استمع إلى الملخص
- شهدت العلاقة بين نتنياهو وغالانت خلافات حول التفاوض مع حماس وقانون تجنيد الشباب الحريدي، حيث عارض غالانت الالتفاف على قرارات المحكمة العليا، مما أثار غضب الأحزاب الحريدية.
- استغل نتنياهو فوز ترامب لتعزيز سياساته في الحرب على غزة ولبنان، مع التركيز على إيران، معتقداً أن إدارة ترامب ستدعم سياسات إسرائيل.
أقدم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، على إقالة وزير الأمن يوآف غالانت. إقالة غالانت كانت متوقعة، لأسباب ودوافع سياسية وشخصية لدى نتنياهو، وكذلك للحفاظ على التحالف الحكومي، بعد فترة من التوتر والخلاف العلني بين الشخصين. بالإضافة إلى إغلاق حساباتٍ مع غالانت، تشي خطوة نتنياهو بأنه بدأ الاستعداد والتحضير لولاية دونالد ترامب الثانية، وترتيب التحالف الحكومي لليوم التالي للحرب على غزة ولبنان، وربما توسيع الضربات العسكرية الإسرائيلية لتشمل إيران.
منذ بداية الحرب على غزة، كانت هناك خلافات بين نتنياهو وغالانت، أبرزها حول إدارة الحرب وأهدافها السياسية. منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعم غالانت موقف المؤسسة الأمنية بضرورة وضع ترتيبات لاستبدال حركة حماس في غزة في إدارة القطاع باليوم التالي للحرب، بحيث لا يكون الجيش الإسرائيلي مسؤولاً مباشرة عن إدارة الحياة اليومية في غزة، أي رفض عودة الحكم العسكري المباشر. كما عرض غالانت تصوراً لليوم التالي يمكن أن تكون السلطة الفلسطينية، المعدلة أو المطورة، مشاركة فيه. نتنياهو رفض نقاش موضوع اليوم التالي للحرب والترتيبات السياسية، ورفض تصور غالانت، خشية على تماسك التحالف الحكومي بعد تهديد الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير بالانسحاب منه في حال حصول ذلك.
إقالة غالانت وضّحت مرة أخرى ضعف وتعاسة المعارضة الإسرائيلية
نتنياهو يستغل قانون التجنيد
غالانت ونتنياهو اختلفا أيضاً حول إدارة ملف التفاوض مع حماس لإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في غزة. غالانت دعم موقف المؤسسة الأمنية والجيش بضرورة التوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين، ورأى في ذلك هدفاً مركزياً من أهداف الحرب، بينما عارض نتنياهو التوصل إلى اتفاق وسعى دائماً إلى استمرار حرب الإبادة على غزة.
اختلف نتنياهو وغالانت حول قضية إعفاء الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، وسنّ قانون تجنيد لترتيب حجم الإعفاء لهؤلاء وشروطه، وفقاً لطلب المحكمة العليا. غالانت صرّح بأنه لن يقدم اقتراح قانون تجنيد جديد إلا إذا توافق عليه كافة مركبات التحالف الحكومي، من ضمنهم حزب "المعسكر الرسمي" برئاسة بني غانتس، الذي كان حينها شريكاً في التحالف الحكومي. بذلك أغضب الأحزاب الحريدية الشريكة الطبيعية لنتنياهو منذ عام 2009.
في الأيام الأخيرة، حاول التحالف الحكومي الالتفاف على قرارات المحكمة العليا، التي منعت تمويل المعاهد الدينية من ميزانيات الحكومة دون سنّ قانون التجنيد، عبر سنّ قانون يمول حضانات الأطفال في المجتمع الحريدي بشكل مباشر، وبذلك نقل الميزانيات تحت مسميات جديدة وفكّ الارتباط بينها وبين الخدمة العسكرية. غالانت عارض هذا الالتفاف، ما دفع أعضاء آخرين في التحالف الحكومي إلى معارضة اقتراح القانون، وبذلك إفشال هذه المحاولة. بالتوازي، أعلن غالانت أنه سيصدر أوامر تجنيد لسبعة آلاف شاب حريدي، الأمر الذي دفع الأحزاب الحريدية إلى تهديد نتنياهو بتفكيك التحالف الحكومي في حال فشل في إيجاد الحلول لقضية تمويل المعاهد الدينية وحضانات الأطفال، وفي منع تجنيد الشباب الحريدي وطلاب المعاهد الدينية.
هدف نتنياهو التالي في الحروب التي يشنها حالياً، هو إيران ومشروعها النووي
نتنياهو استغل الحالة الناشئة بعد توسيع التحالف الحكومي وانضمام حزب "اليمين الرسمي" برئاسة جدعون ساعر قبل عدة أسابيع، واستغل انشغال الإعلام الإسرائيلي في انتخابات الرئاسة الأميركية، وأقدم على إقالة غالانت (يوم الانتخابات الأميركية) وتعيين بديل منه هو يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الحالي. وقد يمضي نتنياهو قدماً ويقيل رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس المخابرات - الشاباك رونين بار، خلال الأسابيع المقبلة، وفقاً لبعض التقديرات في الإعلام الإسرائيلي التي نفى نتنياهو صحتها. بذلك عيّن نتنياهو شخصاً مطيعاً له في وزارة الأمن، يمكن أن يسهّل تمرير قانون تجنيد مقبول على الأحزاب الحريدية، ولا يعارض سياسات نتنياهو في ملف المفاوضات واليوم التالي للحرب على غزة ولبنان، ولا يعارض تبديل قيادات المؤسسات الأمنية بقيادات ودّية لنتنياهو ومشروعه.
نتنياهو يوضح مرة أخرى أن مصالحه السياسية وضمان بقائه في مكتب رئيس الوزراء هي مهمة أساسية، وبغية ذلك يمكن استعمال كافة الأدوات. من ضمنها، إقالة وزير الأمن في ذروة الحرب على غزة ولبنان واتساعها المحتمل مقابل إيران، وتعيين وزير أمن جديد يفتقر إلى أي تجربة عسكرية وأمنية جدّية.
ضعف المعارضة الإسرائيلية
إقالة غالانت وضّحت مرة أخرى ضعف المعارضة الإسرائيلية التي انتقدت الإقالة في ظل الحرب، واعتبرت أن تعيين وزير أمن جديد من دون تجربة عسكرية مغامرة كبيرة بأمن إسرائيل، لكن دون أن تقدم على خطوات عملية جدية. المعارضة لم تدع الجمهور الإسرائيلي إلى الخروج للشوارع والاحتجاج، ولم تشارك قيادتها في الاحتجاجات المتواضعة التي حصلت ليلة الثلاثاء في عدد من المدن الإسرائيلية. جلّ ما قامت به هو مؤتمر صحافي مشترك لكافة قيادات أحزاب المعارضة صباح الأربعاء، للاحتجاج وانتقاد تصرف نتنياهو.
قد يكون ترامب أقل معارضة لعودة الاحتلال المباشر إلى غزة وغير متحمس لعودة سلطة فلسطينية إلى هناك
في واقع الأمر، يشعر نتنياهو بأن هناك تحولا إيجابيا في مكانته السياسية في الشارع الإسرائيلي، خصوصاً بعد ما يعتبره المجتمع الإسرائيلي إنجازات عسكرية ميدانية في جبهة لبنان وغزة، واغتيال القيادات السياسية والعسكرية لحزب الله وحركة حماس. يرى نتنياهو أن لا منافسة جديدة له، وعاد ليتصرف بثقة ويتخذ قرارات فيها مغامرات، ولو جاء توقيتها نتيجة تهديد من قبل أحزاب التحالف الحكومي.
لدى الحديث عن إقالة وزير الأمن بهدف ترتيب قضية تجنيد الشباب الحريدي وقت الحرب وحاجة الجيش إلى قوة بشرية، فإن حجم المغامرة يتضاعف، لأن نسبة كبيرة من قواعد حزب الليكود واليمين، واليمين المتطرف مثل حزب الصهيونية الدينية، تدعم مطلب تجنيد الشباب الحريدي.
فوز دونالد ترامب جرعة دعم
قرار نتنياهو إقالة غالانت جاء يوم الانتخابات الأميركية، وقبل الإعلان عن فوز دونالد ترامب فيها بساعات. نتنياهو يعول كثيراً على فوز ترامب ويعتقد أن ذلك سيشكل عامل دعم جدّي لسياساته في الحرب على غزة ولبنان، ويزيل الضغوط السياسية التي مارسها، دون تأثير ونتائج جدية، الرئيس جو بايدن منذ بداية الحرب على غزة.
بايدن الذي وقف إلى جانب إسرائيل منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، وأرسل حاملات الطائرات إلى شواطئ البحر المتوسط لردع إيران وحزب الله عن القيام بأي هجوم على إسرائيل، وزوّد الجيش الإسرائيلي بكل ما يلزمه في حرب الإبادة على غزة وبعدها في الحرب على لبنان، وأرسل منظومات الدفاع الجوي لحماية الأجواء الإسرائيلية من أي هجوم إيراني محتمل، ووفر مظلة حماية ديبلوماسية لإسرائيل، ويعتبره العديد من الصحافيين والمحللين والسياسيين الإسرائيليين أفضل وأصدق صديق لإسرائيل، يُعامل من قبل نتنياهو معاملة ألد الأعداء، ويفرح نتنياهو وغالبية المجتمع في إسرائيل بفوز دونالد ترامب وهزيمة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس في الانتخابات.
احتفال "القبيلة الإسرائيلية" بفوز ترامب لا يقتصر فقط على إسقاطات ذلك على الحرب على غزة ولبنان، إذ لا يوجد أي ضمان لدعم ترامب استمرار هذه الحروب، بل ربما يعمل على إنهائها، كما لمح في خطاب الانتصار، بحيث قال إنه معني بإنهاء الحروب وليس البدء بحروب.
لا يحتاج نتنياهو وإسرائيل إلى دونالد ترامب بالضرورة لإدارة واستمرار الحروب الحالية، فالمؤسسة العسكرية الأميركية توفر كل ما يلزم للجيش الإسرائيلي، وإدارة بايدن أقرت رزمة مساعدات مالية بقيمة 18 مليار دولار لإسرائيل. نتنياهو يرى أنه سيحتاج ترامب لترتيب اليوم التالي للحرب في غزة، وفرض الترتيبات الأمنية والسياسية التي تحتاجها إسرائيل. فعلى عكس إدارة بايدن التي رفضت عودة الاحتلال الإسرائيلي إلى غزة، ويمكن أن تقبل بتواجد ودور لسلطة فلسطينية معدلة في القطاع، قد يكون ترامب أقل معارضة لعودة الاحتلال المباشر إلى غزة وغير متحمس لعودة سلطة فلسطينية إلى هناك. كذلك يحتاج نتنياهو دعم ترامب في محاولة إسرائيل فرض ترتيبات سياسية في لبنان بعد الحرب، قد لا تكون مقبولة على إدارة بايدن الحالية. في هذه الجوانب، قد تكون إدارة ترامب أكثر مرونة بالنسبة إلى مطالب إسرائيل من إدارة بايدن.
إلا أن الموضوع الأهم بالنسبة لنتنياهو هو الاعتقاد بوجود لغة مشتركة وتوافق مع إدارة ترامب حول ضرورة القضاء على المشروع النووي الإيراني، والتصدي لسياسات إيران في المنطقة. وعلى ما يبدو، فإن هدف نتنياهو التالي في الحروب التي تشنها إسرائيل حالياً، هو إيران ومشروعها النووي.
دونالد ترامب أعلن في مناسبات عدة خلال العام الأخير دعمه للقضاء على المشروع النووي الإيراني، وقال إنه ممنوع أن تحصل إيران على سلاح نووي. تصرفات ترامب في ولايته الأولى تعزز هذه القناعة لدى نتنياهو، بحيث ألغي الاتفاق النووي مع إيران، بناءً على طلب نتنياهو، واعترف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بضمّ الجولان المحتل إلى إسرائيل. كما عمل ترامب على التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وحاول توسيعه ليشمل السعودية. وطرح "صفقة القرن" التي تشمل ضمّ المناطق الفلسطينية المحتلة المعرفة مناطق "ج" لإسرائيل.
تعيين وزير أمن جديد خاضع كلياً لرغبات وإرادة نتنياهو، وتعيين جدعون ساعر المتطرف وزيراً للخارجية، وترتيب التحالف الحكومي وضمان استقراره، وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كل هذا يشي بأننا بصدد تصعيد إسرائيلي آخر يندرج تحت محاولات إسرائيل ترتيب منطقة الشرق الأوسط من جديد، كما صرّح نتنياهو مرات عدة أخيراً. ناهيك أن كل هذا يخدم أهداف نتنياهو باستمرار حكمه، وتهربه من المساءلة القضائية والمحاكم، المتعطلة حالياً بسبب الحرب.