في أول مبادرة سياسية من نوعها في العراق لحلحلة الأزمة التي فجرتها نتائج الانتخابات التشريعية التي أظهرت تراجعاً حاداً للقوى والكيانات السياسية الحليفة لإيران، أعلن زعيم "تيار الحكمة"، رجل الدين البارز عمار الحكيم، أمس الثلاثاء، عن مبادرة قال إنها تهدف لجمع القوى السياسية المتصدرة في الانتخابات والقوى المتقبلة للنتائج وتلك الرافضة لها، وتعتمد على التزام الأطراف كافة بآليات قانونية وسلمية في الاعتراض والتفاوض لمعالجة الأزمة الراهنة.
وأطلق الحكيم مبادرته في كلمة له في منتدى حواري بعنوان "السلام والأمن في الشرق الأوسط" في الجامعة الأميركية بمدينة دهوك في إقليم كردستان العراق، بحضور عدد من القيادات السياسية والرسمية، أبرزها الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس إقليم كردستان مسرور البارزاني، إضافة إلى شخصيات سياسية من بغداد.
المبادرة قائمة بالأساس على فكرة رفض إلغاء الانتخابات الحالية
وقال الحكيم حول مبادرته التي تأتي بعد يومين من إجرائه سلسلة لقاءات مع قادة كتل سياسية مختلفة في بغداد ضمن ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إن هذه "المبادرة الوطنية السياسية الموسعة، تهدف إلى جمع القوى الفائزة والمعترضة على طاولة النقاش، وتشمل المتقبل للنتائج والمعترض عليها، على أن تشارك فيها جميع القوى سواء كانت الكبيرة أو الناشئة أو المستقلة". ولفت إلى أن هذه المبادرة "ينبغي أن تؤدي إلى إعادة التوازن للعملية السياسية، من خلال اتفاق وطني جامع يقوم على أساس نقاط وتوقيتات واضحة وعملية"، من دون أن يكشف تفاصيل إضافية.
لكن مصادر مقربة من الحكيم أبلغت "العربي الجديد"، بأن المبادرة "قائمة بالأساس على فكرة رفض إلغاء الانتخابات الحالية، والتوجه نحو التهدئة، وإبعاد الشارع عن الأزمة من خلال وقف التصعيد، ورفض دعوات تشكيل حكومة أغلبية سياسية".
وقال أحد هذه المصادر في حديث مقتضب عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، إن المبادرة "تحمل بنوداً لطمأنة القوى الرافضة لنتائج الانتخابات بشأن المرحلة المقبلة، وما زالت قابلة للتعديل أو إضافة بنود عليها، لكنها تشير إلى عدم المساس بالحشد الشعبي ورفض دعوات دمجه بالجيش والشرطة، وتأكيد المحافظة على كيانه، وإعادة النظر خلال المرحلة المقبلة في قانون الانتخابات، واختيار مفوضية انتخابات جديدة يصوّت عليها البرلمان، فضلاً عن الاتفاق على حكومة توافقية عبر ترشيح رئيس وزراء توافق الكتل السياسية الشيعية عليه، ويتم الاطلاع على برنامجه الحكومي". وأكد المصدر أن "القوى السنية والكردية أبلغت الحكيم بأنها لن تذهب مع فريق سياسي وتقاطع فريقاً آخر في الأزمة الحالية بين الكتل الشيعية، وأنها تنتظر التوافق على رئيس للحكومة، لقاء التصويت له". وعما إذا كان قادة كتل "الإطار التنسيقي" موافقين على المبادرة، قال المصدر إن "قسماً مهماً منهم لديهم علم بها".
لكن العائق الأبرز هو "التيار الصدري" المتصدر لنتائج الانتخابات، إذ إن المبادرة التي أطلقها الحكيم تحتاج لاقتناع زعيم التيار، مقتدى الصدر، بها، وكذلك إقناعه بخيار الحكومة التوافقية التي يتخلى بموجبها عن امتياز الفائز الأول بهذه الانتخابات، إضافة إلى مسألة الجلوس مع قادة تحالف "الإطار التنسيقي"، وتحديداً الذين تتعارض توجهاته معهم، على رأسهم نوري المالكي وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.
واعتذرت أكثر من شخصية محسوبة على "التيار الصدري"، عن الحديث لـ"العربي الجديد"، حول مبادرة الحكيم، عازية ذلك إلى انتظار موقف من مقتدى الصدر بشأنها. لكن أحد المصادر قال إن "الكتلة الصدرية هي الفائزة بالمركز الأول وفق النتائج الأولية للانتخابات، وأي مبادرة تنتزع حقوقها في هذا الإطار، لن تكون عادلة". وأوضح المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "قانون الانتخابات لا يسمح بتشكيل تحالفات قبل تشكيل الحكومة، لكنه يسمح بالتوصل إلى تفاهمات، وبالتالي، فإن الطرف الوحيد الذي يحق له قانونياً تشكيل الحكومة هو التيار الصدري، والتنازل عن هذا الحق سيحول الانتخابات إلى مجرد غطاء غير محترم، تجري من خلفه توافقات سياسية وهو ما سيضعف ثقة الشارع بالانتخابات بشكل عام".
وتأتي مبادرة الحكيم مع خفض الفصائل المسلحة وقوى "الإطار التنسيقي"، وما تملكه من وسائل إعلام ومنصات إلكترونية، حدة لهجتها تجاه مفوضية الانتخابات، واجتماع زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، مع مبعوثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، مساء أول من أمس الإثنين، مع تسريبات تتحدث عن احتمال قيام الأخيرة بزيارة إلى طهران في الفترة القريبة لمناقشة الأزمة.
المبادرة تحتاج لإقناع مقتدى الصدر بخيار الحكومة التوافقية
من جهته، رأى رئيس حزب "المواطنة" غيث التميمي، أن "حكومة التوافق بين الأحزاب الشيعية ستتحقق في النهاية"، مضيفاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "ما يحدث حالياً من ارتباك في المواقف والطروحات والمد والجزر، يأتي في إطار المحاولات للضغط على الأطراف الفائزة بأكبر نسبة من المقاعد، من أجل حثها على الحوار".
وأكد التميمي أن "الحكومة الجديدة ستشارك فيها جميع القوى السياسية الفائزة والمعترضة، وفقاً لاعتبارات النفوذ والتأثير السياسي. وبالتالي، فإن السيناريوهات المقبلة، حتى وإن شهدت الساحة توترات على مستويات الخطاب الإعلامي أو الاحتجاجات، إلا أنها ستقترب في النهاية من الحل، عبر التوافق على اختيار رئيس الحكومة وحصص الأحزاب، وهو تقريباً نفس ما حصل إبان تشكيل حكومة عادل عبد المهدي عام 2018، لكن ستكون الغلبة هذه المرة في الحصة لمصلحة الكتلة الصدرية، باعتبارها صاحبة المركز الأول".
بدوره، يرى رئيس "مركز التفكير السياسي"، إحسان الشمري، أن "المبادرة التي أعلن عنها الحكيم، تأتي في إطار استكمال جهود القوى الوسطية التي ينتمي إليها الحكيم، وهي مبادرة تسبق احتمال لجوء قوى الإطار التنسيقي مرة أخرى للتصعيد بعد إعلان النتائج النهائية، ولكن لا نعرف ما هو موقف التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، ولا سيما أن القوى الخاسرة تبحث من خلال التوافق مع الصدر على مساحة في السلطة". وأوضح الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكيم يريد اجتماعاً بين الخاسرين والرابحين، أي ليس فقط مع الصدر، إنما أيضاً مع الأحزاب ذات الطابع السني والكردي، وهذا ينسف مفهوم الديمقراطية وما أفرزته نتائج الانتخابات، وليس هناك أي آلية قانونية أو دستورية لتعويض الخاسرين، سواء في المقاعد البرلمانية أو المناصب، وأي خوض في عملية تعويض للقوى الخاسرة، سيكون على حساب شكل الديمقراطية في العراق".