استمع إلى الملخص
- العملية تهدف لمواجهة تحديات أمنية كبرى، بما في ذلك تهديدات من حركة طالبان الباكستانية والانفصاليين البلوش، لتأمين الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، الذي تأثر بالهجمات المتكررة على المصالح الصينية.
- تواجه العملية تحديات وانتقادات داخلية، خاصة من حزب عمران خان الذي يطالب بالتشاور مع البرلمان قبل شن أي عملية جديدة، بينما يؤكد المحللون على ضرورتها للقضاء على الجماعات المسلحة وتأمين السيادة والأمن الوطني.
شكّلت العملية العسكرية الشاملة في باكستان ضد التنظيمات المسلحة، أحدث محاولة لضبط الانفلات الأمني رغم عدم وجود إجماع عليها. وأُعلن إطلاق العملية يوم السبت الماضي، في أعقاب اجتماع لمجلس الأمن الوطني الباكستاني، والذي ترأسه رئيس الوزراء شهباز شريف وشارك فيه الوزراء والمسؤولون الأمنيون وقادة القوات المسلحة الباكستانية. عُرضت في بداية الاجتماع التقارير الأمنية للجهات المختلفة وجرى النقاش حولها، ثم وافق المجلس على شن العملية العسكرية الشاملة في باكستان تحت اسم "عزم الأمن والاستقرار"، معتبراً أنها ضرورية من أجل الحفاظ على أمن الدولة وسيادتها. لكن محللين رأوا أن العملية جاءت تلبية لمطلب الصين، والتي اشترطت شن عملية عسكرية ضد المسلحين من أجل استمرار مشاريعها في باكستان.
وقال مكتب رئيس الوزراء الباكستاني، في بيان السبت الماضي عقب الاجتماع، إن العملية العسكرية الشاملة في باكستان تقودها القوات المسلحة وتقف إلى جانبها كل الأجهزة المعنية بأمن واستقرار البلاد، منوّها إلى أن ملف الأمن لا يُترك لمؤسسة واحدة، بل "على جميع الدوائر الحكومية تأدية دورها في القضاء على من يعبث بأمن واستقرار باكستان، والعمل إلى جانب القوات المسلحة الباكستانية". كما شدّد الاجتماع على ضرورة إزالة كل العقبات في وجه مقاضاة الضالعين أو المشتبه بضلوعهم في أعمال الإرهاب، ما يشي بضرورة إجراء بعض التعديلات في النظام القضائي خصوصاً في ما يتعلق بملف الإرهاب.
مع العلم أن القوات المسلحة الباكستانية تعلن يومياً شن عمليات محدودة النطاق في شمال وجنوب غرب البلاد، تسفر عن مقتل أعداد من المسلحين. من هنا تساءل محللون عن الحاجة إلى العملية العسكرية الشاملة في باكستان ما دامت القوات المسلحة تنفذ العمليات خصوصاً ضد مسلحي حركة طالبان الباكستانية في شمال غرب باكستان والانفصاليين البلوش (بإقليم بلوشستان) في الجنوب.
وكانت المصالح الصينية في باكستان هدفاً للهجمات وأعمال العنف منذ فترة طويلة، خصوصاً بعد أن دشنت الصين وباكستان الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) في عام 2017. لكن في الآونة الأخيرة تصاعدت تلك الهجمات، ما أثار حفيظة بكين، إذ شهدت فترة ما بين 10 و26 مارس/ آذار الماضي ثلاث هجمات انتحارية، استهدفت جميعها المصالح الصينية. كان الهجوم الأول على مجمّع أمني لميناء غوادر، بإقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، وتبناه حينها جيش تحرير بلوشستان، وهو ميناء تعمل على تطويره شركات صينية، بينما الهجوم الانتحاري الثاني كان على قاعدة توربت البحرية بالإقليم نفسه، التي تعد نقطة مهمة للممر الصيني الباكستاني. أما الاعتداء الأبرز فهو الهجوم الانتحاري في منطقة شانغلا، بإقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، في 26 مارس الماضي، وأسفر عن مقتل خمسة مهندسين صينيين وسائقهم الباكستاني.
عقب ذلك علّقت الصين العمل على بناء السدود في شمال غرب باكستان ومشاريع أخرى، كما أجلت تدشين المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي. من جهتها حاولت باكستان خلال قنوات مختلفة إقناع الصين باستئناف العمل بالمشروع، خصوصاً خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى بكين في الرابع من يونيو/ حزيران الحالي، لكن الصين اشترطت اتخاذ خطوات صارمة، منها شنّ عملية عسكرية في تلك المناطق التي شهدت هجمات.
والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني هو مشروع اقتصادي ضخم يضم عدداً من مشاريع البنى التحتية في باكستان، أبرزها تلك التي تهدف إلى إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر في الصين وميناء غوادر الباكستاني. كما يهدف الممر إلى تطوير البنى التحتية المطلوبة لباكستان بسرعة وتعزيز اقتصادها من خلال بناء شبكات النقل الحديثة، والعديد من مشاريع الطاقة والمناطق الاقتصادية الخاصة.
وبفضل الممر سيتم تعزيز البنى التحتية للطاقة بأكثر من 33 مليار دولار، تقدمها اتحادات خاصة للمساعدة في التخفيف من النقص المزمن في الطاقة في باكستان، إضافة إلى إنشاء شبكة من خطوط الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي المسال والنفط في جزء من المشروع، بما في ذلك إنشاء خط أنابيب بين غوادر ونوابشة بقيمة 2.5 مليار دولار لنقل الغاز من إيران، كما سيتم توليد الكهرباء من هذه المشاريع بشكل أساسي. علاوة على الممر تقوم الشركات الصينية ببناء السدود في باكستان وتصدير المعادن ومواد تجارية أخرى. ووفق مراقبين فإن الدعم الصيني هو السند الثاني لاقتصاد باكستان، بعد القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي لها. لذا لن تستغني باكستان عن المشاريع الصينية وستعمل من أجل توفير الحماية لها بكل ما أمكن.
خلفية العملية العسكرية الشاملة في باكستان
وفي هذا الصدد قال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إعلان الحكومة إطلاق العملية العسكرية الشاملة في باكستان ضد المسلحين متزامناً مع بعض الإجراءات الأخيرة يشير إلى أن "الحكومة كانت تتكتم حول الكثير من الأحداث التي تقع في مختلف مناطق البلاد، وكانت أجهزة الدولة تمنع وسائل الإعلام من الحديث عنها". وأضاف علي خان: "الآن عندما تقرر الحكومة شن العملية العسكرية الشاملة في باكستان فذلك يشي بأن الوضع متأزم فعلاً وأن باكستان تواجه حالة أمنية خطيرة للغاية، تماماً كالحالة التي كانت تواجهها أفغانستان قبل سنتين، بل أسوأ".
شفاعت علي خان: الحكومة كانت تتكتم حول الكثير من الأحداث التي تحصل في مختلف مناطق البلاد
وأشار علي خان إلى أن لديه أنباء غير مؤكدة عن أنه "في بعض مناطق شمال غرب باكستان اضطرت القوات المسلحة إلى إخلاء مراكزها بسبب شدة العمليات المسلحة ضدها، كما أن مسلحي طالبان يفتشون سيارات وحافلات في الشوارع الرئيسية ببعض مناطق شمال وجنوب غرب باكستان بحثاً عن موظفي الحكومة واحتجازهم". وضرب مثالاً على ذلك بـ"ما حدث قبل يومين في إقليم بلوشستان، إذ خطف مسلحون من مديرية هرناي 10 أشخاص بعضهم من موظفي الحكومة، في ظاهرة يومية تتكرر في مناطق مختلفة من البلاد"، مضيفاً أن "الوضع خطير للغاية وأخشى أن تخرج الأمور قريباً عن يد القوات المسلحة والاستخبارات وأجهزة الدولة برمتها".
سياسيون يعارضون
رغم أن قرار العملية صدر عن أقوى كيان في البلاد وهو مجلس الأمن الوطني، إلا أن أصواتاً تعالت ضد إعلان العملية العسكرية الشاملة في باكستان من داخل البرلمان وخارجه، ما دفع بوزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف إلى المجاهرة بأن القضية ستناقش داخل البرلمان في الأيام المقبلة.
في هذا الصدد قالت شاندانه أفريدي، وهي نائبة في البرلمان من حزب عمران خان (حركة الإنصاف) والذي يقضي أحكاماً في السجن حالياً، في كلمة أمام جلسة البرلمان الأحد الماضي، إن العملية العسكرية الشاملة في باكستان قد أُعلنت، "ولكني أسأل لماذا تشن مثل هذه العمليات في شمال وجنوب غرب البلاد، في حين أن العمليات متواصلة على مدار العام؟". كذلك انتقدت بشدة اتخاذ قرار شنّ العملية، مضيفة: "إنكم (لم تسمهم، ولكن معروف أنها كانت تخاطب الجيش والاستخبارات) لا تحبون رؤية عمران خان في البرلمان وفي السياسة، ولكن عليكم أن تنظروا إلى مستقبل البلاد ولا تدمروها بأيديكم من خلال مثل هذه العمليات".
كذلك أعلن حزب عمران خان رفضه العملية، إذ قال زعيم الحزب الحالي خان كوهر علي خان، في مؤتمر صحافي مساء الأحد الماضي، إن "مجلس الأمن الوطني ليس أقوى إدارة من البرلمان ليأتي وليقرر شن عملية عسكرية دون أن يعرف البرلمان عنها شيئاً". وأضاف أنه "من هنا، يرفض حزب حركة الإنصاف بشدة شن أي عملية جديدة في البلاد قبل التشاور مع البرلمان".
نويد صديقي: العملية ضرورية للحفاظ على سيادة أمن الدولة والقضاء على المسلحين وإلا فإن الأوضاع تتجه نحو التصعيد
لكن المحلل الأمني الباكستاني نويد صديقي، والذي يعمل عن قرب مع مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني قال، في حديث "العربي الجديد"، إن "القيادة العسكرية تعرف جيداً ما يحدث في البلاد وما هو ضروري، نحن نواجه تحديات أمنية كبيرة". وأعطى مثالاً على ذلك بالقول: "في الآونة الأخيرة، حصلت استهدافات متكررة للمواطنين الصينيين وكان مطلب بكين أن تتخذ إسلام أباد خطوات جادة وتنفذ القوات المسلحة الباكستانية عملية عسكرية حازمة ضد المسلحين، قبل تدشين المرحلة الثانية من الممر الصيني الباكستاني، فكان هذا مطلب صيني". وأضاف أن العملية العسكرية الشاملة في باكستان "ضروري من أجل الحفاظ على سيادة الدولة وأمنها، والقضاء على الجماعات المسلحة وإلا فإن الأوضاع ستتجه نحو مزيد من التصعيد".
وحول الجماعات المسلحة التي ستكون هدفاً لهذه العملية، قال صديقي إنهم بالطبع "كل المسلحين المناوئين لأمن باكستان واستقرارها، لكن أبرزها ثلاث: حركة طالبان الباكستانية، التي تنفذ الجزء الأكبر من العمليات المسلحة في باكستان، يليها الانفصاليون البلوش، ثم تنظيم داعش فرع خراسان". وأضاف أن "هناك جماعات مسلحة صغيرة مثل جماعة الأحرار ولكنها تعمل تحت مظلة طالبان الباكستانية".
من جهته قال المحلل الأمني الباكستاني نادر بلوش، في حديث لـ"العربي الجديد": "لدي شكوك تتعلق بالهدف من هذه العملية"، موضحاً أن "الحكومة والقوات المسلحة تقول إن أبرز التحديات لأمن باكستان هي حركة طالبان الباكستانية، ثم تقول إن معظم قيادات وعناصر طالبان في أفغانستان، فبالتالي ضد من تكون هذه العملية؟". واعتبر أن "العملية جاءت تلبية لمطلب صيني وهو واضح جداً"، مبيّناً أنها "لن تأتي أكلها لأن المسلحين يعبرون الحدود الأفغانية الباكستانية بسهولة، ومن المعلوم أن القوات الباكستانية لن تنفّذ شيئاً في أفغانستان لأننا نعرف كيف سيكون رد حكومة طالبان هناك".
وأشار إلى أن من "التحديات أمام العملية، موقف القيادة السياسية والدينية وقبائل المنطقة، إذ إن كثيرين رفضوا هذه العملية منذ لحظة الإعلان عنها، وليس فقط حزب عمران خان بل الجماعات الدينية والسياسية الأخرى، بمعزل عن التحالف الحاكم، كلها رفضت هذه العملية". وأضاف أن "قبائل شمال غرب البلاد ترفض أي عمل عسكري في مناطقها، وقبائل محسود أكبر القبائل في وزيرستان رفضت العملية". وشدّد على أن "الكثير من الغموض حول العملية دفع كثيرين للوقوف في وجهها، كما أن الخطوة تبدو وقد اتخذت في عجالة، وكان المفروض أن يتم النقاش بشأنها مع جميع الجهات".
بدوره رأى المحلل السياسي والإعلامي الباكستاني حمزة أمير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف الأساسي لهذه العملية هو القضاء على حركة طالبان (باكستان)، لتكون منطقة القبائل كاملة تحت سيطرة الحكومة وأن لا يحصل المسلحون على الدعم من هناك". لكن المشكلة الكبيرة، وفق أمير، "هي طالبان الأفغانية"، موضحاً أن "هذه القبائل كلها مرتبطة ببعضها البعض على جانبي الحدود، والمسلحون يعبرونها بسهولة، وكابول لا تتعاون، فهذه مشكلة كبيرة تواجه باكستان، لكن الأخيرة تعمل بكل ما أوتيت من قوة لقصم ظهر المسلحين النشطين على الحدود مع أفغانستان".