية تشو تاي يونغ، حسب وسائل إعلام كورية جنوبية، الأربعاء الماضي، إن ثلاثة آلاف جندي كوري شمالي تم تدريبهم في روسيا لاستخدام المعدات، بما في ذلك الطائرات من دون طيار، قبل نشرهم في أوكرانيا. بدورها، أفادت أجهزة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الخميس الماضي، بأن الوحدات الأولى من القوات الكورية الشمالية تم نشرها في منطقة كورسك الروسية. والخميس أيضاً، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شراكة موسكو مع بيونغ يانغ، لكنه لم ينكر وجود قوات كورية شمالية في روسيا. من جانبها، اعتبرت كوريا الشمالية، مساء أول من أمس الجمعة، أنه في حال إرسالها جنوداً إلى روسيا فسيكون ذلك "متوافقاً" مع القانون الدولي، بعد حديث إعلام دولي عن ذلك في خطوة من بيونغ يانغ لدعم موسكو في هجماتها على أوكرانيا.
إقرار كوري شمالي ضمني
نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية، عن كيم جونغ غيو نائب وزير الخارجية قوله إنه "إذا كان هناك شيء مثل ما تتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية، فأعتقد أنه سيكون إجراء يتوافق مع قواعد القانون الدولي". وأضاف كيم، وهو أيضاً المسؤول عن الشؤون الروسية في النظام الكوري الشمالي: "ستكون هناك قوى تريد وصف إرسال كوريا الشمالية لقوات إلى روسيا بأنه غير قانوني". وشدّد على أن "وزارة الدفاع الكورية الشمالية لم تعلق على مسألة تدخل في نطاق اختصاصها، وامتنعت عن تأكيد إرسال القوات" إلى روسيا. وفسرت وسائل إعلام كورية جنوبية تصريح كيم بأنه إقرار ضمني من حكومة بيونغ يانغ بإرسال قوات إلى روسيا.
في الإطار، رأى المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بيونغ يانغ عندما قررت إرسال قوات للمشاركة في الحرب الروسية على أوكرانيا، قد تكون مدفوعة باحتمالات مساعدة موسكو لها في توفير التكنولوجيا العسكرية والأفراد، في حالة نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية. وأضاف: لا شك أن هناك عوائد كبيرة وراء هذه الخطوة، لعل أبرزها الحصول على تقنيات عسكرية روسية تخدم تطوير الترسانة العسكرية الكورية الشمالية، ولكن لا يمكن الجزم إذا كانت هذه التقنيات مرتبطة بالبرنامج النووي.
جيانغ لي: مشاركة الشمال في أوكرانيا تعني نشر المزيد من القوات الأميركية في المنطقة
ولفت جينغ إلى السلال الغذائية المتوقع الحصول عليها من روسيا، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الكوري الشمالي من أزمات كبيرة في ظل العقوبات الأممية والدولية المفروضة على نظام بيونغ يانغ منذ عقود. عن تداعيات هذه الخطوة على كوريا الشمالية، قال جينغ إن بيونغ يانغ ليس لديها ما تخسره، ومن غير المرجح أن تواجه أي عقوبات جديدة لأنها تخضع بطبيعة الحال لعقوبات شديدة، وعلاقاتها الدولية تقتصر فقط على بكين وموسكو، والأخيرة تخوض حرباً وتخضع لعقوبات أممية، بينما تعتبر الأولى شريان الحياة الاقتصادي لكوريا الشمالية. في رده على سؤال لـ "العربي الجديد"، بشأن حسابات الصين وكيف تتابع وتخطط للتعامل مع القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا قال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية جيانغ لي، إن الصين لديها العديد من الأسباب لتشعر بالقلق إزاء هذه الخطوة، لأنها تخدم سعي الولايات المتحدة إلى ضخ مزيد من الزخم وحشد حلفاء جدد في إطار استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تأثير انتشار القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا
وأوضح جيانغ أنه من خلال تأكيد مشاركة القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا فإن ذلك يعطي مبرراً لواشنطن من أجل توسيع نشاطها العسكري في شمال وشرق آسيا، انطلاقاً من اعتبار كوريا الشمالية نظاماً لا يهدد الولايات المتحدة فحسب بل حتى حلفائها الأوروبيين. الأمر الذي قد يدفع الاتحاد الأوروبي لانتهاج سياسة أكثر عدوانية تجاه بيونغ يانغ. وبرأيه ستفترض الإدارة الأميركية بأن مشاركة القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي، ستقابل بالتزام من بوتين بالرد بالمثل في حال نشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية، وبالتالي هذا يستدعي انتباهاً وتأهباً أكبر من واشنطن وسيول وطوكيو. ولفت إلى أنه حين يتم ترجمة ذلك على الأرض، فإنه يعني نشر مزيد من القوات الأميركية في المنطقة وجلب المزيد من أسلحة الردع والأنظمة الدفاعية المتطورة. وبرأيه فإنّ ذلك كله يمس بميزان القوى في منطقة المحيطين ويضعنا أمام برميل من البارود قابل للاشتعال في أي لحظة.
عن الأوراق التي تملكها بكين للتعامل مع القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا، أشار جيانغ إلى أن الصين تربطها علاقة صداقة وطيدة ببيونغ يانغ، ولكن مسألة إرسال قوات كورية شمالية إلى أوكرانيا من عدمه يظل قراراً سيادياً بالنسبة لنظام كيم جونغ أون. وأضاف أن الصين تلتزم بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لكنه في نفس الوقت لفت أن بكين قد تشعر بالحرج باعتبارها حليفاً لبيونغ يانغ، لأن هذه الخطوة تمثل انتهاكاً للعقوبات الأممية بشأن توريد الأسلحة أو إرسال القوات إلى النظام الروسي. وبرأيه لا تريد الصين أن تكون في خانة الدول الحليفة لأنظمة تنتهك القوانين الدولية في وقت تسعى فيه إلى تسويق نفسها دولة راعية للسلام، وملتزمة بالمواثيق والمعاهدات الدولية.