تخيم سحابة القرار، الذي اتخذته واشنطن بفرض عقوبات مالية على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، على عملية البحث عن خليفة لها، ووصلت جهود الدول إلى طريق مسدود حول منصب أصبح يُنظر إليه على أنه هدف لسهام الغضب الأميركي.
ومن المقرر أن تجتمع الدول الأعضاء بالمحكمة البالغ عددها 123 دولة في نيويورك في السابع من ديسمبر/ كانون الأول، من أجل اختيار خلف للمدعية العامة فاتو بنسودا، وهي من دولة غامبيا، وتنتهي ولايتها في يونيو/ حزيران. ووُضعت قائمة مختصرة من أربعة مرشحين لولاية تستمر تسع سنوات، اختارتهم لجنة من الدبلوماسيين والخبراء من بين قائمة أطول كانت تضم 14 مرشحاً.
لكن رسالة كتبتها الهيئة الرقابية بالمحكمة، واطلعت "رويترز" على نسخة منها، تشتمل على بلاغ للأعضاء بأنه لا أحد من المرشحين الأربعة يحظى بالدعم الكافي. واقترحت الرسالة توسيع نطاق عملية البحث لتشمل جميع المرشحين الأصليين الأربعة عشر.
ويقول دبلوماسيون إنّ العقوبات الأميركية ليست السبب الرئيسي للخلاف على القيادة. لكن العقوبات أثارت المزيد من الاهتمام الدولي بالعملية، وأضافت زخماً إلى اعتراضات بعض الدول على القائمة المختصرة، وزادت من مخاطر معركة قد تترتب عليها أضرار.
وقال أحد الدبلوماسيين: "إنها العبارة التي طالما رددتها الولايات المتحدة بأن المحكمة الجنائية الدولية ليست مؤسسة قضائية، ولكنها مؤسسة سياسية. ستظل الأسئلة تطاردنا لتسع سنين حول ما إذا كان قرار اختيار المدعي العام الجديد سياسياً وليس قائماً على الجدارة والاستحقاق".
ويقول دبلوماسيون يناقشون عملية الاختيار طالبين عدم كشف هوياتهم، إن بعض الدول تقول إن المرشحين الأربعة الذين تم اختيارهم يفتقرون إلى المكانة الدولية اللازمة للوقوف في وجه واشنطن.
لكن دولاً أخرى تقول إنّ أي قرار يُتخذ بتغيير الإجراءات في مرحلة متأخرة من العملية، لن يؤدي إلا لتفاقم الوضع، وزيادة الانتقادات للمحكمة بأنها أصبحت مسيسة.
وفي رسالة وجهت لجميع الأعضاء نيابة عن سيراليون و12 دولة أفريقية أخرى، اعترض الموقعون على "الانحراف الصارخ عن مبادئ المشاركة الجماعية والشفافية والإنصاف واتخاذ القرارات بناء على الحقائق والمعلومات".
أثارت العقوبات المزيد من الاهتمام الدولي بالعملية، وأضافت زخماً إلى اعتراضات بعض الدول، وحولتها إلى عملية سياسية
وقالت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية المساعدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "نرى مخاطرة حقيقية في الانحراف عن الإجراء الذي تم اتخاذه لإبعاد شبهة التسييس عن انتخاب المدعي العام. أي عملية مقبلة يجب أن تضمن نظرة فاحصة إلى جميع المرشحين مع وضع الجدارة في الاعتبار".
وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلنت عن عقوبات مالية شخصية على بنسودا في سبتمبر/ أيلول، مشيرة إلى قرار المحكمة النظر في أنشطة القوات الأميركية في إطار تحقيق أوسع في جرائم حرب محتملة بأفغانستان.
وانتقدت بعض الدول الخطوة الأميركية ووصفتها بأنها إساءة استخدام لسلاح العقوبات ضد رئيسة هيئة عدالة دولية كبرى، بتدابير وإجراءات عادة ما يتم تطبيقها على الإرهابيين وأباطرة المخدرات ومنتهكي حقوق الإنسان.
والمحامون الأربعة في القائمة المختصرة لخلافة بنسودا هم موريس أنياه وهو أميركي نيجيري، وفيرجال جينور من أيرلندا، وسوزان أوكالاني من أوغندا، وريتشارد روي من كندا.
وبعد فرض العقوبات الأميركية، فوجئت بنسودا، وهي وزيرة عدل سابقة في غامبيا، بتجميد حساباتها المصرفية وإلغاء بطاقاتها الائتمانية.
(رويترز)