يبدو أن قضية فساد وزارة الصحة المصرية دخلت في طور النسيان التدريجي داخل أجهزة الدولة المصرية، لا سيما الأمنية منها. وبينما يتساءل الجميع عن مصير التحقيقات في هذه القضية، لم تنشر السلطات المعنية بالتحقيق أي جديد حول التطورات الجارية فيه.
وكشفت مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد"، عن وجود توجه داخل دوائر النظام، لتبريد القضية وعدم اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يظهر للرأي العام أن هناك فساداً في وزارات الدولة، وخصوصاً وزارة مثل الصحة، مسؤولة عن ملفات خطيرة مثل مواجهة جائحة كورونا وفيروس (الالتهاب الكبدي) "سي"، وما إلى ذلك من ملفات.
لوزيرة الصحة علاقات وطيدة بقيادات داخل الجيش، خصوصاً في هيئة الشراء الموحد
ومضى نحو 50 يوماً على قرار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتكليف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خالد عبد الغفار، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأعمال هالة زايد إلى حين شفائها من أزمة صحية، من دون أي إشارات من جانب الحكومة أو رئيسها إلى مصير الوزيرة أو حقيبة الصحة.
وجاء ذلك على الرغم من تأكيدات الأطباء المعالجين للوزيرة إبان الإعلان عن تعرّضها للأزمة الصحية بأن حالتها كانت بسيطة، ولم تكن تستدعي الاحتجاز في المستشفى، وأن الأمر لم يعد كونه ارتفاعاً طفيفاً ومفاجئاً في ضغط الدم سرعان ما تم التعامل معه.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تستمر فيه التحقيقات من جانب النيابة العامة وهيئة الرقابة الإدارية في قضية الرشوة، المتهم بها عدد من كبار قيادات الوزارة ومكتب الوزيرة.
قضية الفساد تؤثر على التمويلات المقدمة إلى مصر
ولفت مصدر خاص، إلى أن اتهام وزيرة الصحة هالة زايد في قضية فساد كبرى، من شأنه أن يضع النظام المصري كله، وليس القطاع الصحي فقط، تحت نظر المنظمات الدولية.
ويأتي ذلك فيما قطاع الصحة في مصر يحصل على تمويلات ضخمة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، وجهات مانحة أخرى، لمواجهة كورونا والكوارث الصحية الأخرى، وبالتالي فإن ظهور شبهات فساد في وزارة الصحة، يؤثر بشدة على موقف مصر كمتلق للمنح.
وقال أحد ممثلي البعثات الدبلوماسية المصرية في إحدى الدول العربية، إن "الوزيرة هالة زايد أبلغته بأن الوزارة لديها وفرة في الأموال، يمكن استخدامها في تقوية علاقات مصر الخارجية".
من جهته، قال مصدر في وزارة الصحة، إن "حجم الفساد الذي ظهر في القضية أكبر من أن يتم الكشف عنه، لأنه يشمل شخصيات كبيرة وعسكرية، الكثير منها متورطة في هيئة الشراء الموحد، وعلى سبيل المثال ما تم اكتشافه من فساد في صفقة شراء 2500 سيارة إسعاف مع شركة مرسيدس العالمية". وأضاف المصدر أن "استدعاء وزيرة الصحة في التحقيقات سوف يفتح الباب للكشف عن شخصيات أخرى مهمة".
وقالت المصادر السياسية إن "السبب وراء الكشف عن القضية من الأساس، هو أن الأجهزة الأمنية داخل النظام تعمل من دون تنسيق، وكل جهاز يريد أن يثبت جدارته، وهو ما دعمته تحقيقات موقع "ديسكلوز" (الفرنسي) الاستقصائي، الذي كشف عن أن كل جهاز أمني في مصر يمتلك أجهزة تجسس، ونظم مراقبة بعيداً عن أعين الجهاز الآخر".
وأكدت المصادر أنه في ما يتعلق بإمكانية "تصعيد قضية فساد وزارة الصحة وضم الوزيرة إلى التحقيقات، فإن القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، ترفض ذلك، وتعتبره مساساً بهيبة النظام، ذلك بالإضافة إلى ما يشاع حول علاقة الوزيرة القوية بانتصار السيسي، قرينة الرئيس السيسي، وأن الأخيرة توفر لها الحماية".
ترجيح إغلاق قضية الفساد
ورجحت المصادر أن "يتم غلق القضية وتبرئة كل من طليق الوزيرة ونجلها، نظراً لعلاقات زايد الوطيدة بقيادات داخل الجيش، وخصوصاً في هيئة الشراء الموحد".
وأشارت المصادر إلى حديث السيسي السابق عندما قال "لا تهاجموا الوزراء"، مؤكدة أن "هذا هو التوجه داخل أروقة النظام، اللهم بعض الاستثناءات التي تحدث كما حدث مع وزير الإعلام السابق أسامة هيكل، ووزير السياحة والآثار الحالي، خالد العناني، وهذه الحالات عادة ما تكون بتوجيهات من الرجل الثاني في النظام، مدير الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل".
استدعاء وزيرة الصحة سوف يفتح الباب للكشف عن شخصيات أخرى مهمة
عدم حسم موقف الوزيرة حتى اللحظة الراهنة، تكشف أسبابه مصادر مصرية مطلعة، قائلة "إن حجم الفساد في القضية وطبيعة المتهمين فيه واتساع دائرته هو ما يعطل حتى الآن حسم موقف الوزيرة، وما إذا كانت سيتم ضمها إلى المتهمين حال إعلان إخلاء منصبها وعزلها كما حدث في عام 2015 مع وزير الزراعة صلاح هلال الذي تورط في قضية رشوة مماثلة مع أحد رجال الأعمال".
وأوضحت المصادر أن "هيئة الرقابة الإدارية، تسلمت ملفات كل قطاعات الوزارة، وجميع القرارات التي تمت بتوقيع الوزيرة، ومتعلقة بالتوريدات، والموافقات الصادرة لصالح المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة خلال فترة توليها حقيبة الصحة".
لائحة طويلة من المتهمين بينهم أقارب هالة زايد
وكشفت المصادر أن من بين المتهمين في القضية، أقارب من الدرجة الأولى للوزيرة هالة زايد، بالإضافة إلى شخصيات تحمل رتباً عسكرية تابعين لهيئة الشراء الموحد، وهو الأمر الذي أضفى على القضية مزيداً من الحساسية والتعقيد.
وأوضحت المصادر، أن "قطاع ألبان الأطفال، يأتي في مقدمة الملفات التي تسلمتها هيئة الرقابة الإدارية، وقطعت فيها شوطاً كبيراً، لافتة إلى "مخالفات وفساد كبير في هذا الملف".
كما كشفت المصادر أن "مراجعة هيئة الرقابة الإدارية لملف المبادرات الصحية التي تم إطلاقها باسم رئيس الجمهورية، مثل مبادرة القضاء على فيروس سي، والجراحات العاجلة، والكشف عن الأمراض السارية والمزمنة، أظهرت مخالفات مالية يمكن القول بأنها بلغت مئات الملايين، بعدما تم تسجيل مصروفات لحساب بنود وهمية، وتوريدات وموافقات بالأمر المباشر".
وكشفت المصادر عن تولي الهيئة مراجعة ملف مواجهة جائحة كورونا بوزارة الصحة، حيث تسلمت الأوراق الخاصة بإنفاق قطاعات الوزارة منذ بدء الجائحة.
وفي السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، أعلنت النيابة العامة المصرية، أنها تباشر التحقيقات مع مسؤولين في وزارة الصحة، حيث تولت التحقيق في اتهامات منسوبة إليهم دون توضيح أي تفاصيل. وواكبت ذلك تسريبات بضبط هيئة الرقابة الإدارية عدداً من قيادات وزارة الصحة، بينهم رئيس إدارة التراخيص والعلاج الحر في الوزارة، إضافة إلى مسؤولين في مكتب وزيرة الصحة.
وتبع ذلك الإعلان عن نقل الوزيرة إلى مستشفى وادي النيل التابعة لجهاز الاستخبارات العامة، بدعوى مرورها بأزمة صحية، قبل أن يتم الإعلان عن تكليف وزير التعليم العالي بمنصب وزير الصحة لحين شفاء هالة زايد.
وفي تطور مفاجئ بأزمة وزارة الصحة، وتزامناً مع التحقيقات التي تجريها الجهات المعنية، قرر القائم بأعمال وزيرة الصحة خالد عبد الغفار، إقالة الدكتور خالد مجاهد، مساعد الوزيرة هالة زايد لشؤون الإعلام، من منصب المتحدث الرسمي والإعلامي للوزارة.
وقرّر القائم بأعمال وزيرة الصحة، تعيين الدكتور حسام عبد الغفار، أمين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية المصرية، متحدثاً رسمياً وإعلامياً لوزارة الصحة.
يذكر أنه تم الإعلان عن تأسيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية في 2019، برئاسة اللواء بهاء زيدان، طبقاً للقانون رقم 151 لسنة 2019، لتتولى إجراء عمليات الشراء للمستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات والهيئات الحكومية.
وتتبع الهيئات مجموعة من الشركات وفقاً للقرار، وهي: الشركة المصرية للاستثمارات الطبية، شركة الجمهورية لتجارة الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، والشركة المصرية لتجارة الأدوية، وتضم في هيكلها الإداري عدداً من الشخصيات العسكرية.