يواجه القضاء العراقي، وتحديداً المحكمة الاتحادية العليا، اتهامات بالانحياز لجهات سياسية على حساب أخرى، وفقاً لبيانات وتصريحات صدرت في الأيام الأخيرة عن كتل وقوى سياسية عديدة، أبرزها التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وتعد الاتهامات الموجهة للقضاء الأولى من نوعها منذ بداية الأزمة السياسية التي تدخل شهرها السابع على التوالي، بدون أي بوادر لحل العقدة الأبرز فيها، وهي الاتفاق على شكل الحكومة المقبلة والجهة التي ستشكلها داخل البرلمان.
والأسبوع الماضي، وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتقادات حادة للقضاء العراقي، على خلفية عدد من قرارات المحكمة الاتحادية العليا، آخرها إلغاء المحكمة لمشروع قانون "الأمن الغذائي" الذي تدعمه كتلة الصدر البرلمانية.
أشار قيادي بالتيار الصدري لممارسة قيادات بالإطار التنسيقي ضغوطاً على المؤسسة القضائية
وتساءل الصدر، في كلمة له وقتها: "هل وصلت الوقاحة إلى درجة تعطيل القوانين التي تنفع الشعب؟"، في إشارة إلى قرار القضاء إلغاء مشروع قانون "الأمن الغذائي". واتهم قوى تحالف "الإطار التنسيقي" بأنهم "يستهدفون الشعب ويريدون تركيعه، والأعجب من ذلك مسايرة القضاء لأفعال الثلث المعطل المشينة من حيث يعلم أو لا يعلم".
واعتبرت النائبة عن التيار الصدري مها الدوري، في تصريح أمس الأول الأحد، أن "البرلمان هو من انتخب أعضاء المحكمة الاتحادية، ولهذا لا يمكن القبول والسماح بتحكم القضاة بمصير البرلمان والنواب".
تشكيك باستقلالية القضاء العراقي
بالتزامن شن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري هجوماً على المحكمة الاتحادية العليا. واعتبر أنها "مشكوك في دستوريتها"، وأنها تحاول أن تنصب نفسها "حاكماً على العملية السياسية، وتتصرف كأنها وصية، ولديها صك الغفران". ووصف قرارات المحكمة الأخيرة بأنها "ضد التحالف الثلاثي، وتؤشر إلى اتجاه آخر"، قاصداً بذلك تحالف "الإطار التنسيقي".
ورد القضاء العراقي على الاتهامات الموجهة إليه بأن "الدستور يؤكد على استقلال القضاء وحياديته، وهو ليس طرفاً في الخلافات السياسية، وقراراته نتاج حيثيات كل قضية". ودعا "القوى السياسية الى عدم إدخال القضاء في خلافاتهم أو المساس بمكانة القضاء".
وأصدرت جمعية القضاء العراقي، التابعة لمجلس القضاء الأعلى، بياناً قالت فيه إن القضاء "بعيد عن الأهواء والمصالح الشخصية أو السياسية". ووصفت التصريحات الأخيرة ضد المحكمة الاتحادية بأنها "تجاوز على استقلال القضاء، وعلى حقيقة كونه يمثل إحدى السلطات الثلاث التي نص عليها الدستور".
التيار الصدري يشير لضغوط على المحكمة الاتحادية
لكن عضواً في التيار الصدري دافع عن تصريحات زعيمه، معتبراً أنها "مبنية على معلومات بوجود ضغوط على أعضاء المحكمة الاتحادية فيما يتعلق بالأزمة السياسية الحالية تمارسها أطراف في تحالف الإطار التنسيقي".
وقال قيادي بارز في التيار الصدري في اتصال هاتفي من مدينة النجف، إن حديث الصدر "حول بعض قرارات القضاء الأخيرة جاء بناء على معلومات لا شكوك".
رفيق الصالحي: الاتهامات الموجهة للمحكمة الاتحادية غير واقعية
وأضاف القيادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "قيادات في الإطار التنسيقي تمارس ضغوطاً على المؤسسة القضائية، لإصدار قرارات لصالح التحالف، وبدا ذلك واضحاً في قرارات المحكمة بالفترة الأخيرة".
واعتبر أن تفسير المحكمة الأخير بشأن وجود 220 عضواً في البرلمان في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، سبب الأزمة الحالية، وهو تفسير لم يكن موجوداً في الدورات الانتخابية الماضية.
وكشف أن "تعديل قانون المحكمة الاتحادية سيكون من ضمن اهتمامات الكتلة الصدرية وحلفائها في البرلمان بالفصول التشريعية المقبلة، بشكل يجعل من آلية اختيار أعضاء المحكمة بعيدة عن أي تدخل للقوى السياسية".
"الإطار التنسيقي" يدافع عن المحكمة الاتحادية
في المقابل، اعتبر عضو تحالف "الإطار التنسيقي" رفيق الصالحي، أن الاتهامات الموجهة للمحكمة الاتحادية "غير واقعية". وأضاف الصالحي، لـ"العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي رفع الكثير من القضايا للقضاء وتم رفضها، خصوصاً فيما يتعلق بتزوير الانتخابات البرلمانية، ورغم ذلك رحبنا بالقرارات ولم نشكك بالقضاء، كما يحاول الطرف الآخر الآن إثارة التشكيك بالقضاة العراقيين".
وبيّن الصالحي أن "ما يصدر عن المحكمة الاتحادية لا يقبل الطعن، ويكون ملزم التطبيق للسلطات والأطراف السياسية، بلا أي نقاش أو اعتراض"، واصفاً الانتقادات الموجهة للمحكمة والقضاء بأنها "خطيرة".
وقال السياسي والمستشار الحكومي السابق ليث شبر، لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب التفريق بين المحكمة الاتحادية العليا وباقي مؤسسات السلطة القضائية الاتحادية، فهذه المحكمة هيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً عن باقي أجزاء السلطة القضائية".
واعتبر أن "تخصص المحكمة الاتحادية في الفصل بالمنازعات بين الحكومة الاتحادية وسلطة الإقليم والمحافظات، والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة وغيرها من الاختصاصات الاتحادية جعل عملها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي، ما يجعل قراراتها تحمل جنبة (انحيازاً) سياسية".
وأعرب شبر عن اعتقاده بأن "القضاة لا يميلون لأي طرف من أطراف الصراع السياسي، وقراراتهم نتاج قناعات قانونية، والدليل على ذلك أن قراراتها لم تكن دوماً لصالح طرف دون آخر".
إلا أن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم اعتبر أن المحكمة الاتحادية كانت "سبباً رئيسياً ومهماً في حالة الانسداد السياسي الحالية"، مشيراً إلى أن "بعض قراراتها تميل لأطراف سياسية ضد أخرى".
وبين عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، أن "المحكمة الاتحادية أصدرت قرارات ساهمت بشكل كبير في تعطيل عملية تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بنصاب جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، رغم أنها لم تُصدر أي قرار بهذا الشأن طيلة السنوات الماضية".
تهديدات وضغوط على الجهات القضائية
وأضاف: "بلا أي شك هناك تهديدات وضغوط تمارس على الجهات القضائية من قبل أطراف سياسية، أو حتى قوى خارجية، بهدف وقوف القضاء مع جهات سياسية محددة ضد جهات أخرى. ولهذا فالقضاء مطالب بأن تكون قراراته وفق المصلحة العليا للبلاد لا وفق مصلحة أطراف سياسية معينة".
مهدي عبد الكريم: المحكمة الاتحادية أصدرت قرارات ساهمت بتعطيل عملية تشكيل الحكومة الجديدة
واعتبر رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "القوى السياسية هي من سحبت القضاء إلى ساحة الجدل والصراع السياسي، رغم محاولة القضاء الابتعاد عن هكذا قضايا".
وبين أن "القرارات القضائية التي صدرت خلال الفترة الماضية، وبسبب تقاطعها مع توجهات بعض الكتل والأحزاب، دفعت هذه الأطراف إلى مهاجمة القضاء واتهامه".
وأضاف الشمري أن "السلطة القضائية في العراق خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بما يتعلق بقرارات المحكمة الاتحادية العليا، تريد تأسيس منهج وأداء مختلفين كثيراً عن بنية المحكمة الاتحادية السابقة، وهذا ما جعلها تصطدم مع قوى سياسية كبرى". وقال إن "المؤسسة القضائية العراقية لم تنجر للخلافات السياسية الحالية مع طرف سياسي ضد طرف سياسي آخر".