أجمعت الصحافة الاسكندنافية، صباح اليوم الجمعة، على تخصيص تغطيتها وافتتاحياتها وأغلفتها الورقية لجملة متقاربة تشبه ما خطّه الصحافيون في الحرب العالمية الثانية: "إنها الحرب".
وفي استعراضها الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تختلف صحف السويد والنرويج والدنمارك في صبّ غضبها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باعتباره المزعزع للسلام في القارة الأوروبية وإعادتها إلى أجواء الحرب.
بعض تلك الصحافة نشر صور محتجين يحملون صور بوتين مع شارب لتشبيهه بالزعيم النازي أدولف هتلر.
عدوانية فلاديمير بوتين
وإلى جانب التغطية غير التقليدية صباح اليوم الجمعة، التقت الصحف السويدية على تحميل بوتين "مسؤولية تاريخية"، كما ذهبت "أفتون بلاديت".
أما "داغنسنيهتر" في استوكهولم فأشارت إلى "أكاذيب سردية بوتين عن أن بلاده لن تهاجم أوكرانيا". ومثل ما استعرضت هيئات البث العام "دي آر" في كوبنهاغن، والتلفزيونان السويدي والنرويجي، هذا الملف، ذهبت أغلب الصحف في السياق نفسه بالتصويب الشخصي على بوتين ومحيطه.
كذلك، أبدت الصحافة الدنماركية القدر التضامني نفسه مع أوكرانيا المنتشر في أغلب دول الشمال، التي هي على تماس مباشر بما تصفه بـ"عدوانية بوتين المتصاعدة".
في كوبنهاغن، اتشحت إحدى كبريات صحفها وأعرقها "بوليتيكن" بالعلم الأوكراني، ورفعت على مبنى مكتبها في العاصمة الدنماركية هذا العلم. وفي نسختها الورقية صباح اليوم، حمل غلافها صورة حربية وسؤالاً: "من يوقف بوتين؟".
وفي افتتاحية الصحيفة بقلم محرر الرأي فيها ماركوس روبين تحت عنوان: "منطق بوتين البدائي... على الغرب ألا يكون رده مثله"، رأت أن هجوم روسيا على أوكرانيا "هو هجوم على النظام العالمي. فبوتين يبسط الأمور إلى حد اعتباره أن القوة تخلق العدالة، بأعذار كلها كذب عن قتل وإبادة جماعية في شرق أوكرانيا".
بوليتيكن: هجوم روسيا على أوكرانيا هو هجوم على النظام العالمي
ولفتت "بوليتيكن" إلى أن ما يجري "هو أول اجتياح بري كبير في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وقرار بوتين البغيض وغير القانوني يلقي ببلده (روسيا) وبقية العالم في أزمة هائلة".
وبعد أن عرّجت على غياب فرص لإيقاف الغزو الروسي عسكرياً باعتباره أقوى من الجيش الأوكراني، وغياب إمكانية التدخل المباشر لحلف شمال الأطلسي، اعتبرت "بوليتيكن" أن "منطق بوتين البدائي باستخدام العنف لا يجب أن يُسمح له بالانتصار على المدى الطويل، فهجومه ليس على أوكرانيا، بل على قواعد النظام الدولي الذي أُسس بشق الأنفس منذ الحرب العالمية الثانية".
وشددت الصحيفة في السياق على أن "النظام العالمي يقوم على مبدأ مفاده بأن الحدود لا يمكن تغييرها بالقوة، وأن الدول الكبيرة لا يمكنها غزو البلدان الأصغر". واستعرضت في الاتجاه ذاته "ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقّعته روسيا، والذي يُلزم بشكل قاطع جميع الأعضاء بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وهو ما يتوجب على الغرب الدفاع عنه، لمنع تحويل القانون الدولي إلى قانون الغاب، ولإجبار روسيا على وقف عدوانها ومغادرة الأراضي الأوكرانية".
وحذرت "بوليتيكن" من أن التساهل "من الممكن أن يمهد الطريق لغزو صيني لتايوان". وتساءلت: "ماذا يتوجب أن نفعل نحن وحلفاؤنا؟". واعتبرت في الإجابة أنه على الأقل "يجب ضرب كل قوة اقتصادية لبوتين وثرواته الخاصة، وإسقاط الخطط كلها لنقل الغاز من سيبيريا عبر نورد ستريم 2، وإخراج موسكو من شبكة سويفت للتعاملات المالية".
كما دعت إلى "مساعدة الأوكرانيين بكل ما أمكن للرد على عدوان بوتين المخزي، فروسيا تعاني من ضعف، واقتصادها أصغر من اقتصاد إسبانيا، وحلف الأطلسي أقوى عسكرياً منها". وتابعت: "على الرغم من أن العقوبات ستؤلم الغرب أيضاً، لكن علينا دفع الأثمان، والضغط سياسياً وعسكرياً، وإخراج روسيا من مجلس أوروبا، ومع انطلاق حرب باردة جديدة، يجب أن يتحد الغرب للفوز في هذه الحرب".
أوروبا تحت الهجوم
أما صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية، فذهبت بغلافها اليوم إلى جملة واحدة: "أوروبا تحت الهجوم". واعتبرت في افتتاحيتها أن "الإدانة للغزو الروسي في أوكرانيا مطلقة وغير مشروطة. ويجب أن نكون مستعدين للقتال من خلال أكثر العقوبات شمولاً على الإطلاق، الأمر الذي سيتطلب حرماناً مادياً حقيقياً، مكلفاً لنا أيضاً، ولكنه يجعلنا مجتمعات أفضل".
واعتبرت "إنفورماسيون" أيضاً أن المعركة اليوم "بين ما نحبه من حرية وبين ما يريده بوتين". واستعادت، كما بقية صحافة اسكندنافيا وأكثرية الأوروبية، الحربين العالميتين الأولى والثانية لاعتبار أن القتال يجب أن يكون من أجل الحفاظ على "العصر الذهبي للأمن، الذي يتعرض لضغوط كبيرة".
وبعد أن عرّجت على الأزمة المالية إلى المناخ والحروب في أفغانستان والعراق، وجدت الصحيفة أن أكبر تحدٍ الآن هو "عودة الاستبداديين لضرب العصر الذهبي. فقد رأينا كيف أن بوتين ضم شبه جزيرة القرم، وغزا جورجيا، ويقضي على المعارضين السياسيين، ويحوّل روسيا إلى نظام الرجل الواحد، وها هو يغزو أوكرانيا اليوم على الرغم من نفي التحذيرات ورفض العالم لأشهر، ويحاول نزع سيادتها، ما يضعنا عملياً أمام انتهاء عصر الأمن في أوروبا".
إنفورماسيون: سردية بوتين تُظهر كم هو ضعيف ولا شأن له بالعبقرية الاستراتيجية، فها هو يوحد الغرب ويزيل الانقسامات
ورأت الصحيفة أن أوروبا تشهد قسوة التاريخ من خلال "غرور عظيم وخطير، فقد عانقنا بوتين وشجبناه سابقاً، على الرغم من أنه ظل يهدد ديمقراطيتنا ويدعم عسكرياً الديكتاتور السوري بشار الأسد، لأننا اعتمدنا على الغاز الروسي وسمحنا له بالتمدد في البنى التحتية لمجتمعاتنا".
وتابعت أن كل ذلك "قوبل بسخرية حين اعتقدنا أنه (بوتين) لاعب عقلاني، وحين أعلنت الولايات المتحدة أن روسيا ستغزو أوكرانيا، اعترض البعض مستبعداً الغزو، وأن بوتين لن يقدم على تلك الخطوة الخطيرة، لكن سردية بوتين تُظهر كم هو ضعيف ولا شأن له بالعبقرية الاستراتيجية، فها هو يوحد الغرب ويزيل الانقسامات".
وشددت على أنه "يجب أن يستمر النضال من أجل أوروبا والمبادئ التي نؤمن بها، عبر عقوبات شاملة وموجّهة ومتّسقة تعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي، وتهاجم ثروة الطبقة العليا التي تُبقي بوتين في السلطة، حتى لو أدت العقوبات إلى أثمان ندفعها، فهي تستحق، لأجل ألا نتخلى عن خيرات الحرية التي نعيشها".