معارك محتدمة
على جانب ثانٍ، تنجح أسرة عراقية بالفرار من مناطق "داعش" حاملة معها خرقة بيضاء رفعتها الأم، بينما يحمل زوجها طفلين أحدهما لا يتجاوز عمره الشهرين يتقدّم صوبهم الجنود فيتأكدون من هويتهم ويستقبلونهم ويعطونهم الماء، ويأمر ضابط يجلس على كرسي سيارة جيب أن يعطوهم شيئاً يأكلونه. وعلى الجانب الغربي، تقوم وحدات تابعة للشرطة الاتحادية التي تشكّل مليشيا "بدر" قوامها الرئيس، بعمليات اعتقال وتنكيل لرجال بعد فصلهم عن النساء في قرية العينة التي نجحوا باقتحامها. ويحاول أحدهم أن يبلغ عناصر الشرطة الاتحادية، أن اللحية فرضها تنظيم "داعش" عليهم وأنهم مدنيون فلاحون في مزرعة قريبة، إلا أن الضرب بأعقاب البنادق على رؤوسهم وظهورهم كان أعلى من صوته وصوت الزوجات اللاتي يصرخن وبكاء الأطفال وهم يرون آباءهم واشقاءهم يُضربون بوحشية ويقادون للمجهول. ويقول ضابط إن "النساء والأطفال سيُنقلون إلى مخيم قريب، وهؤلاء (الرجال) سنعصرهم ونأخذ منهم معلومات ثم نقرر من يستحق الحياة ومن لا يستحقها".
من جهته، يشير العقيد عبدالرحمن الربيعي، من قيادة عمليات الجيش في نينوى لـ"العربي الجديد"، إلى أن المحاور تختلف في ما بينها، فكل قوة تتصرف وفقاً لرؤيتها للمعركة والجنود يحاولون إنهاء المعركة أحياء للعودة إلى منازلهم. ويضيف: "هنا الخوف من كلمة جبان تسود الجنود ولا أحد منهم يريد أن يوصف بهذا اللقب، لذا تجد الجميع يقاتل بلا تردد". التناوب في المعارك صفة الوحدات، فانسحاب فصيل من خط 14، وهي خطوط وهمية يرسمها الجيش عند كل تقدّم، لا يعني أنه تخلى عن المعركة، بل هي عملية تبادل بعد مضي ثماني ساعات على تواجد هذا الفصيل في أرض الاشتباك، ليحل محله فصيل آخر أخذ قسطاً كافياً من الراحة.
تقدّم على مختلف المحاور
يؤكد قائد الحملة العسكرية على الموصل، الفريق عبدالأمير رشيد يار الله، تحرير عدد كبير من القرى والمناطق الزراعية، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "عمر المعركة تحدده عوامل عدة على الأرض، لكن التنظيم بات يشعر أنه يخوض معركته الأخيرة وروح الانهزام موجودة في صفوفه". فيما تتحدث مصادر عسكرية عراقية أخرى عن وجود ما تصفها أوراقاً لـ"داعش" قد يستخدمها من بينها قذائف الكيماوي والهجمات الانتحارية الجماعية. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن سماء المدينة باتت تغطيها أكثر من 20 طائرة مسيرة للمراقبة على مدار الساعة لرصد تحركات التنظيم.
وتمكنت القوات العراقية، أمس الثلاثاء، من إكمال السيطرة على القرية 20 في محيط الساحل الغربي بمساحة تصل إلى نحو 22 كيلومتراً باتت موطئ القدم الجديد للقوات المهاجمة التي تعاني من تردي الطقس وانخفاض درجات الحرارة إلى نحو صفر مئوية، فضلاً عن تأخر وجبات الطعام عنهم لساعات في بعض الأحيان وقلة الوقود الخاص بالآليات العسكرية.
ويوضح آمر فوج التدخل السريع الثاني في الجيش العراقي، العقيد جعفر الخالدي، أنه تمت السيطرة على قرى الحراقيات والجماسة وعذبة وباخيرة والأبيض والكافور واللزاكة والبو جواري والإبراهيمية والشيخ يونس والقنيطرة والزكروطية والحسينية، إضافة إلى قرى صغيرة أخرى خالية من السكان منذ أشهر، فضلاً عن محطة للكهرباء ومجمّع سكني حكومي ودائرة سابقة لشرطة الطرق الخارجية. ويلفت إلى أن تلك القرى تقع خارج الساحل الغربي المعروف باسم الساحل الأيمن للموصل ولا تعد ضمن حدوده الإدارية إلا أنها المدخل الرئيس لاقتحام أول الأحياء السكنية، وتمثل تلك المناطق نحو 60 في المائة من مناطق محيط الساحل الغربي.
ومن المتوقع أن تنجح القوات المشتركة باقتحام المطار الدولي الواقع على أطراف الساحل الغربي بعد قصف عنيف ومكثّف شهده المطار ومحيطه أفقد التنظيم القدرة على التمسك به أكثر، وفقاً للعقيد الخالدي. ويلفت إلى أن "المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد ويجب أن نكون مستعدين لمعارك عنيفة مع التنظيم في أحياء الساحل الغربي الواحدة والستين على غرار ما شهدته أحياء الساحل الشرقي التي استغرقت السيطرة عليها نحو ثلاثة أشهر".
ارتفاع الضحايا المدنيين
في غضون ذلك، أكدت مصادر طبية عراقية محلية داخل الساحل الغربي للموصل، ارتفاع عدد القتلى المدنيين، خلال الساعات الاثنين والسبعين الماضية إلى 89 مدنياً من بينهم 32 طفلاً، فيما بلغ عدد الجرحى 134 مدنياً سقطوا بالقصف الجوي والصاروخي على المدينة. ورفض المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول التعليق على تلك الأرقام عندما وجهت "العربي الجديد" السؤال له حول الضحايا المدنيين في المعارك. وأكدت مصادر محلية أخرى تنفيذ تنظيم "داعش" جرائم إعدام جديدة طاولت سبعة رجال بتهمة التجسس لصالح القوات العراقية الموجودة على أطراف المدينة من المحور الغربي، وهو ما أكدته مصادر استخبارية عراقية.