للمرة الأولى منذ احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، حصلت المرأة العراقية على 97 مقعداً في الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، أي بزيادة 14 مقعداً عن الكوتا النسائية التي حدّدها الدستور بما لا يقل عن ربع عدد البرلمان.
ووفقاً للكوتا، فإن حصة النساء هي 83 مقعداً من المجموع الكلي لمقاعد البرلمان البالغة 329، إلا أن طبيعة قانون الانتخابات الذي قسّم العراق إلى دوائر انتخابية متعددة، واشترط أن تفوز في كل دائرة امرأة واحدة على الأقل، زاد من حظوظ النساء اللواتي حصلن على أكثر من 29 بالمائة من عدد المقاعد الكلي.
ومع زيادة عدد النساء في البرلمان، تبرز تساؤلات بشأن قدرة المرأة على شغل مناصب قيادية مهمة في الحكومة وبقية مؤسسات الدولة، وإنهاء حقبة تهميشها في المواقع التنفيذية المؤثرة التي دامت 18 عاماً، في ظل توقعات باستمرار رفض القوى المؤثرة في المشهد السياسي منح المرأة مواقع قيادية.
وقالت الأمينة العام لـ"الحركة المدنية الوطنية" شروق العبايجي، لـ"العربي الجديد"، إن نتائج الانتخابات أظهرت أن للمرأة حظوظاً كبيرة في المجال السياسي، مضيفة "عندما تكون القوانين والإجراءات سليمة، فهناك فرصة كبيرة للمرأة لتثبت جدارتها".
وتابعت "لكن الخشية من العقلية الذكورية المسيطرة على كل مفاصل الدولة، وخصوصاً المواقع المتقدمة"، مشيرة إلى أن "المرأة تحتاج إلى قوة وتنظيم عالٍ لتفرض إرادتها على المشهد السياسي". وبيّنت أن الأحزاب السياسية لا تعترف بقوة المرأة، مستبعدة حصول النساء على مواقع قيادية مهمة في الحكومة المقبلة، مثل وزارتي الدفاع والداخلية.
وأوضحت أن هاتين الوزارتين تقاسمتهما الكتل وفقاً للمحاصصة، من أجل تحقيق مصالح بعض القوى السياسية.
وبشأن عدم وجود أحزاب مهمة تقودها نساء، قالت العبايجي إن ذلك يعتمد على الأجندة التي يعتمدها الحزب، مؤكدة أن "الأحزاب ذات الأجندات المحدّدة تستبعد المرأة من قيادتها، وتقدم وجوهاً تخدم أجندات معينة". وتوقعت أن يكون البرلمان المقبل مشتتاً بالمجمل، وليست النساء البرلمانيات فقط، موضحة أن عدم وضوح الرؤيا واصطفافات الكتل البرلمانية أمور ستنعكس على النساء.
ويقتصر تمثيل المرأة في الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي تشكلت في مايو/ أيار 2020، على وزارتين هما الهجرة والمهجرين التي تشغلها إيفان فائق عن المكون المسيحي، ووزارة الإعمار والإسكان التي تشغلها نازنين محمد من "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
وقالت مسؤولة سابقة في وزارة المرأة، التي ألغاها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ضمن حزمة إصلاحات حكومية عام 2015، إن الوجود الشكلي للنساء لا يقتصر على حكومة الكاظمي، موضحة لـ"العربي الجديد" أن جميع الحكومات حرصت على تمثيل المرأة بوزارة أو اثنتين من أجل الترضية.
وتابعت: "جميع الوزارات التي منحت للمرأة كانت ثانوية، ولم يسبق للمرأة أن أصبحت وزيرة للخارجية، أو المالية، أو التخطيط، أو الدفاع، أو الداخلية"، مبينة أن المحاصصة والعقلية الذكورية حرمتا النساء من فرصة إثبات وجود المرأة القيادية على مستوى الوزارات وبقية المؤسسات التنفيذية.
هل تحول الثقافة السياسية للأحزاب دون منح المرأة حقوقها؟
وأوضحت النائبة السابقة نور البجاري أن الثقافة السياسية للأحزاب قد تحول مجدداً دون منح المرأة حقها في المناصب القيادية، على الرغم من حصولها على أكثر من حصتها البرلمانية المخصصة وفقاً للكوتا، مرجحة في حديث لـ"العربي الجديد" ألا تحصل المرأة في الحكومة المقبلة على أكثر من وزارة واحدة بهدف الترضية، مع أنها تستحق، ونجحت في المناصب التي أسندت إليها، على حدّ قولها.
وتابعت: "يجب أن تكون للمرأة حصة كبيرة في الحكومة المقبلة"، مؤكدة أن الحكومات المتعاقبة رفضت منح النساء مواقع قيادية. ومضت بالقول "إذا كانت لجنة الأمن في البرلمان لم تتقبل وجود امرأة فيها، فكيف يتقبلون منح المرأة منصباً مهماً؟"، مضيفة "الثقافة الموجودة والنظرة الذكورية تحول دون ذلك".
ولفتت البجاري إلى أن الأحزاب غالباً ما تعمل على إبعاد النساء عن قيادتها، موضحة أن هذه الأحزاب تقوم بإقصاء أي امرأة مميزة وتمتلك الخبرة، ولا تسمح لها برئاسة كتلة أو لجنة برلمانية، بحسب قولها.
واستدركت "الكرد فقط، وخصوصاً الحزب الديمقراطي الكردستاني، لديهم دعم للمرأة القيادية، ويمنحون النساء اللواتي يخسرن الانتخابات مناصب داخل الحزب"، مشيرة إلى وجود نساء يمتلكن الخبرة والكفاءة، لكن الأحزاب لا تفسح لهنّ المجال لمنافسة الرجال.
ولفتت إلى فشل النساء في التجارب السابقة في تشكيل كتلة برلمانية نسائية قوية، قائلة "قبل كل دورة برلمانية، تظهر فكرة تشكيل كتلة برلمانية نسوية، لكن لم تنجح تلك الأفكار حتى اليوم لأسباب عديدة. لا توجد كتلة نسوية فعالة على مدى أربع دورات انتخابية سابقة (بين 2005 و2018)".
وأعربت عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة بشرى العبيدي عن أملها في لعب المرأة دوراً مهماً في صنع القرار السياسي بعد زيادة عدد البرلمانيات في الانتخابات الأخيرة، مضيفة في تصريح صحافي أخيراً أنه "من الضروري أن يكون للمرأة حضور قوي في اللجان النيابية، وأن تتولى رئاسة اللجان المهمة، فضلاً عن التمثيل في اللجان التفاوضية والوفود التي تذهب إلى الدول وتولي المناصب في المنظمات الدولية".
وشددت على ضرورة أن "يكون صوت المرأة قوياً في البرلمان المقبل، لا سيما في قضية الدفاع عن قضاياها"، معبرة عن تأييدها لتشكيل النساء البرلمانيات كتلة نسوية في البرلمان الجديد.