خذلت الحكومة الانتقالية التي شكّلتها حركة طالبان في أفغانستان، أول من أمس الثلاثاء، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك بعد تجاهلها مناشدات المجتمع الدولي، بعد تغييب النساء والأقليات العرقية. وأحبطت التشكيلة الحكومية كل توقعات واشنطن وبرلين وعواصم أخرى، الطامحة لحصول تعاون رسمي مع الحكام الجدد في كابول، إذا اتخذوا مساراً أكثر اعتدالاً بعد انسحاب القوات الغربية، وذلك من أجل الحفاظ على تماسك الدولة المتهالكة في آسيا الوسطى.
وحول مخالفة طالبان لتوجهات الشرعية الدولية، رأت صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية، اليوم الخميس، أنه لا ينبغي أن يكون سلوك الحركة مفاجئاً لمن درسها ودرس قياداتها، تحديداً مع توجيهها إشارة واضحة بأنها ليست مستعدة لتقاسم السلطة في البلاد، بل أن هدفها هو إبراز قوتها، من دون تقديم تنازلات للغرب.
وأمام تعنّت طالبان يواجه الأميركي والأوروبي معضلة، ففي حال عزلوا الحكومة الأفغانية الجديدة من خلال إيقاف المساعدات فسيزيدون من محنة السكان هناك، وقد تترجم بانطلاق موجات جديدة وكبيرة من اللاجئين إلى دولهم. في المقابل، فإن اعتراف المجتمع الدولي بحكومة طالبان يعني خيانته قيم الحرية والمساواة.
لا ينبغي أن يكون سلوك الحركة مفاجئاً لمن درسها ودرس قياداتها
ولم تكتفِ طالبان بإبعاد شخصيات عدة عن الحكومة، بل سمت أعضاء يمتلكون ماضيا يدعو إلى القلق. وعلى سبيل المثال تم تعيين زعيم جماعة حقاني، سراج الدين حقاني وزيراً للداخلية، وهو مدرج على قائمة المطلوبين أميركياً بصفته "إرهابياً عالمياً"، إذ عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آيه" مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أدلة تؤدي إلى اعتقاله.
وفي ظل التحذيرات من أزمة إنسانية في بلد كان يعتمد أساساً على الإمدادات والمساعدات الغذائية، وغيرها من أشكال الدعم تحديداً من تدفقات للأموال من الدول الغربية، إلا أنه هناك قناعة غربية بأنه لا يمكن لطالبان أن تحل مكان الغرب على المدى القصير، ولا حتى بمساعدة الصينيين، الذين يرون أن هناك فرصة لتوسيع نفوذهم في المنطقة.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد طالب حركة طالبان، أمس الأربعاء، بالإيفاء بوعدها بالسماح للأفغان بمغادرة البلاد، وذلك بعد توقيف الحركة الطائرات المستأجرة في مدينة مزار الشريف، شمالي أفغانستان، مانعة الأفغان من المغادرة، فضلاً عن منع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين.
وبعد لقائه نظيره الألماني هايكو ماس، أمس، في مقر القاعدة العسكرية الأميركية في رامشتاين في ولاية راينلاند بفالز الألمانية، اعتبر بلينكن أن طبيعة العلاقة بين حكومة طالبان والمجتمع الدولي ستعتمد كلياً على أفعالها في الأسابيع والأشهر المقبلة. أما ماس فرأى في مقابلة مساء أمس الأربعاء، مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني، أن هناك مرة أخرى أساساً لبدء التعاون الإنمائي، وتوجّهاً لإجلاء المزيد من الأفغان عبر رحلات جوية بين أفغانستان وقطر. ولم يغفل الوزير الألماني الإشارة إلى رفضه الحكومة المؤقتة التي قدمتها طالبان، مستبعداً الاعتراف المبكر بها.
لا يمكن لطالبان أن تحل مكان الغرب على المدى القصير
بدوره انتقد الاتحاد الأوروبي حكومة طالبان غير الجامعة: "والتي لا تحمل صفة تمثيلية للتنوع الإثني والديني الغني في أفغانستان، ولا تفي بوعود الحركة". وسبق لوزراء خارجية الاتحاد أن اتفقوا الأسبوع الماضي على الشروط التي سيتعاملون بموجبها مع طالبان، وهي: الحفاظ على تمويل المساعدات، المحافظة على حقوق النساء هناك، السماح للمواطنين الأوروبيين والأفغان بالمغادرة، ضمان حرية الوصول للبلاد للعاملين في مجال العمل الإنساني، الحفاظ على حرية الصحافة، وتشكيل حكومة جامعة. لكن وعلى ما يبدو فإن حكومة طالبان غير مستعدة للاستجابة لمثل هذه المطالب.