كشفت مصادر مقرّبة من الفصائل العراقية أن هناك حالة من المراجعة الأمنية الواسعة بين صفوف عناصرها وقادة ألويتها، بسبب الاختراقات الأمنية الأخيرة التي أسفرت عن اغتيال الولايات المتحدة عددا من كبار مسؤوليها.
وارتفعت احتمالات وجود متعاونين مع القوات الأميركية، خصوصاً بعد الهجمات التي استهدفت القيادي في "حركة النجباء" أبو تقوى السعيدي، الذي قتل بغارة أميركية في 4 يناير/كانون الثاني الماضي ببغداد، وكذلك مقتل قائدين في كتائب "حزب الله" وهما أركان العلياوي ووسام (أبو باقر) الساعدي في العاصمة العراقية بقصف طائرة مسيّرة تبنته القوات الأميركية أيضاً في 7 فبرير/شباط الحالي، وهو ما دفع زعماء بقية الفصائل إلى الاحتماء في مواقع مخفية وأخذ احتياطات أمنية بالغة.
الفصائل العراقية والاتهامات
ولا تتهم الفصائل العراقية جهات بعينها تساهم بتمرير معلومات وإبلاغ الأميركيين بصورة مباشرة، لكن حملات عدة يشنها مقربون منها، ومنهم محللون ومراقبون للشأن السياسي والأمني، فضلاً عن صفحات وهمية تحظى بمتابعات كثيرة، تلقي الاتهامات على بعض الأحزاب المعارضة لإخراج القوات الأميركية والتحالف الدولي، وكذلك شخصيات محددة.
كما أن هؤلاء لا يترددون في اتهام النشطاء في الحركات المدنية والصحافيين المعارضين لقوى السلاح في البلاد، بالجاسوسية والعمل الاستخباري ضد الفصائل.
وبحسب مصادر أمنية وسياسية في العراق، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن تحقيقاً سرياً يجري على مستوى عالٍ بحثاً عن "متعاونين" مع واشنطن، أسهموا بإيصال معلومات عن تحركات قيادات الفصائل الذين اغتيلوا بطائرات مسيّرة أميركية.
ووفقاً للمصادر فإن دقة الضربات الأميركية أشارت إلى إمكانية وجود اختراقات قريبة من قيادات الفصائل، في حين أن الإعلام المحلي للفصائل ينشر أخباراً وتحليلات تتهم أطرافاً لا علاقة بهذه الحوادث.
مصادر عراقية: الوشاية بقياديي الفصائل تأتي من أفراد قريبين منهم
وأضافت المصادر، أن "القياديين الذي اغتيلوا غير معروفين على المستوى الإعلامي والشعبي، ولم يكن لديهم أي ظهور في أي محطة تلفزيونية أو نشاطات منشورة، وهو ما يؤكد أنهم يعملون ضمن حلقة ضيقة جداً، بل إن قادة سياسيين لا يعرفون عنهم أي شيء، وهذا يزيد التأكيدات أن الوشاية بهم وتوفير المعلومات عن تحركاتهم جاءت من أفراد قريبين منهم، بالتالي فإن الفصائل قد تكون مخترقة بنسبة كبيرة".
وفي مقابلة متلفزة، قال المتحدث السابق باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، عبد الكريم خلف، المقرب من الفصائل العراقية، إن "هكذا نوع من العمليات يحتاج إلى وصول الطائرات المسيّرة لأقرب نقطة ممكنة، وأن يكون انطلاقها من قاعدة قريبة للهدف".
وأوضح أن "الهدف يحدد بواحدة من ثلاث طرق: الأولى عن طريق تقنية السيارة نفسها إذا كانت حديثة، إذ تُخترَق بياناتها ويجري رصدها. أما الطريقة الثانية، فهناك شريط صغير من الجي بي أس (نظام التموضع العالمي) يُلصَق بالسيارة التي يُراد استهدافها".
وأضاف أن "الطريقة الثالثة هي وجود عميل على الأرض يراقب الهدف، ويعطي الإحداثيات"، مشدداً على عدم وجود "طرق أخرى في عمليات كهذه... لا نستبعد فرضية وجود العملاء".
ورفض ثلاثة أعضاء من لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، الحديث عن هذا الموضوع، لكن أحدهم، قال إن "الحكومة شكلت أكثر من لجنة لأجل التحقيق بحوادث اغتيال قادة المقاومة، لكنها تحقيقات غير جدية، لعدم إمكانية العثور على خيوط تدل على المتسببين بكشف معلومات القادة في الفصائل"، مشيراً إلى أن "أطرافاً من هيئة الحشد الشعبي وفصائل المقاومة تبنت التحقيق، وقد تصل إلى نتائج لكنها لن تعلن عنها مطلقاً".
وأضاف العضو في لجنة الأمن والدفاع، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "احتمال اغتيال مزيدٍ من قادة الفصائل وارد، ولأجل ذلك تكثفت التحقيقات السرية من الفصائل للتوصل إلى المتعاونين مع واشنطن". وأوضح أن "الحشد الشعبي لديه محكمة خاصة به، وقاضي تحقيق متخصص في القضايا الأمنية، لكن لن تعلن عن أسمائهم بكل تأكيد لأن في ذلك تأثيرا على سمعة الفصائل".
في السياق، نقلت وكالة أنباء "بغداد اليوم"، عن القيادي في تحالف "الفتح"، عدي عبد الهادي، أول من أمس الاثنين، قوله إن "هناك 3 فرضيات حول أسباب الخروقات التي كانت وراء الاغتيالات الأخيرة".
وعدّد الفرضيات وهي "إما وجود عملاء على الأرض، أو اختراق لشبكات الهاتف النقال كونها تُدار من شركات خارج الحدود العراقية وبياناتها متاحة لجهات ودوائر مخابرات دولية ومنها أميركا، بالإضافة الى برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس الذي يتتبع الهواتف النقالة". ورأى أن الفصائل العراقية المسلحة "أمام حرب تشنها أميركا بذرائع واهية وهي لن تقف عند حد معين".
وائل البارود: معظم مؤسسات الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية، والحشد الشعبي مخترقة
بدوره، رجح الباحث في الشأن السياسي العراقي، مجاهد الطائي، وجود متعاونين من داخل الفصائل ذاتها. وأكد في تدوينة له على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن "الدقة التي تستهدف بها الولايات المتحدة وكلاء إيران في العراق وتصيب الهدف من دون أي خطأ، إذ لا يوجد من نجا من محاولات الاغتيال، تؤشر بشكل واضح إلى أن هناك متعاونين من داخل المحور (محور المقاومة) نفسه".
وشدد على أن "الذي يتضح أن هناك خلافات وانقسامات أدت إلى التعاون مع واشنطن، وهذا سيفتك بالمحور يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد إعلان طهران أنها ليست مسؤولة عن هجماتهم".
اختراق واسع للدولة والحشد الشعبي
من جهته، رأى الناشط السياسي وائل البارود، أن "معظم مؤسسات الدولة وبما فيها الأجهزة الأمنية، وحتى الحشد الشعبي مخترقة، لكن بعض التابعين لهذه المؤسسات التي تفشل في حماية نفسها وأفرادها، تتهم أطرافا عدة بالتجسس لصالح أجهزة أجنبية".
واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر "يهدد الأمن الاجتماعي، خصوصاً أن الذين يتعرضون لهذه التهديدات بعيدون عن التخابر مع واشنطن أو الدول الغربية، بل يطالبون بدولة مدنية تحافظ على الوطن وسيادته وحماية الشعب".
وأضاف البارود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القياديين في الفصائل، الذين اغتيلوا أخيراً هم غير معروفين بالنسبة للأوساط السياسية، ولا حتى الحركات المدنية، لكن مع ذلك فإن أصواتا قريبة من الفصائل شنّت هجمات على المدنيين واتهمت بالتجسس في محاولة لإبعاد الشبهة عن المتورطين الحقيقيين، أو لخلط الأوراق وقمع الأصوات المدنية والوطنية". ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية فشلها في حصر السلاح المنفلت، وحماية العراقيين".
وتتصاعد حدة القلق في العراق عموماً، ولدى الفصائل العراقية على خصوصاً، التي تخشى من عمليات اغتيال وضربات أخرى قد تقدم عليها الولايات المتحدة، التي تجوب طائراتها المسيّرة سماء بغداد بشكل شبه يومي، وهو ما دفع قيادات الفصائل إلى تغيير تكتيكاتهم وتحركاتهم ومحاولة اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لعدم استهدافهم من قبل الأميركيين.
وعقب الهجمات الأميركية الأخيرة، دعت فصائل المقاومة العراقية إلى الانتقام من واشنطن وممن سمّتهم بـ"أعوانها وشركائها"، مع العلم أن اللجنة العراقية الأميركية، أجرت جولتين من المناقشات لجدولة إنهاء مهمة التحالف الدولي في البلاد، في 27 يناير الماضي، و11 فبراير الحالي.