العملية الانتحارية في تونس: دلالات التوقيت والمكان

10 مارس 2020
وقعت العملية في محيط السفارة الأميركية (جديدي وسيم/Getty)
+ الخط -

تواصل تونس جهودها لمكافحة الإرهاب وفرض الأمن، عقب الاعتداء الانتحاري الذي هزّ العاصمة يوم الجمعة الماضي، وذهب ضحيته ضابط الشرطة توفيق الميساوي وأربعة جرحى، بعدما فجّر انتحاريان نفسيهما في محيط السفارة الأميركية. وإثر العملية، نفّذ الأمن التونسي عملية انتشار وتأهب واسعة، فيما واصل التونسيون حياتهم بطريقة طبيعية.
أما الخبراء الأمنيون الذين تحدثت معهم "العربي الجديد"، فيرون أن الاعتداءات التي تستهدف تونس لا تزال منعزلة، وهي توحي بتخبط لدى الجماعات المتشددة مع تحقيق السلطات الأمنية إنجازات نوعية.

وتزامن وقوع الاعتداء في محيط السفارة الأميركية في العاصمة، عشية إحياء الذكرى الرابعة لـ"ملحمة بنقردان" (7 مارس/آذار 2016) في محافظة مدنين جنوب البلاد، والتي أحبطت خلالها السلطات التونسية أكبر مخطط لإقامة "إمارة داعشية"، والقضاء على نحو 50 مسلحاً. وأحيت تونس الذكرى السبت الماضي وسط حضور كبير لمسؤولين أمنيين ومدنيين.

ولئن أجمع خبراء أمنيون ومختصون في قضايا الإرهاب، على أنّ توقيت العملية الانتحارية ومكانها لم يكن اعتباطياً، بل مدروساً بعناية، إلا أن هناك شبه إجماع كذلك على أنّها جاءت فاشلةً ويائسة، وتدلّ على تخبط الجماعات المتشددة، خصوصاً أن المستهدف هو القوات الأمنية. كما اختير الموقع، أي قرب مقر السفارة الأميركية في العاصمة، من أجل إحداث ضجّة إعلامية، ورفع معنويات الجماعات المنهزمة، والتي تكبدت خسائر عدة في البلاد طوال السنوات الماضية.

وأكّد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، خالد الحيوني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الوضع الأمني في تونس مستقر بعد العملية التي وقعت أخيراً، مشيراً إلى أنها فاشلة من حيث طريقة تنفيذها والوسائل المعتمدة، مؤكداً أنها لم تبدل شيئاً كذلك من جاهزية الوحدات الأمنية ومن حسن انتشارها وتمركزها، كما لم تحبط معنويات أفرادها. وإذ أشار إلى أنها تزامنت مع مباراة رياضية هامة بين "الزمالك" المصري و"الترجي" التونسي ليل الجمعة، إلا أن ذلك لم يمنع تواصل التأمين والانتشار الأمني، لتجري المباراة في أجواءٍ آمنة وجيدة.

ولفت الحيوني إلى أن تونس تشهد حالياً انتشاراً مكثفاً للوحدات الأمنية في كامل المحافظات، وهو ما شعر به التونسيون الذين يواصلون حياتهم بصورة طبيعية لثقتهم في الأجهزة الأمنية وفي التأمين الذي تقوم به وزارة الداخلية، مضيفاً أنّ مصابي قوات الأمن الأربعة في حالة تعافٍ، وهم يسترجعون صحتهم وينتظرون استئناف عملهم مجدداً.


وشدد المتحدث باسم وزارة الداخلية على أنّ اليقظة والجاهزية موجودة على مدار السنة وهي تتطور وتتضاعف بحسب الأحداث. وأوضح أنه تمت دعوة كافة الوحدات الأمنية لمضاعفة يقظتها لاستباق كافة أنواع التهديدات التي لم تنته في تونس منذ الثورة، مع تسجيل نجاحات عديدة لمقاومة الظاهرة الإرهابية منذ سنوات في البلاد، وللقضاء على عددٍ من القيادات المتشددة. وأوضح أن غالبية الاعتداءات معزولة، وتقع عادة باعتماد وسائل وطرق كلاسيكية، ما يدل على تخبط الجماعات التي تنفذها. ومقارناً مع "العمليات الكبيرة التي حصلت سابقاً في تونس، والتي أودت بحياة عشرات الأبرياء، كعملية نزل سوسة (2015) وشارل ديغول (2019) وسط العاصمة، فإن عملية البحيرة الأخيرة أظهرت تراجعاً واضحاً في الوسائل من حيث غياب القدرة على الهجوم، كما بيّنت تكتيكاً كلاسيكياً ضعيفاً. وأفاد الحيوني بأن التحقيقات متواصلة بخصوص المواد التي استخدمت في عملية البحيرة، وهوية منفذي الهجوم، واللذين لم تكشف عنهما الداخلية بعد، لحين إنهاء تحليل البصمة والتحليل الجيني، إلى جانب المحافظة على سرية التحقيق الذي يجري بالتعاون مع الأجهزة القضائية. وفي هذا الصدد، أوضح الحيوني أن الصورة التي يتم تداولها عن منفذي الهجوم غير صادرة عن وزارة الداخلية، وبالتالي فهي لا تتحمل مسؤوليتها.

وحول تكتيكات الجماعات المتشددة المتبعة في تنفيذ عملياتها، رأى الخبير الأمني والعميد المتقاعد من الحرس الوطني التونسي، علي زرمدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الخطط لم تتغير، بل لا يزال يتم اعتماد الطرق والأساليب نفسها في أغلب الدول. وأوضح أن أكثرها اعتماداً هو التفجير والتفخيخ. كما أشار إلى أن الدارجات النارية أو الهوائية استخدمت في عدد من الدول، وحتى في تونس، وهو ما حصل في العام 2012.

وأكّد الخبير الأمني أنّ التركيبة الكيميائية وكيفية الوصول إلى المواد التي تُصنع المتفجرات اليدوية منها، فتكون باعتماد مواد أولية متوفرة في السوق المحلية، موضحاً أن تونس بلدٌ فلاحي، وهناك مواد مثل "الأمونيتر" وأخرى تُروج في الأسواق ويسهل الحصول عليها. كما ذكّر زرمدين أن تونس مفتوحة أيضاً على ليبيا، والتي يسهل منها جلب أي مكونات إضافية يتم استغلالها لصناعة متفجرات يدوية، بسبب الأوضاع الأمنية هناك.

وأضاف العميد المتقاعد أن عملية يوم الجمعة الماضي تحمل "طابعاً داعشياً"، على الرغم من أن أي جهة لم تتبنها بعد، مبيناً أن أحد منفذي الهجوم من منطقة الكرم التي تبعد بضعة كيلومترات عن مكان الهجوم، ما يدل على أن هذه الجماعات تتحرك في محيطها. كما لفت إلى أن اختيار محيط السفارة الأميركية جاء لتوظيفه في الحرب الإعلامية.

وفي ما يتعلق بأداء تونس في مكافحة الإرهاب عموماً، أوضح زرمدين أن تونس خطت خطوات هامة في القضاء على قيادات متشددة بارزة وفضح شبكات التسفير واعتقال عناصر فارين وخلايا نائمة، والقبض على ما يسمى بالذئاب المنفردة، وهي نجاحات تكاد تكون يومية، محذراً في الوقت نفسه من أن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد.

بدوره، رأى الخبير المُختص في الجماعات الإرهابية، علية العلاني، أن هذه العملية جاءت مشابهة لعمليات سابقة وقعت في تونس، فهي لا تختلف كثيراً مثلاً عن عملية شارع بورقيبة في يونيو/حزيران 2019. ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهدف منها هو سعي التيارات المتشددة لمحاولة إثبات وجودها كعنصر تهديدٍ لا يزال قائماً. وأشار العلاني إلى أن الفشل الذي يعيشه تنظيم "داعش" في سورية والعراق، يجعله يتوجه إلى شمال أفريقيا، وبالنسبة لتونس تحديداً، فهو سعى إلى إفساد إحياء التونسيين "ملحمة بنقردان"، مستغلاً الهشاشة الأمنية في ليبيا في محاولةٍ لرفع منسوب الفوضى إقليمياً. وأكد الخبير الأمني أن العملية الانتحارية الأخيرة لم تنجح، لأن النتائج على مستوى الخسائر البشرية لم تأت كما خطط له (قتيل وخمسة جرحى).

 في المقابل لفت العلاني إلى أن الجديد قد يكون كمية المتفجرات المستخدمة، وانتشار الأشلاء على بعد أمتار عدة، كذلك اختيار محيط السفارة الأميركية مكاناً للاستهداف، وذلك للتأثير على المستويين الإعلامي والدولي. أما عن ارتدادات العملية، فتوقع الخبير الأمني أن تقود إلى تسريع النظر في قانون حماية الأمنيين في مجلس الشعب (البرلمان). كما أشار إلى ضرورة أن تفتح بعض الملفات المتعلقة بالظاهرة الإرهابية والتدقيق في كيفية صناعة مثل هذه المتفجرات وإماطة اللثام عن الشبكات التي شاركت فيها.

وفي هذا السياق، أفاد العلاني بأن سؤالاً لا يزال محيراً، وهو أن أحد الشخصين اللذين نفذا الاعتداء، تحول من محكوم بالسجن لمدة عام لتمجيد "داعش" إلى منفذ عملية انتحارية، ما يستوجب البحث في كيفية تعرضه لعملية "غسل دماغ" للوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة (تنفيذ عملية انتحارية)، وما إذا كان ذلك قد تمّ في السجن أو خارجه، مع ضرورة العمل على خطة لتأهيل مساجين المحبوسين على ذمة قضايا تشدد وإدخال تعديلات على السياسة السجنية، حتى لا تباغت تونس عمليات أخرى مشابهة في المستقبل.