العيسوية: نضال يومي للبقاء

21 ديسمبر 2020
اعتقل الاحتلال أكثر من 1300 شاب وفتى منذ مطلع عام 2019 (الأناضول)
+ الخط -

لم تكسر كل الممارسات الإسرائيلية شوكة أهالي العيسوية شرقي القدس المحتلة، بعد أكثر من خمس سنوات على شروع الاحتلال بتطبيق عقوبات جماعية بحقهم وتحويل حياتهم إلى جحيم يومي. وعلى مدار خمس سنوات، استهدفت قوات الاحتلال الأهالي، لا سيما الفتية والشبان الذين اعتُقلوا بالمئات، وفقد 15 شخصاً منهم إحدى عينيه. وقدمت العيسوية شهداء كثيرين، آخرهم محمد سمير عبيد (يونيو/حزيران 2019) من حي عبيد، وهو الحيّ الذي يتحول كل ليلة إلى ساحة مواجهة بين الشبان الغاضبين وجنود الاحتلال. وقد اعتقل الاحتلال أكثر من 1300 شاب وفتى منذ مطلع عام 2019، وهو أكبر عدد من المعتقلين في أحياء القدس المحتلة. ويكشف أحد أعضاء لجنة المتابعة في العيسوية، محمد أبو الحمص، في حديث لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الاعتقالات، مشيراً إلى أن العديد من الشبان تعرّضوا للاعتقال أكثر من مرة. ويضيف أن جنود الاحتلال يستهدفون بشكل متعمّد عيون الشبان والفتية (فقد 15 منهم إحدى عينيه جراء تعرّضهم للإصابة بالرصاص المطاطي)، كان آخرهم فتى في الـ16 من عمره، اعتقلته قوات الاحتلال قرب باب الأسباط في البلدة القديمة من القدس. بالإضافة إلى تلك الاستهدافات سواء بالاعتقالات أو إطلاق الرصاص، يشير أبو الحمص إلى عقوبة الحبس المنزلي أو فرض حظر التجول والتهديد بسحب الإقامات من سكان البلدة، الذين يُعتقلون على خلفية مواجهة جنود الاحتلال. مع العلم أن أبو الحمص نفسه تعرّض أكثر من مرة للاعتقال والضرب والإبعاد عن منزله.


مقاتلو الوحدات الخاصة يقتحمون العيسوية بصورة دورية للتدريب عبر مواجهة الأهالي

ممارسات استفزازية
وعلى الرغم من انتشار وباء كورونا، إلا أن تصعيد الاحتلال ضد أهالي العيسوية يتواصل ويزداد، مع استمرار عمليات دهم المنازل والتنكيل بالنساء والأطفال. ويتهم أهالي البلدة قوات الاحتلال بالدفع بوحداتها العسكرية المقاتلة، بما في ذلك وحدات خاصة لتنفيذ تدريبات ميدانية داخل البلدة وتعمّد الاشتباك مع الأهالي هناك.

من جهتهم، ذكر باحثون في مركز "بتسيلم" الإسرائيلي لحقوق الإنسان، في تقرير لهم أن "مقاتلي الوحدات الخاصة (اليَسام) وحرس الحدود الإسرائيلي، يقتحمون البلدة بلا سبب ومن دون أيّ حادثة تستدعي أو تبرّر وجود قوّات شرطة، وسط وجود أعداد كبيرة من قوات شبه عسكرية عنيفة مدجّجة بالسلاح، ترافقها مركبات ترانزيت وعربات وطائرات استطلاع". ووفقاً للمركز، فقد أدت المواجهات خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى إصابة نحو 300 شخص من أهالي العيسوية. وأكد الباحثون أن "ذلك يأتي في إطار حملة تتعمّد فيها هذه القوات افتعال أحداث تعسفيّة وعنيفة تشوّش حياة أهالي بلدة العيسوية، وتلحق بهم الكثير من الأذى، ومن ضمنها الإغلاق العشوائي لشوارع مركزية، فضلاً عن التسبّب في ازدحام مروريّ وانتظار السيارات في طوابير طويلة، وتشغيل مكبّرات الصوت في مركبات القوات في ساعات متأخّرة من الليل، والتهديد الاستفزازيّ للأهالي عبر إشهار السلاح في وجههم".

وأضافوا أن "من بين تلك الممارسات كذلك، تفتيش المارّة بشكل مهين وتفتيش السيارات والحقائب (بما في ذلك حقائب طلاب المدارس)، والاستفزاز الكلامي، ومطالبة التجار بإغلاق محالهم بلا سبب أو إظهار أمر من أيّ نوع كان، وتفتيش المحال التجارية بمرافقة كلاب". وتطرقوا إلى "اقتحام المنازل للتفتيش من دون أمر، والقيام باعتقالات تعسفيّة للقاصرين (بعضها تنفّذها القوات في منتصف الليل)، ضمن انتهاكات صارخة لحقوقهم، وغير ذلك كتسجيل المخالفات لأتفه الأسباب للسائقين وأصحاب المحال التجارية والمارّة". وذكر تقرير "بتسيلم"، أن شرطة الاحتلال تقوم منذ إبريل/نيسان 2019، بحملة عقاب جماعيّ للبلدة، التي يربو عدد سكانها عن 23 ألف نسمة، فيما تبلغ الكثافة السكانية هناك ثلاثة أضعاف ونصف الضعف مجمل الكثافة السكانية في القدس.

لا تتوقف استفزازات جنود الاحتلال للأهالي (العربي الجديد)

أهداف الاحتلال
هذه الممارسات الاستفزازية الاحتلالية ولّدت ردوداً من أهالي بلدة العيسوية، تمثلت برشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة والمفرقعات باتجاه جنود الاحتلال، الذين غالباً ما يردون بإطلاق القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص الإسفنجي الصلب وضرب الأهالي، وفق ما يؤكده المواطن أحمد داري لـ"العربي الجديد". ولم يقتصر استهداف العيسوية على الاعتقال أو الإصابات وكذلك الحبس المنزلي، بل تواصلت عمليات هدم منازل المواطنين في البلدة. وتشير معطيات لجنة المتابعة في العيسوية، إلى أن أصحاب أكثر من 100 منزل تسلّموا إخطارات بالهدم منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم، في مقابل هدم عشرات المنازل والمنشآت من قبل أصحابها. وفي العيسوية حالياً ألفا منزل من دون ترخيص، من أصل 25 ألف منزل في القدس المحتلة، تدّعي بلدية الاحتلال في القدس، أنها مشيّدة من دون ترخيص وبالتالي يتهددها الهدم.

ويقول الناشط هاني العيساوي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات الهدم أو تسليم إخطارات الهدم لا تتوقف، وأقسى عمليات الهدم تلك التي يقوم بها أصحاب المنازل أنفسهم، بفعل إرغامهم من بلدية الاحتلال في القدس على هدم منازلهم بأيديهم".


طلبت بلدية الاحتلال هدم ألفي منزل في العيسوية

ويسعى الإسرائيليون منذ زمن طويل لإخراج العيسوية من منطقة نفوذ بلدية الاحتلال في القدس، بعد تحطيم بنيتها الديمغرافية وتركيبتها العشائرية، حسب ما ذكر الخبير المختص في شؤون الاستيطان، خليل تفكجي، في حديثٍ سابق لـ"العربي الجديد". ورأى أن ما يجري تنفيذه على الأرض وبصمتٍ، مرتبط بنفق تحت الأرض يربط بلدة العيسوية ببلدة عناتا المجاورة، ليتبعها بعد ذلك إغلاق مدخلها الغربي الرئيسي، الذي يربطها بمركز مدينة القدس. وأشار إلى أن سلطات الاحتلال أنهت مطلع العام الحالي عملية إنشاء حاجز عسكري شرقي بلدة العيسوية، يربط الشوارع بين جنوب الضفة الغربية المحتلة وشمالها، ضمن مخطط للفصل بين سيارات الفلسطينيين والمستوطنين.

ووفقاً لتفكجي، فقد أُقيم هذا الحاجز على جزء من 2070 دونماً من أراضي بلدة العيسوية التي صودرت عام 1994، وقد شيّد الاحتلال على جزء منها جدار الفصل العنصري. مع العلم أن الحاجز هو جزء من خطة هيكلية تحمل رقم 4585، ومعروفة بـ"شارع الطوق"، الذي يشمل أيضاً شق أنفاق تحت مدينة القدس وجسور فوقها، ويمتد شرقاً من بلدة عناتا حتى حاجز قلنديا، بالإضافة إلى طريق أبو جورج، شرقي عناتا.

بلدة محاصرة
وتعتبر العيسوية من البلدات الفقيرة في القدس وتقع على السفوح الشرقية لجبل المشارف، وهي محاصرة بسلسلة من المؤسسات الإسرائيلية مثل الجامعة العبرية ومستشفى هداسا ومستوطنتي "التلة الفرنسية" و"تسميرت هبيراه" ومعسكرات للجيش والشرطة وشوارع. أي أنّ العيسوية محصورة داخل رقعة أرض مكتظّة لم يتبقّ فيها تقريباً مكان لإضافة أيّ بناء. وفي عام 1945 بلغت مساحة أراضي العيسوية نحو 10 آلاف دونم، من سفوح جبل المشارف شرقاً إلى منطقة الخان الأحمر شمالاً، أما المساحة التي تبقّت للبلدة اليوم فلا تصل إلى ألف دونم. ومنذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية، نهبت أكثر من 90 في المائة من أراضي البلدة وضمّت بعضها في عام 1967، من خلال المصادرة وإعلان مساحات واسعة كـ"أراضي دولة" أو وضع اليد بموجب أوامر عسكرية.

المساهمون