مستقبل غامض بعد 29 عاماً من إعلان الاستقلال
للقبائل في صومالاند الكلمة الأولى في صياغة النظام
يبقى مستقبل صومالاند بيد السلطات المركزية في مقديشو
لا تزال "جمهورية صومالاند"، أو أرض الصومال الانفصالية المعلنة من طرف واحد، تمضي نحو دروب البحث عن الاعتراف الدبلوماسي منذ أكثر من 30 عاماً. وتتواصل الجهود المضنية من أجل تحقيق هذا الحلم المهيمن على الطبقة السياسية، رغم محطات التباين فيه. وطبقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً في مناطق أرض الصومال، فقد تفاوتت درجة التأييد للانفصال عن الصومال، بين مؤيد له ورافض. في المقابل، فإن الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم أرض الصومال فرضت الاستقرار الأمني في المنطقة التي تقدّر مساحتها بـ176120 كيلومتراً مربعاً. مع العلم أن عدد الأقاليم المنشقة عن الصومال لمصلحة أرض الصومال خمسة، وهي: أودال، وقوهي جالبيد، توغدير، سناغ، سول. وتحوّلت تلك الأقاليم إلى 6 في أرض الصومال وهي: عدل، توغدير، سناغ، سول، وتمّت تجزئة إقليم وقوهي جالبيد إلى إقليمين: ساحل ومارودي جيكس.
ونجحت أرض الصومال في إرساء استقرار سياسي وتأمين الانتقال السلس للسلطة منذ انتخاب محمد إبراهيم عقال أول رئيس لها عام 1993، مروراً بانتخاب طاهر ريالي كاهن (2003-2010)، وصولاً إلى انتخاب أحمد محمد محمود "سيلانيو" عام 2010، الذي انكفأ عن الترشح للانتخابات الأخيرة عام 2017، التي فاز بها موسى بيحي عبدي.
وعلى الرغم من كونها منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي من دون أن يُعترف بها كدولة، فإن لأرض الصومال صلات تجارية ودبلوماسية مع أكثر من 20 دولة، وآخرها إعلان فتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع كينيا. فقد أبدت نيروبي نيّتها افتتاح قنصلية لها في هرجيسا (عاصمة أرض الصومال) مطلع عام 2021، علماً أن لأرض الصومال مكتباً دبلوماسياً في نيروبي منذ عام 2018. وهو ما يعكس مدى تطور العلاقات الخارجية لهذا الإقليم في الفترة الأخيرة. وإلى جانب كينيا، فإن لأرض الصومال علاقات دبلوماسية مع إثيوبيا، التي افتتحت مكتباً لها في هرجيسا، وعلاقات دبلوماسية مع الإمارات، بالإضافة إلى وجود قنصلية تركية في هرجيسا، تابعة للسفارة التركية في مقديشو. ويُعدّ هذا بعضاً من علاقات هرجيسا الخارجية، رغم انقسام سكان أرض الصومال حول الانفصال، في ظلّ تأكيد الطبقة السياسية مراراً جديتها في الانفصال عن الصومال، معتبرة أن الوحدة معه عام 1960 بعد الاستقلال عن بريطانيا، كانت طوباوية ولم تجدِ نفعاً.
شيوخ القبائل... عمود الاستقرار
على وقع استمرار القتال بين القبائل في الصومال عقوداً طويلة، تمكنت القبائل في إقليم أرض الصومال من التوصل إلى اتفاق تاريخي جسّد نظاماً سياسياً مستقراً. وتنبع جذوره الأساسية من شيوخ القبائل الذين وضعوا ميثاقاً للصلح بين القبائل القاطنة في أرض الصومال لتقرير مصيرها.
لصومالاند صلات تجارية ودبلوماسية مع أكثر من 20 دولة
وحول هذا الملف، يقول الباحث في القضايا الاجتماعية نور الدين إبراهيم أوعبدي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن النظام السياسي في أرض الصومال يستمدّ جذوره من رجال القبائل والشعب، الذين عقدوا اجتماعاً مصيرياً في مدينة برعو (ثاني أكبر مدن صومالاند) عام 1991، وتم خلاله إعلان الانفصال عن الصومال. ويضيف أن اجتماعاً ثانياً عُقد في مدينة بورما بين رجال القبائل عام 1993، لكتابة ميثاق وطني، ومن أجل فرض مصلحة حقيقية بين القبائل للمشاركة في بناء نظام سياسي جديد. وقد اختير رجال القبائل المشاركون في هذا الاجتماع بعناية، منعاً لوقوع صدامات سياسية بين القبائل، وذلك بعد جمع أكبر قدر ممكن من قيادات العشائر المحلية، للتوصل إلى ميثاق وطني يمهد الطريق لكتابة دستور ونظام سياسي في المنطقة.
لكن الشيخ سلمان أحمد محمد، أحد زعماء قبيلة زبير أول في أرض الصومال، يوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن استقلال الصومال عام 1960، والوحدة مع صومالاند، تمّا بمبادرة من أبناء الشمال. ويلفت إلى أنه كان هناك حماسة منقطعة النظير لتحقيق حلم الوحدة والاستقلال بين أبناء الأمة الصومالية، بحكم تجانس اللغة والدين والثقافة، التي كانت عامل جذب للوحدة، إلا أن سوء التفاهم والخلافات بين الشماليين (صومالاند) والجنوبيين (الصومال)، تسبّب في خلق نزاعات سياسية وخلافات عميقة حول كيفية تقاسم السلطة.
ويشير إلى أن الثورة التي اندلعت في المناطق الشمالية، والتي قادتها "الحركة الوطنية الصومالية"، عانت صراعات سياسية في داخلها قبل الإطاحة بنظام سياد بري عام 1991. وبعد سقوط الدولة المركزية استمرت تلك الخلافات، لكن لولا رجال القبائل لفشلت جهود هذه الحركة في بناء نظام إداري مستقل في صومالاند. ويلفت إلى أن رجال القبائل ساهموا في إعادة توطين المشردين داخل البلاد بسبب الحروب الأهلية في الصومال إبان التسعينيات من القرن الماضي، لتنتقل صومالاند من حالة الحرب الأهلية إلى نظام سياسي، كان عماده الأساسي رجال القبائل. وينوّه إلى أن 70 في المائة من القضايا والخلافات والنزاعات في صومالاند يتم حلها من خلال رجال القبائل، الذين يملكون دوراً كبيراً في حلّ القضايا السياسية والجنائية، فنظام القبيلة هو جذر الاستقرار السياسي والأمني في صومالاند. وتقطن في صومالاند خمس قبائل كبيرة وهي الدولبهنتي، ورسنغلي، وإسحاق، وعيسى، وسمرون، إلى جانب نحو 12 قبيلة صغيرة. ولهذه القبائل مجلس شيوخ يتألف من 82 مقعداً، يتم انتخابهم مرة كل خمس سنوات، إلى جانب مجلس نواب ويتألف من 82 مقعداً أيضاً. ومن المقرر أن تجرى انتخابات نيابية في مايو/أيار المقبل، للمرة الأولى منذ عام 2005.
نزعة انفصالية
يُعدّ الانفصال عن الصومال قضية مصيرية بالنسبة للكثير من السياسيين وقيادات الأحزاب ورجال الدولة في صومالاند. وهي قضية تجسدت في استفتاء أجري عام 2001 للانفصال عن الصومال، صوّت فيه 97.1 في المائة من السكان لمصلحة الانفصال. لكن الاستفتاء لم يحظ بتأييد دولي أو إقليمي، بحجة أن الاعتراف به يبدأ من مقديشو.
في السياق، تنتقد مسؤولة ملف الاعتراف في صومالاند، أدن آدم في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، الدول التي ترفض الاعتراف بالمنطقة ككيان مستقل في القرن الأفريقي. وتتساءل عن سبب اعتراض جهود صومالاند لنيل الاعتراف، بينما تحظى مناطق أقلّ استقراراً وتعاني هشاشة في أنظمتها الأمنية وهيئاتها الإدارية، بالاعتراف الدبلوماسي. وتعتبر أن "الاعتراف الدولي لصومالاند أمر يخصّ الآخرين، وأساسه أن تستحق هذه الدولة الوليدة الاعتراف بها من قبل العالم. وهو يتجلى بما حققته صومالاند من إنجازات سياسية وأمنية في مناطقها. ولا بدّ أن نوجه السؤال إلى أولئك الذين لم يعترفوا بصومالاند، رغم جهودها في الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة لنحو ثلاثين عاماً".
أيّد 97.1% من سكان صومالاند الاستقلال عن الصومال عام 2001
وتشير آدم، التي تُعدّ رمز الانفصال عن الصومال، إلى أن إدارتها ستواصل جهودها في الحفاظ على الديمقراطية في تداول السلطة والحكم، والحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي، إلى جانب جهودها الساعية للتعاون مع دول المنطقة والعالم بسلام وبحسن الجوار. وتشدّد على أن صومالاند فعلت كل ما بوسعها من جهود لتنال الاعتراف، فهي أفضل من بعض الدول من حيث الاستقرار الأمني والسياسي. وترى أن مستقبل صومالاند مشرق، على الرغم من أنها لا تتمتع باعتراف دولي، لكنها ستبقى نظاماً ديمقراطياً ومستقراً أمنياً وسياسياً، أما فيما يتعلق بالاتحاد مرة أخرى مع الصومال فذلك أمر لن يحصل مستقبلاً.
يُذكر أن المفاوضات التي دارت بين الصومال وصومالاند منذ عام 2012، فشلت ولم تحقق نتائج مرجوة، بسبب تعنت صومالاند بخصوص مبدأ الانفصال، إلى جانب إصرار حكومة مقديشو على البقاء وعدم المبالغة في المطالب من قبل مفاوضي الطرف الآخر، وأن الصومال بلد واحد لا يتجزأ. وهي مواقف جعلت كل الوساطات الدولية والإقليمية تصل إلى طريق مسدود.
شارع منقسم
تتباين الآراء حول الانفصال عن الصومال بالنسبة لفئة الشباب في هرجيسا، إذ يرى كثر أن النمو الاقتصادي للإقليم أهم بكثير من نيل الاعتراف الدولي، بينما يرى آخرون أن الانفصال عن الجنوب وتحقيق اعتراف دولي قضية مقدسة. ويرى الشاب الجامعي أزاميل محمد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن استمرار المفاوضات بين الصومال وصومالاند أمر جيد "ويفرض علاقات قوية بين الجانبين. وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى اعتراف دولي بهرجيسا، ويمكّن من تحقيق نظام إداري جديد لإنهاء الانقسامات والتمييز بين الصوماليين. لكن في الوحدة تكمن قوة استقرارنا وتطورنا الاقتصادي". ويشير إلى أن "قضية الاعتراف بصومالاند تتطلب جهوداً كبيرة، ولا يتوفر ذلك المطلب من دون تحقيق اعتراف داخلي بمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، وأن الإنفاق العام لا بد أن يوجّه لحل مشاكل المجتمع، وليس لتمجيد قضايا لا تحقق لصومالاند شيئاً يذكر".
أما حسين جامع، فيرى أن حسن الجوار أمر مرحب به لتوطيد العلاقات التجارية بين مقديشو وهرجيسا. لكن التفاوض بين الجانبين سيبدّد الخلافات السياسية، فتعزيز الصلات بين الطرفين ضرورة حتمية في الوضع الراهن. ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن فرض انقسام سياسي بين هرجيسا ومقديشو شأن سياسي فقط، لكن العلاقات الأخوية مستمرة، والوحدة تقوّي أواصر العلاقات بين أطياف الشعب.
إلا أن علوي عبدي (60 عاماً) يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن أمل الحصول على اعتراف دولي وارد جداً، رغم مرور نحو 30 عاماً. ويؤكد أن هناك دولاً كانت تنتظر اعترافاً دولياً منذ عقود، لافتاً إلى أن إمكانية فرض وحدة مع الصومال انتهت بعد قصف نظام سياد بري مدينة هرجيسا عام 1988، والذي أدى إلى مقتل العديد من الأبرياء في صومالاند. ويعتبر عبدي أن السياسات والقوانين الدولية لا تستخدم إلا على الضعفاء، وأن هناك أزمات إقليمية وتحديات تواجهها صومالاند لنيل الاعتراف الدولي، ومنها التحالفات في القرن الأفريقي، والصراعات في إثيوبيا. ويشير تحديداً إلى جيبوتي التي ترفض مسألة الاعتراف بصومالاند، خوفاً على مصالحها الاقتصادية، نظراً للموقع الاستراتيجي لهرجيسا القريب من الممرات العالمية التي تمر بها التجارة الدولية.
علاقات متذبذة
وشهدت العلاقات بين الصومال وصومالاند منذ التسعينيات من القرن الماضي تذبذباً بسبب غياب سلطة فعلية في الجنوب الصومالي لفترة طويلة. ومع عودة النظام الإداري في الصومال مطلع عام 2010، بدأت العلاقات والمفاوضات تعود إلى طبيعتها، وأجريت أول مفاوضات في فترة الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد عام 2012 في دبي. واستمرت بعدها في عهد الرئيس حسن شيخ محمود بوساطة تركية وجيبوتية، مروراً بمفاوضات العام في جيبوتي. غير أن كل تلك الجهود فشلت، وعادت العلاقات إلى المربع الأول بين مقديشو وهرجيسا.
وحول ذلك، يقول رئيس الحزب الوطني في صومالاند عبد الرحمن عرو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن صومالاند استقلت من جديد عام 1991، لكنها لم تحصل على اعتراف دولي من أحد. أما عن العلاقات بين هرجيسا ومقديشو، فيشير إلى أنها بدأت منذ سنوات، وصومالاند مستعدة للتفاوض مع حكومة مقديشو دوماً. وبحسب مراقبين سياسيين، فإن العلاقات بين مقديشو وهرجيسا تمرّ بأسوأ مراحلها، منذ أن أوقفت الحكومة الصومالية عطاءات ومنح المجتمع الدولي لصومالاند عام 2018، والتي كانت تتم من دون علم السلطات المركزية في مقديشو، ما أسفر عن غضب هرجيسا، تحديداً بعد الإعلان عن مرور مساعدات الاتحاد الأوروبي المخصصة لها حالياً عبر مقديشو.
فشل الحوار مراراً بين هرجيسا ومقديشو
ويبقى مستقبل صومالاند بيد السلطات المركزية في مقديشو، والتي ترفض مسألة الانفصال عن الصومال. ومن أجل قطع الطريق أمام الإدارات في صومالاند، خصصت الحكومة الصومالية مقاعد نيابية في مجلسي الشيوخ والشعب، للحفاظ على تمثيلها السياسي، ولتبقى هرجيسا جزءاً من الأنظمة الفيدرالية التي تتألف منها الجمهورية الصومالية الفيدرالية. لكن هرجيسا لا تعترف بالسياسيين والنواب الذين يمثلون المناطق الشمالية في المجالس التشريعية والتنفيذية في الحكومة الصومالية، وتعتقل أولئك الذين يتقلدون مناصب نيابية أو وزارية ومدنية في مقديشو إذا وصلوا إلى أراضيها، حماية لسيادتها كما تقول.
وطبقاً لمراقبين فإن صومالاند تواجه مستقبلاً غامضاً ولا تزال تعيش في خلافات مستمرة مع حكومة مقديشو، في ظل تعافي الأخيرة وخروجها من نفق الأزمات الأمنية والسياسية. وهي مبررات كانت صومالاند تسوّقها أمام العالم، للظفر بالاعتراف الدبلوماسي. لكن عودة مقديشو التدريجية السياسية والأمنية، ستقوّض جهود صومالاند في فرض سيادة ذاتية وحكم منفصل يحظى بتأييد دولي عن الحكومة الصومالية.
وكانت صومالاند قد أعلنت استقلالها في 18 مايو/أيار 1991، بموجب مؤتمر برعو للمصالحة بين قبائل المنطقة، التي وقّعت ميثاقاً وطنياً يقرر العودة إلى الحدود الجغرافية قبل الاستقلال والوحدة مع الصومال عام 1960. مع العلم أن صومالاند تجاور الصومال من الشمال، ويحدّها من الشرق إقليم بونتلاند، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الغرب جيبوتي، وتملك ساحلاً مطلاً على خليج عدن بطول يبلغ 740 كيلومتراً. واختير محمد إبراهيم عقال (أول رئيس وزراء في الصومال عام 1960) عام 1993 رئيساً لصومالاند في مؤتمر بورما عام 1993، بعد عبد الرحمن تور الذي اختير رئيساً لفترة انتقالية لمدة عامين (1991-1993). وكان قائداً لـ"الحركة الوطنية الصومالية" ضد حكم سياد بري، ومُددت فترة عقال إلى عام 2002 بقرار من البرلمان المحلي في هرجيسا.
وفي عام 2000 أجري استفتاء عام في صومالاند على الدستور، الذي يجسد الانفصال عن الصومال. وأيد 97.1 في المائة من السكان الانفصال. وفي عام 2003 اختير طاهر ريالي كاهن (ضابط سابق في المخابرات الصومالية) رئيساً لصومالاند، وتأجلت الانتخابات في صومالاند مرتين في ولايته، حتى أجريت عام 2010. في عام 2017 فاز موسى بيحي عبدي (عقيد سابق في الجيش الصومالي) بالانتخابات على منافسه عبد الرحمن عرو من الحزب الوطني. يقدّر عدد سكان صومالاند بنحو 3.5 ملايين نسمة موزعين بين قبائل كبرى رئيسية وأخرى صغيرة، ونظام الحكم فيها برلماني. ويسمح الدستور بوجود ثلاثة أحزاب فقط، وهي حزب "كلمية" الحاكم برئاسة موسى بيحي عبدي، والحزب الوطني المعارض برئاسة عبد الرحمن عرو، وحزب "العدالة والتنمية" بزعامة فيصل علي ورابي.