القمة الثلاثية في تونس.. أي حضور للأزمة الليبية وأي تأثيرات؟

23 ابريل 2024
الدبيبة وسعيّد وتبون خلال مشاركتهم في القمة الثلاثية في تونس (منصة إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في اجتماع تشاوري بتونس، اتفق قادة تونس، الجزائر، وليبيا على تشكيل فرق عمل مشتركة للتعاون في ملفات الحدود، التنمية، والاستثمارات في قطاعات الغذاء، الماء، والطاقة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
- أكد القادة على أهمية توحيد المواقف وتكثيف التشاور لدعم الأمن والاستقرار، مع التأكيد على الانفتاح ورفض التدخلات الأجنبية، ودعم جهود تنظيم الانتخابات في ليبيا.
- التحليل يشير إلى تحديات تواجه فاعلية القمة بسبب الانقسامات الداخلية في ليبيا والتحديات الأمنية، لكن القمة تسعى لتعزيز التعاون الإقليمي وتشكيل موقف موحد ضد التدخلات الخارجية.

خلص الاجتماع التشاوري الذي عُقد في قصر قرطاج بالعاصمة التونسية، أمس الاثنين، بين الرئيس التونسي قيس سعيّد، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إلى الاتفاق على تكوين فرق عمل في العديد من الملفات المشتركة بين البلدان الثلاث، على رأسها ملف الحدود والتنمية. كما جرى الاتفاق على تشكيل فريق مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية غذائية ومائية، وفي مجال مشروع الربط الكهربائي، وتطوير التعاون، وإقامة شراكات في مجال استكشاف وإنتاج وتخزين المواد البترولية، وفي قطاعات المناجم والطاقات المتجددة، وتذليل الصعوبات التي تعوق التبادل التجاري بين الدول الثلاث.

وفي المجال الأمني والسياسي اتفق القادة الثلاث على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار بالمنطقة، وأكدوا الاستعداد التام للانفتاح على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم الأولويات للمشاركة البناءة في دفع العمل الجماعي المشترك وإثرائه، وتعميق التفاهم والتعاون خدمة للأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة، والنأي بها عن سياسة المحاور ومخاطر التدخلات الخارجية، وكذا حرصهم على إقامة العلاقات مع البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية "في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وفي الشأن الليبي، أكد بيان الاجتماع "الرفض التام للتدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، ودعم الجهود الرامية إلى التوصل إلى تنظيم الانتخابات"، و"التأكيد على الدور المحوري لدول المنطقة المجاورة لليبيا في دعم السلطات الليبية في مسار إعادة الاستقرار والأمن، وفي جهود إعادة الإعمار". وبحسب قراءة أستاذ العلاقات الدولية، رمضان النفاتي، فإن "الطابع العام للبيان يعكس حضور الملفين الأمني والاقتصادي بشكل أكثر، فيما حضر ملف الأزمة السياسية الليبية بهامش أقل لكنه في الواقع أساسي".

تمثيل لا دور له

وأوضح النفاتي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "العنوان الأساسي للقمة هو الاقتصاد في جانب انسياب التبادل التجاري وفي الطاقة، لكن هذه الملفات مرتبطة في الواقع بالجانب الأمني، ولذا كان تأمين الحدود حاضراً بشكل واضح". وأضاف "تأمين الحدود وضمان الاستفادة في ملفي الطاقة والتجارة مرتبط بخيط رفيع يصل بالأوضاع القائمة على الحدود الليبية التونسية وملامح ظهور عسكري أميركي تركي هناك، كما يشير إلى ذلك إغلاق الحدود مع تونس، وسيطرة الحكومة في طرابلس على المنفذ، وإبعاد المليشيات المتورطة في أنشطة التهريب عنه، بالتزامن مع تقارير إعلامية تتحدث عن وجود عسكري تركي أميركي في قاعدة الوطية (قاعدة عسكرية ليبية قريبة من الحدود مع تونس)".

وفيما اعتبر أن تأكيد بيان الاجتماع الثلاثي على رفض التدخلات الخارجية في ليبيا قد يشير إلى الأنشطة العسكرية القريبة من الحدود التونسية، وهي أيضاً قريبة من الجزائر، أشار النفاتي إلى أن "كل ذلك يبدو جيداً ومفيداً للدول الثلاث، لكن على الواقع لا يمكن القول إن للقمة الثلاثية أي فاعلية كبيرة، خاصة أن الطرف الممثل لليبيا وهو المنفي لا دور له فعلياً ومؤثراً في المشهد الليبي الذي تتقاسم أطراف الصراع فيه على القرار".

وتابع: "من جانب آخر، فالتصريحات من تونس تشير إلى أن القمة ستوازيها اجتماعات وزارية بين الدول الثلاث، والسؤال من سيمثل ليبيا في هذه الاجتماعات، وزراء حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس أم وزراء حكومة مجلس النواب"، معتبراً أنه في ظل الانقسام الحكومي الليبي "سينعكس الاستقطاب الحاصل على القمة الثلاثية، لأن وزراء حكومة الدبيبة هم من سيشاركون في الاجتماعات الوزارية، وهو جانب غاية في الأهمية، كونه سيرسل رسالة سلبية سياسية للداخل الليبي، خاصة في جانب شرق البلاد وقادته".

سياسات جزائرية تونسية

ويستدرك النفاتي بالقول "باعتقادي أن القمة الثلاثية تخدم سياسات جزائرية تونسية تحاول الاستفادة من وجود المنفي لإعطاء ثقل ما للقمة دون الوعي بخطورة الانقسامات الليبية الداخلية، رغم أهمية المجال الليبي بالنسبة للدولتين، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فمثلاً الملف الليبي يحمل الكثير من التداعيات على الوضع التونسي والجزائري، وعلى الأقل ملف الهجرة غير النظامية الذي أصبح ملفاً مقلقاً بشكل كبير لهما، وكذلك المخاوف الطارئة حالياً حيال التوتر المسلح في غرب البلاد، وإمكانية عودة الاقتتال في طرابلس، ضمن مؤشرات على وجود تحالفات مناطقية ضد حكومة عبد الحميد الدبيبة".

ولم يستبعد النفاتي أن يكون للقمة الثلاثية مساع أخرى تهدف إلى "تشكيل تكتل مغاربي بديل عن الاتحاد المغاربي الذي يوجد فيه المغرب عضواً أساسياً في ظل المناكفات الجزائرية المغربية". لكن الكاتب والصحافي عبد الله الكبير لا يرى أن هدف القمة الثلاثية إقصاء المغرب، مشيراً إلى أن موريتانيا غائبة أيضاً عن القمة، وهي عضو بالاتحاد المغاربي. وكانت موريتانيا قد نأت بنفسها عن المشاركة في القمة التي جاءت بمبادرة من الجزائر، من أجل الحفاظ على مسافة متوازنة في الاستقطاب الإقليمي القائم بين الجزائر والمغرب.

وقال الكبير في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كانت له "تصريحات سبقت القمة، أشار فيها بصراحة إلى أنها ليست موجهة ضد أي طرف مغاربي، بل ورحب ضمناً بانضمام المغرب، كما أن المنفي لا يملك القرار الليبي لينضم إلى تكتل فيه خصام أو رسالة سياسية لأي طرف مغاربي، والمغرب له حضور دبلوماسي قوي في ليبيا ومنذ فترة طويلة للوساطة بين أطرافها".

ويرى الكبير أن الدول الثلاث، تونس والجزائر وليبيا، تجمع بينها حدود برية، ولها هموم مشتركة وتحديات تقتضي انعقاد هذه القمة، ومنها التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء والحرب في السودان والانقسام الليبي، وقال "كل هذا يستدعي أن تتحرك هذه الدول وتنسق في هذا المشترك، ولو بالحد الأدنى، تلك الهموم المشتركة هي السبب في هذه القمة". على المستوى السياسي يرى الكبير أن للقمة أهمية في تنسيق المواقف بين الدول الثلاث لبناء سياسة خارجية مشتركة يكون لها أثر إيجابي في الداخل بهذه الدول، معتبراً أن بناء هذه المواقف المشتركة سيكون له تأثير في إبراز موقف موحد يرفض التدخلات الخارجية في ليبيا ويدعم مساراً سياسياً يصل بالبلاد إلى الانتخابات.

المساهمون