العنف الإسرائيلي في الضفة: الكونغرس يحذّر وإدارة بايدن تكتفي بالتمتمة

17 مارس 2023
مستوطنون إسرائيليون بالهراوات والفؤوس في شوارع حوارة (Getty)
+ الخط -

المفارقة اللافتة في الآونة الأخيرة أن الكونغرس الذي كان تاريخياً يلعب دور المحامي والحامي لإسرائيل في واشنطن، مهما بلغت انتهاكاتها، انتقل قسم وازن من الديمقراطيين فيه إلى الموقع المعترض، ومع تلويحه ولأول مرة بورقة المساعدات إذا واصلت حكومة بنيامين نتنياهو العمل بسياساتها وتوجهاتها الداخلية منها والفلسطينية. الجديد في هذا الخطاب غير الاعتيادي – ولو أن ترجمته مستبعدة في المدى المنظور – أنه كسر المألوف سواء لناحية حجم المعترضين أو لجهة ملامسته لموضوع كان من المحرمات في الماضي. حتى من كان يميل ضمنا من النواب أو الشيوخ إلى طرحه، كان يفضل السكوت خوفاً من الثمن الانتخابي.

السيناتور الديمقراطي كريس مورفي كان، أمس الخميس، من أكثر المشرعين وضوحا في تناول هذا الموضوع، إذ دعا إلى ربط المساعدات لإسرائيل بشروط تكون بمثابة "رسالة" إلى حكومة نتنياهو: "إذا كان المطلوب مواصلة مساعداتنا لإسرائيل فإنه يترتب عليها العمل لتحقيق حل الدولتين"، كما قال، وحذّر من أن  "تقويض هذه الصيغة من شأنه إلحاق الأذى بعلاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل". وفي إشارته إلى "تقويض إسرائيل للعلاقات بين مواطنيها"، عرج على موضوع الاستيطان ليعرب عن "القلق من توسعه وشرعنة البؤر المخالفة للقانون" في الضفة، مطالبا إدارة بايدن "بالمزيد من التشدد مع حكومة نتنياهو".

 مثل هذا الكلام الواضح لم يسبقه عليه إلا السيناتور "اليساري" بيرني ساندرز، الذي كان قد دعا إلى وضع شروط أشد على المساعدات. وفي الاتجاه نفسه، بعث قبل أيام 90 من النواب الديمقراطيين كتابا إلى الرئيس بايدن لحثه على "استخدام كافة الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع إسرائيل من تقويض إمكانية الدولتين ومن التمادي في ضرب المؤسسات".  

ساهمت في هذا التطور عدة عوامل، أهمها أن هناك تغييرا ملحوظا في مزاج الناخب الديمقراطي، وإلى حد ما الناخب المستقل، باتجاه "التعاطف" مع الشعب الفلسطيني. 49% حسب استطلاع "غالوب" صاروا في هذه الخانة، خصوصا بعد موجة العنف الدموي التي أطلقتها حكومة نتنياهو. العامل الثاني يتمثل بتركيبة حكومة المتطرفين وشعاراتها وسياساتها وخاصة عملية "الإصلاح القضائي" التي أثارت الشق الأكبر من اليهود الأميركيين ضدها. فمثل هذا التحول في إسرائيل ينعكس سلبا على النشاط الدعائي اليهودي لمصلحة هذه الأخيرة في الساحة الأميركية؛ فأكثر ما يقلق ويحرج واشنطن ومعظم اليهود الأميركيين أن الأزمة الحالية داخل البيت الإسرائيلي أسقطت القناع لتكشف عن أن "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، كما دأبوا على تصنيفها، تنحدر على نحو مفضوح باتجاه "الفاشية"، وربما بدون رجعة ومن غير استبعاد انزلاق الوضع إلى نوع من "المواجهة الأهلية"، كما يحذر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.

ثم جاءت زيارة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش إلى واشنطن، والتي دار حولها جدل وخلافات في الصحافة والأوساط اليهودية (الأميركية) التي طالب بعضها بعدم منح الزائر تأشيرة دخول. لكن الإدارة، على عادتها، اعتمدت معادلة رمادية: منحته التأشيرة لكنها قاطعت زيارته، وفي هذا المجال، جرت محاولات لمنع دخول الوزير. 150 من السفراء السابقين والقيادات اليهودية رفعوا كتابا مفتوحا بهذا الخصوص، و300 من القيادات الدينية اليهودية أعلنت مقاطعة وزراء حكومة نتنياهو بسبب "الإصلاح القضائي"، الذي يصب في نهاية المطاف في انفلات الاستيطان والمزيد من العنف ضد الفلسطينيين، حسب معظم التوقعات التي تحذر من "الانتفاضة" الفلسطينية القادمة. لقد تداخل الاحتجاج الأميركي على محاولة تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية مع الموضوع الفلسطيني، فكان أن النقمة في الكونغرس والهيئات المدنية واليهودية على السياسة الداخلية لحكومة نتنياهو شملت، بحكم التزامن والتداخل، إجراءات وتوجهات هذه الأخيرة تجاه فلسطينيي الاحتلال.

مقابل ما يشبه الفورة في الكونغرس، نسبة لما كانت عليه الحال في الماضي، اكتفت الإدارة بالتمتمة. ردها على القتل الإسرائيلي شبه اليومي منذ بداية العام، وحتى اقتحام جنين بالأمس وسقوط 4 شهداء، لم يخرج عن النغمة نفسها التي تبدأ بالتعبير عن "القلق" والحاجة إلى "خفض التوتر"، مع التأكيد على وجوب توصل "الطرفين" إلى تنفيذ التدابير المتفق عليها... وإلى آخر السردية المعروفة. يتردد أن بعض المعنيين في الخارجية صاروا بشعرون "بالضيق" وبصعوبة الاستمرار في "تحمّل النهوض" بهذا الخطاب الذي يقول بعض الذين ملّوا سماعه إنه لم يعد يكفي. "على الإدارة اتخاذ خطوات لترجمة قلقها، مثل وقف البرامج الثنائية – غير الأمنية -  ودعم صدور قرارات من مجلس الأمن تندد بما تقوم به إسرائيل"، حسب السفير الأميركي السابق في إسرائيل دانيال كورتزر.

ومع أنها خطوات ناعمة لا تلامس العصب مقارنة بخطورة ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية حالياً، فإنها تبقى أشد من رد الإدارة التي لم تبارح لغة المداراة والغمز الخجول تجاه إسرائيل. خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، نُسب إلى وزير الدفاع لويد أوستن أنه لفت إلى "أهمية استقلالية القضاء... والحاجة إلى خفض العنف في الضفة". وبرغم رخاوة إشارته، فقد سارع إلى التأكيد على أن الإدارة "ليست في صدد خفض التزاماتها تجاه أمن إسرائيل". طمأنة ثبت أن من شأنها تفريغ أي اعتراض من مضمونه، مع أن هناك سوابق لجأ فيها بعض الرؤساء، مثل فورد، إلى هز عصا المساعدات صراحة ونجحوا في حمل إسرائيل على التزحزح.

لكن إدارة بايدن، برغم استيائها وانزعاجها من حكومة نتنياهو وعصيانها، فإنها لم تصل بعد إلى حدود التلويح على الأقل بما يدعو إليه فريق متزايد في الكونغرس، لم يعد يقتصر على المحسوبين على "اليسار" في الحزب الديمقراطي. مشكلة الرئيس بايدن على ما يبدو أنه يخلط الشخصي بالسياسي في التعامل مع إسرائيل. وبذلك تضيع الحدود بحيث لا يستقيم القرار.

المساهمون