استمع إلى الملخص
- وفد قبلي باكستاني زار كابول للتباحث حول العلاقات وقضية طالبان الباكستانية، لكن المحادثات لم تسفر عن نتائج إيجابية كبيرة، وتبع ذلك تصعيد عسكري.
- القبائل الباكستانية تسعى لاستعادة الاستقرار عبر الحوار، مطالبة بوقف العمليات العسكرية وتعويضات، لكن الخلافات تتجاوز قدرتها على التأثير، مما يشير إلى أن الحلول الدبلوماسية قد تكون غير كافية.
ارتفعت في الأيام الأخيرة وتيرة الهجمات على القوات المسلحة الباكستانية في شمال غربي باكستان، تحديداً قرب الحدود المحاذية لأفغانستان، مؤججة التوتر في العلاقات بين البلدين. وأثار التصعيد قلق القبائل الباكستانية المنتشرة على جانبي الحدود بين البلدين، وهي بطول نحو 2600 كيلومتر، كون القبائل دائماً ما دفعت أثمان الأزمات بين كابول وإسلام أباد المرتبطتين بعلاقات دينية واجتماعية وتاريخية. واتُهمت القبائل البشتونية، والتي تعد أحد عوامل الارتباط والتداخل بين الدولتين، بإيواء المسلحين، لا سيما أنها كانت الحاضنة الأساسية لحركة طالبان أفغانستان، كما برز في مناطقها حركة طالبان الباكستانية. كذلك شكّل أبناء هذه القبائل الجزء الكبير من عناصر طالبان باكستان التي وسعت القوات الباكستانية العمليات ضدها في الأيام الأخيرة، مثيرة المخاوف من احتمال تحوّل المقاطعات القبلية إلى ميدان حرب من جديد. ودفعت هذه الأجواء القبائل إلى بذل الجهود لإعادة الاستقرار بين الدولتين عبر الحوار.
مساعي القبائل الباكستانية
وحاولت القبائل الباكستانية على مر الأشهر الماضية احتواء التوترات، وذهب وفد من الاجتماع القبلي المسمى محلياً "جركه" من الجانب الباكستاني إلى كابول وتباحث مع المسؤولين هناك بشأن علاقات البلدين والملفات العالقة بينهما، تحديداً قضية طالبان الباكستانية واتهام إسلام أباد لكابول بدعمها. لكن لم تفض الجهود إلى نتائج إيجابية، عدا إقناع الطرفين بوقف إطلاق النار على الحدود في جنوب أفغانستان، المحاذي لشمال غربي باكستان، بعد أن استمرت المواجهات الحدودية بين قوات الدولتين بين 12 مايو/أيار الحالي و17 منه، ما أسفر عن مقتل ستة من رجال القبائل الباكستانية على الأقل وإصابة آخرين، كما نزح بسببها مئات الأسر. وتفجر الوضع بعد غارة جوية نفذتها طائرة باكستانية في ولاية بكتيا في جنوب أفغانستان، مساء 12 مايو الحالي، ما دفع عناصر حركة طالبان إلى الهجوم على ثكنات للجيش الباكستاني وتدمير عدد منها، ونزع السياج الحدودي بين الدولتين في العديد من النقاط.
ومع استمرار المواجهات حتى 17 مايو الحالي، طلبت كابول من وفد عسكري باكستاني كان من المفترض أن يزور قندهار للقاء بزعيم الحركة الملا هيبت الله في 12 مايو الحالي، أن لا يأتي. ومع أن نتائج الجهود القبلية كانت محدودة ومحصورة في بعض القضايا، غير أن الخلافات بين البلدين أكبر من قدرة القبائل الباكستانية على التأثير، لذا فإن الرهان على دورها في تصفية الخلافات بين الدولتين عبر الحوار أمر بعيد المنال، لا سيما بعد فشل الجهود التي بذلتها المؤسسة الدينية الباكستانية لتقريب وجهات النظر بين طالبان الأفغانية والحكومة الباكستانية، علماً أن المؤسسة الدينية أكثر قوة وعمقاً مقارنة بقوة القبائل ونفوذها.
طاهر خان: سيُعقد اجتماع قبلي غداً في إسلام أباد
في هذا الإطار، قال الصحافي الباكستاني الخبير في الشؤون القبلية، طاهر خان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك أن القبائل الباكستانية ضحية التصعيد على الحدود بين الدولتين، وارتفاع التوتر في العلاقات بين كابول وإسلام أباد، لذلك فإنها تبذل قصارى جهدها من أجل حث الطرفين على الجلوس إلى طاولة حوار وحل القضية، بدلاً من تبادل الاتهامات وتصعيد الأوضاع". وأوضح أنه "سيتم عقد اجتماع كبير لقبائل وزيرستان (منطقة حدودية بين باكستان وأفغانستان)، خصوصاً قبيلتي الوزير والمحسود، غداً السبت في إسلام أباد"، مشيراً إلى أن "معظم رموز تلك القبائل موجودة في إسلام أباد هذه الفترة، بهدف عقد لقاءات مع المسؤولين هناك". وأكد أن "هدف الاجتماع هو إقناع إسلام أباد بتلبية مطالب القبائل، ومنها قبول الوساطة مع أفغانستان". وأضاف خان أن "القبائل الباكستانية دفعت أثماناً باهظة في السنوات الأخيرة، لما حصل من تطورات أمنية في منطقتها، لا سيما بعد ظهور حركة طالبان الباكستانية في عام 2007. ويومها كانت قيادة الحركة بيد عناصر من القبائل". وأوضح أن "العمليات المسلحة الجارية حالياً أدت إلى مغادرة بعض أبناء القبائل الباكستانية منازلهم، وبعضهم لا يُسمح لهم بالدخول إلى مواقع المعارك بين القوات الباكستانية ومسلحي طالبان الباكستانية. كذلك سقط أبناء القبائل الباكستانية بين قتيل وجريح جراء المواجهات".
وأفاد بأن "القبائل اتهمت الحكومة الباكستانية بأنها لم تف بوعودها السابقة من مساعدة النازحين وغيرها، بالتالي فإن لديها مطالب عديدة ستبرزها خلال الاجتماع القبلي المرتقب، وأهمها: وقف العمليات العسكرية، ودفع تعويضات القبائل جراء خسائرها التي طاولت المنازل والأسواق إثر عمليات الجيش الباكستاني، كذلك يريدون فتح المنافذ الحدودية مع أفغانستان، لأن التجارة للقبائل مصدر دخل أساسي ولكن الإجراءات الباكستانية حالت دون تلك التجارة بشكل سلس". وخلص خان إلى القول إن "القبائل منذ انضمام باكستان إلى الحرب ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة في عام 2002 صارت ضحية هذه الحرب". وبرأيه فإن "التوتر في العلاقات بين باكستان وأفغانستان شكّل أزمة كبيرة للقبائل البشتونية سواء كانت في الطرف الأفغاني أو الطرف الباكستاني، ولكن القبائل الباكستانية ستكون الضحية الأولى، والحالة ستستمر إلى حين انتهاء التوتر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان".
من جانبه، رأى الإعلامي الباكستاني، إنعام الله ختك، وهو من القبائل البشتونية، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كل من يعرف هذه القبائل، والمنطقة التي تقطن فيها، يعي جيداً أن انفصال هذه القبائل عن أفغانستان أمر غير طبيعي". وأشار إلى بعض مظاهر التشابك بالقول: "هناك مساجد نصفها في باكستان والنصف الثاني في أفغانستان، وكذلك هناك قرى نصفها في أفغانستان ونصفها الآخر في باكستان"، لافتاً إلى أنهم "أقارب ومتصاهرون، كان أبناء هذه القبائل يتناولون الغداء والعشاء في مكان واحد على الحدود، الآن عندما تأتي باكستان وتقول لهم لا بد من العبور بتأشيرة وجواز سفر، حينها يصبح الأمر غير مقبول وغير طبيعي، ولكنه من تبعات الصراع بين الدولتين". وبرأيه فإنه "لا بد للمجتمع الدولي من أن يتدخل، كما يتعين على باكستان تغيير سياستها، إذ إن القبائل تدفع الثمن في كل النواحي".
سراج الدين: تعتقد القبائل أن العملية ضدها لأنها ضحية
دور القبائل الباكستانية
من جهته، اعتبر الزعيم القبلي عالم خان، وهو من قبيلة الوزير في شمال غربي باكستان، لـ"العربي الجديد"، إن "القيام بجهود الوساطة ليس إلا مضيعة للوقت". وأوضح أنه "بدأنا اعتصاماً مفتوحاً منذ خمسة أشهر في إقليم بلوشستان من أجل مطالب محقة، والحكومة الباكستانية ومن ورائها المؤسسة العسكرية ليست مستعدة للحديث معنا، وهذا يشير إلى أنها لا تهتم بشؤوننا أصلاً، إذ إن القبائل على مر العقود أصبحت مصدر دخل لباكستان هي تنفذ مشاريعها في القبائل الباكستانية وتحصل من جراء ذلك على الأموال من القوى العظمى". وشدّد على أنه "ليس لدينا أي مشكلة مع حكومة أفغانستان، طالبان الأفغانية تسمع كلامنا وتتنازل من أجلنا في بعض الأحيان، نحن ندخل أفغانستان ولا أحد يسألنا ماذا نفعل، ولكن في باكستان لا بد من أخذ التصريح كي ندخل البنجاب والسند. إن هذا الأمر غير مقبول، لأنه لا يمكن التفريق بين القبائل الباكستانية على جانبي الحدود، وستفشل كل محاولات الفصل. لقد دفعنا الكثير بعد بقائنا محايدين، الآن آن الأوان لأن نقول كلمتنا، على باكستان أن تقبلنا كما نحن، أو لنقرر مصيرنا".
لكن للمحلل الأمني الباكستاني سراج الدين رأياً آخر، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المشكلة الأساسية هي أنه بسبب إطالة أمد الحرب في منطقة القبائل من جهة، وبسبب كثرة اللاعبين من جهة ثانية اختلطت الأمور. حالياً عندما تقوم القوات المسلحة الباكستانية بأي عملية ضد المسلحين المعارضين لأمن باكستان، تعتقد القبائل أن العملية ضدها لأنها ضحية". وأضاف: "لكن الأمر ليس كذلك، على القبائل أن تدرك أن هؤلاء المسلحين هم أعداء باكستان والقوات الباكستانية تقوم بتصفيتهم لا بتصفية القبائل". ولفت إلى أنه "في حال اتخذت الحكومة الباكستانية أي إجراءات على الحدود، فإن القبائل ترى أن تلك الإجراءات ضدها، والأمر ليس كذلك بل أمر طبيعي بين الدولتين". ورأى سراج الدين أن "حل القضايا العالقة بين أفغانستان وباكستان يحتاج إلى عمل دؤوب وإلى فترة زمنية طوية"، معتبراً أن "القضاء على أعداء أمن باكستان خطوة ضرورية، ولتقم القبائل بدورها كما هو شأن كل الأطراف وإلا فإن القبائل الباكستانية ستدفع الثمن وكذلك الشعبان الأفغاني والباكستاني".