فوجئت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، عن عملية توغل عسكري قريبة في الأراضي السورية لإقامة منطقة أمنية خالية من "وحدات الحماية الشعبية" الكردية التي تعتبرها أنقرة "منظمة إرهابية".
ورغم أن علاقة واشنطن متوترة أصلا مع الرئيس التركي إلا أن الإعلان عن العملية التركية في سورية أضاف شحنة جديدة من التوتر مع أنقرة. وفي أول تعليق لها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الإدارة "تعترف بقلق تركيا الأمني المشروع على حدودها، لكن أي هجوم جديد من هذا النوع من شأنه تقويض الاستقرار الإقليمي وتعريض قواتنا هناك للخطر".
واكتفى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، هو ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، بالتحذير "من الإقدام على عمل عسكري من هذا النوع"، مع أن العملية صارت على عتبة التنفيذ حسب السوابق والتقديرات.
والواضح من هذه الصيغة واللهجة التي خلت من لغة الوعيد والتلويح بالعواقب، أن الرد الأميركي على التوغل لن يتخطى لغة الخطاب الدبلوماسي، إذ إن البدائل إما غير متاحة بسبب الانشغال بحرب أوكرانيا وإما لأنها غير فعالة مثل العقوبات التي فشلت في 2019، أو حظر بيع تركيا السلاح، وهو محظور تقريبا منذ فترة، فضلاً عن أن أنقرة تمسك الآن بورقة قبول السويد وفنلندا في حلف "الناتو"، والذي تريد واشنطن تحقيقه بأقرب وقت، يضاف إلى ذلك، وفق بعض القراءات، أن واشنطن تفضل في الوقت الحالي وجود قوات تركية في شمال سورية، بدلا من "حضور إيراني بدأ يطل لسد الفراغ الذي تركه انسحاب قوات روسية من هناك في الفترة الأخيرة".
وعلى هذه الخلفية، انطوى رد واشنطن على إشارة بالتعايش مع العملية العسكرية التركية إذا بقيت "محدودة"، على غرار محدودية عملية "ربيع السلام" عام 2019. وجرى التوافق حينها، بعد 3 أيام من التفاوض الأميركي التركي في أنقرة، على إقامة المنطقة الآمنة من دون تحديد حجمها وكيفية ضبطها مع سحب "قوات سورية الديمقراطية" معداتها العسكرية من منطقة الحدود.
واللافت أن الرد الروسي جاء بالصيغة نفسها تقريباً، وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الآخر عن "التفهم لمخاوف تركيا الأمنية" وبما جرى تفسيره أيضا بأنه "موافقة روسية ضمنية" على عملية تركية "محدودة"، ولهذا الموقف حيثياته، إذ ترى موسكو أن "أردوغان منفتح على التفاهم مع حليفها الأسد"، ثم إن دخول القوات التركية من شأنه في الحسابات الروسية أن يؤدي إلى "إضعاف قوات الدفاع الشعبي الكردية، وبالتالي التعجيل برحيل القوات الأميركية".
والمعروف أن الرحيل الأميركي من سورية دار حوله جدل كبير في زمن ترامب الذي أراد الانسحاب التام من سورية لولا اعتراض وتدخل المعنيين إلى حدّ التزوير في تقليص عدد القوات الموجودة في سورية – وهذا باعتراف المبعوث الخاص آنذاك السفير جيمس جيفري – لإقناع الرئيس ترامب بصرف النظر عن الانسحاب على أساس أن حجم القوات الأميركية في شمال شرق سورية ضئيل إلى حد لا يستدعي الإعلان عن سحبه.
والمفارقة أن أردوغان باختياره لهذه اللحظة، جمع بين الخصمين اللدودين موسكو وواشنطن في عدم الاعتراض على خطوته السورية، بل في قبولهما لها وإن بصيغة ملتوية. وتتجاهل إدارة بايدن في الأساس الملف السوري، وسبق للسفير جيفري أن حذر من تبعات هذا التجاهل. ويلعب الرئيس أردوغان الآن ورقته، في وقت يحتاجه بوتين كما بايدن، ولو كل لحساباته وبما يجعله يمسك بقواعد اللعبة. ويبقى السؤال: إلى أين ستؤدي عمليته العسكرية الجديدة؟