القوات الأوكرانية تحاصر ليمان: بوابة للتقدم في دونيتسك ولوغانسك

30 سبتمبر 2022
جنود أوكرانيون قبل أيام من انسحابهم من ليمان، إبريل الماضي (ياسويوشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

بعد تقدمها الكبير في مقاطعة خاركيف، شرقي أوكرانيا، واستعادة آلاف الكيلومترات التي احتلتها القوات الروسية، تسابق القوات الأوكرانية الزمن لتحقيق اختراق جديد، وتواصل هجومها من أجل استعادة مدينة ليمان الاستراتيجية، ما يفتح المجال أمامها للتقدم نحو المناطق التي تسيطر عليها روسيا، بعدة اتجاهات، نحو مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك. 

وتتبع ليمان إدارياً لمدينة كراماتورسك، العاصمة الإدارية لإقليم دونيتسك، بعد استيلاء الانفصاليين على مدينة دونيتسك. وقبل بداية الحرب الحالية، في 24 فبراير/شباط الماضي، بلغ عدد سكان المدينة قرابة 21 ألفاً.

تقدم القوات الأوكرانية نحو ليمان

وتقدمت القوات الأوكرانية في محيط ليمان، المدينة الصغيرة التي تشكل نقطة دفاع مهمة عن مدينة سلوفيانسك الواقعة تحت سيطرة أوكرانيا، وفي الوقت ذاته بوابة للعبور نحو سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك، غربي مقاطعة لوغانسك، التي احتلتها روسيا والقوات الانفصالية في نهاية يونيو/حزيران الماضي بعد معارك عنيفة.

وفي المقابل، تكثف روسيا هجماتها على مدينة باخموت من دون تحقيق تقدم ملحوظ، وتغامر بإمكانية محاصرة قواتها المدافعة عن ليمان في معركة إذا كسبها الأوكرانيون ستعدّ نكسة إضافية للقوات الروسية، وأكثر إيلاماً ربما من خسارة مناطق في خاركيف، وقد تلحق خسائر كبيرة بالجيش الروسي لعدم اتخاذ قرار الانسحاب في الوقت المناسب، في حالة معاكسة لما جرى في يونيو/ حزيران الماضي حين قررت القيادة الأوكرانية مواصلة القتال في سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك على الرغم من محاصرتهما.

مدّونون روس: القوات الأوكرانية أكملت تقريباً حصار مدينة ليمان

وذكر "المعهد الأميركي لدراسات الحرب" في آخر تقاريره مساء أمس الخميس، بناء على تقارير نشرها مدونون عسكريون روس يدعمون الجيش الروسي ويتلقون تقارير مباشرة من ساحة المعارك، على موقع "تيليغرام"، أن القوات الأوكرانية أكملت تقريباً حصار مدينة ليمان بعد نجاحها في إغلاق آخر طريق كان يمكن أن ينسحب عبره الجيش الروسي باتجاه المناطق التي يسيطر عليها في عمق مقاطعة لوغانسك.

وحسب المعهد، فقد وصف المدوّنون الوضع بأنه صعب للغاية، وأكد أحدهم أن القوات الأوكرانية تهاجم ليمان من ثلاث جهات، وأن الطريق من المدينة إلى سفاتوفو باتت مغلقة. 

وفي تقييمه للأوضاع في ليمان، قال الزميل الأقدم في معهد السياسة الخارجية روب لي إن "الجيب قد ينهار الليلة (مساء الخميس)، أو اليوم الجمعة، ما سيلقي بظلاله على إعلان الضم"، في إشارة إلى المراسم التي يعدها الكرملين في موسكو للتوقيع على ضم مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون المحتلة من قبل الروس والتي نظمت استفتاءات للانضمام إلى روسيا، وصفتها الكثير من البلدان بأنها "صورية" ولن تعترف بها أبداً.

وأشار لي إلى أن "روسيا تواجه نقصاً في القوى العاملة وفي الاحتياطيات في دونباس (التي تضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك)"، وأبدى اعتقاده بأنه "إذا فُقدت القوة الروسية في جيب ليمان، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التقدم لأوكرانيا في عمق دونباس".

 

 

 

 

ليمان... معقل للدفاع عن القوات الروسية في شرق أوكرانيا

وتحوّلت ليمان إلى معقل للدفاع عن القوات الروسية في شرق أوكرانيا، إثر انسحابها من إيزيوم في مطلع سبتمبر/أيلول الحالي. وكثفت القوات الأوكرانية منذ الأسبوع الماضي هجومها على ليمان، تزامناً مع استفتاءات الضم، وحاصرتها من الشمال والشرق. وصباح أمس الخميس، حذّر مدونون روس من خطر تطويق القوات الروسية المدافعة عن المدينة.

وقال رئيس الإدارة الروسية ألكسندر بيتريكين، أمس، إن "الوضع في المدينة صعب". وكشف ألكسندر بوروداي، أحد القادة السابقين في قوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" الانفصالية، أنه لم يكن هناك عدد كافٍ من الأشخاص في الجبهة. وأقرّت مصادر روسية بأن خطوط إمداد ليمان وقرية دروبيشيفو المجاورة تتعرض لنيران مباشرة من القوات الأوكرانية.

ويبدو أن القوات الأوكرانية نجحت في إحكام كماشة من الشمال الغربي والجنوب الغربي، وأغلقت آخر الطرق التي يمكن أن ينسحب منها الجنود الروس من ليمان.

ولم تدخل القوات الأوكرانية في صراع مباشر من أجل استعادة ليمان، بل عملت على تجزئة قواتها، فتقدمت من الشمال وسيطرت على السد الواقع على نهر زريبيتس، وعزلت الوحدات الروسية، قبل بدء القتال بالقرب من تورسكي، وهي مركز نقل مهم على بعد 12 كيلومتراً شمال شرقي ليمان، والتي يمرّ من خلالها الطريق الوحيد المتبقي تحت سيطرة القوات الروسية. 

وبالتزامن، ومن جهة الجنوب تحركت مجموعات أخرى واخترقت الخطوط الدفاعية الروسية بالقرب من يامبول، على بعد 13 كيلومتراً جنوب شرقي ليمان، وانتقلت إلى تورسكوي من الجنوب الغربي.

وسيطرت القوات الأوكرانية، أمس الخمس، على قرية نوفوسيلوفكا، على بعد ثمانية كيلومترات شمال غربي ليمان، وهاجمت دروبيشيفو وليمان نفسها من الجنوب الغربي من جهة قرية تشوروف، ومن الجنوب الشرقي من ديبروف، وسيطرت على آخر الطرق التي يمكن أن تنسحب منها قوات اللواء 20 الروسي، المتمركزة في ليمان.

وهو اللواء نفسه الذي هاجم مدينة غروزني الشيشانية ليلة رأس السنة 1995 في حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996)، وفقد نحو نصف عديد قواته بعد حصاره من قبل المدافعين عن المدينة حينها.

كما تحاصر القوات الأوكرانية كتيبة من مشاة البحرية التابع لأسطول بحر البلطيق الروسي، وكذلك متطوعي الفيلق الروسي المعروف باسم "بارس 13"، وهو جزء مما يسمى قوات الحماية الذاتية في "جمهورية لوغانسك الشعبية" الانفصالية.

وتواصل وزارة الدفاع الروسية في تقاريرها اليومية تجاهل الوضع في ليمان، وتركز على أنها تتقدم بشكل بطيء في مدينة استراتيجية أخرى قريبة هي مدينة باخموت، التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية.

وشنّ الإعلامي المقرّب من الكرملين فلاديمير سلوفيوف هجوماً على تكتيكات الجيش الروسي، مطالباً باتخاذ إجراءات سريعة من أجل عدم الانكسار في جبهة ليمان، وعدم تكرار الأخطاء التي حصلت في جبهة خاركيف.

ودعا في قناته "سلافيوف لايف" على "تيليغرام"، الأربعاء الماضي، إلى الدفع بتعزيزات إلى ليمان وبناء خطط جديدة قبل فوات الأوان، ووصول الأوكرانيين إلى حدود لوغانسك، ومحاصرة القوات الروسية. وأضاف سلافيوف غاضباً: "هل غط القادة الميدانيون في النوم؟ ثم يهزون أكتافهم ويقولون لقد أصبحنا محاصرين وكان علينا التراجع؟ توقفوا عن خسارة أراض جديدة".

وحسب التوزيع السكاني في عام 2001 شكّل الأوكرانيون نحو 84 في المائة من السكان في ليمان، والروس 13 في المائة والباقي من قوميات مختلفة. وفي حرب 2014 سقطت المدينة بيد القوات الانفصالية المدعومة من روسيا، ولكن قوات محاربة الإرهاب الأوكرانية والجيش شنّت هجوماً مضاداً، واستطاعت تحرير المدينة في 5 يونيو 2014.

وفي الحرب الحالية، ومع تركيز الجانب الروسي على دونباس، بعد الانسحاب من محيط العاصمة كييف، عاود الجيش الروسي والانفصاليون احتلال المدينة في 28 مايو/أيار الماضي.

 

 

 

 

أهمية استراتيجية لمدينة ليمان

وتُعدّ ليمان مهمة من الناحية الاستراتيجية، ويمكن عبرها الوصول إلى جسور السكك الحديدية والطرق المهمة فوق نهر سيفيرسكي دونيتسك. وشكل استيلاء الروس على المدينة نقطة انعطاف في تقدم الجيش الروسي البطيء في دونباس، إذ أحكموا السيطرة على طريق رئيسي بين الشرق والغرب، وباتوا حينها على بعد 20 كيلومتراً من مدينة سلوفيانسك، إلى الجنوب الغربي، المركز الرئيسي للنقل والإمداد في أوكرانيا. وشكلت نقطة انطلاق أساسية نحو مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك اللتين سقطتا لاحقاً في يونيو الماضي.

وتسعى أوكرانيا إلى تكرار "اختراق خاركيف" بأسرع وقت ممكن، وإحكام السيطرة على ليمان قبل وصول إمدادات روسية إلى هذه المنطقة. وتأمل كييف بأن تؤدي المعارك إلى انهيار جديد للجبهة الروسية وإحباط أكبر للقوات الروسية، فضلاً عن إحداث نقطة انعطاف جديدة في الحرب عبر منح قواتها فرصة للتقدم في عمق منطقة دونيتسك واستعادة السيطرة على الطريق السريع بين سيفيرسك وسلوفيانسك.

كما أن الاستيلاء على نهر ليمان يفتح مجالاً للتقدم عبر مناطق مفتوحة في اتجاه سفاتوفو مع التهديد بقطع الخطوط الدفاعية التي أقامتها الوحدات الروسية على عجل على طول نهر أوسكيل. ويمكن للقوات الأوكرانية الانعطاف شرقاً واستهداف بلدة كريمينا وحتى الوصول في اتجاه الشمال الغربي إلى سيفيرودونيتسك وليستشانسك.

ويبدو أن الوضع في لوغانسك معقّد بالنسبة للجيش الروسي لأنه يعاني في بعض المناطق من نقص حاد في الإمدادات، ولم يتمكن من بناء خطوط دفاعية جديدة بعد الانسحاب السريع من كوبيانسك وإيزيوم.

وفي مقاطعة خاركيف، يظهر أن القيادة الروسية ليست في عجلة من أمرها باتخاذ قرار الانسحاب من ليمان، وربما بات الوقت متأخراً، ومعه مصير كثير من الجنود الروس، المهددين بالأسر أو القتل.

تتجاهل وزارة الدفاع الروسية في تقاريرها اليومية الوضع الخطير في ليمان

 

وفيما تكتمت وزارة الدفاع الروسية ونشرت معلومات شحيحة في الأيام الماضية عن حقيقة الأوضاع في ليمان ومحيطها، إلا أنه من غير المرجح أن تقرّ الوزارة بخسارة المدينة في حال صدقت توقعات معظم الخبراء العسكريين، من أجل عدم إفساد "العرس الوطني الأكبر"، وإغضاب الرئيس فلاديمير بوتين الذي سيوقع اليوم الجمعة في الكرملين، وسط أجواء احتفالية، على مرسوم يوافق فيه على ضم مناطق خيرسون وزابوريجيا ودونيتسك ولوغانسك الأوكرانية، كأكبر هدية له قبل أيام من احتفاله بذكرى ميلاده السبعين، في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لإرضاء طموحاته الجيوسياسية.

وربما يدفع الجيش الروسي ثمناً باهظاً لاستهانته بالاستعدادات الأوكرانية لاستعادة أراضيها، ولكنه يفضل عدم تلطيخ سمعته والانسحاب كما حصل في إيزيوم وخاركيف، خصوصاً بعد الحديث عن أنه أعاد ترتيب صفوفه وأعاد الانتشار من أجل الدفاع عن دونيتسك ولوغانسك، رداً على الانتقادات الحادة للانسحاب من خاركيف.

ومن غير المستبعد أن يدفع الروس ثمناً أكبر في حال تواصل زخم تقدم الأوكرانيين وارتفاع روحهم المعنوية، لأن التقدم سيصبح أسهل نظراً لأن الجيش الروسي لن يجد أماكن يتحصن فيها، بعدما اتبع سياسة الأرض المحروقة ودمّر معظم المدن والبلدات في طريق تقدمه في الصيف.