بعد قرابة ثلاثة أشهر على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس للعراق ولقائه مسؤولين كباراً في البلاد، وزيارة عدد من المدن والمواقع المهمة، من أبرزها سهل نينوى شمال شرقيّ الموصل، أكد الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، عدم تحقيق تقدم في أيٍّ من القضايا المتعلقة بحل المشاكل التي تعاني منها مناطق مسيحيي العراق ومدنهم.
وأوضح ساكو في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لغاية الآن لم يحصل أي تقدم في ما يتعلق بمخرجات زيارة البابا فرنسيس للعراق، بشأن عودة النازحين المسيحيين إلى مناطقهم أو إعادة العقارات الخاصة بهم التي تسيطر عليها بعض الجهات والجماعات المتنفذة، أو إخراج المسلحين من مناطقهم، وغيرها من القضايا المهمة، كإعمار الكنائس والاهتمام بالسياحة الدينية للديانة المسيحية"، معتبراً أن الأمر "بحاجة إلى إرادة سياسية عراقية".
ورجح أن "يكون تطبيق خريطة الطريق لزيارة البابا للعراق في ما يتعلق بالقضايا الحقوقية والعامة لمسيحيي العراق، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة وتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أن الجميع الآن منشغل في أجواء الانتخابات".
وتحدث في الوقت نفسه عن وجود "انقسامات وصراعات وتنافس غير شريف على المال والسلطة"، كأحد أسباب عدم تحقيق أي تقدم في هذا الملف.
وفي وقت سابق، أكد مسؤولون عراقيون طرح البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق عدة قضايا مهمة، من أبرزها إنهاء نفوذ المليشيات المسلحة الحليفة لإيران في مناطق سهل نينوى، ذي الغالبية العربية المسيحية.
بالإضافة إلى تشكيل لجنة قضائية لمراجعة ملف الاستيلاء على أملاك المسيحيين الخاصة والعامة، من المنازل والعمارات والمتاجر، وصولاً إلى الكنائس والأديرة والأوقاف الدينية المسيحية المختلفة، سواء في بغداد أو في المحافظات الأخرى، فضلاً عن مسألة إعادة الاعتبار للمكوّن المسيحي ضمن الموازنة في أجهزة الدولة ومؤسساتها.
في السياق، قال رئيس كتلة الوركاء، جوزيف صليوا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل سيطرة الجماعات المسلحة وغياب سلطة الدولة والقانون عن بعض المدن العراقية، التي يوجد فيها المسيحيون، بكل تأكيد لن نرى أي تطبيق لأي دعوة أطلقها البابا فرنسيس أو غيره".
وبين صليوا أن "الجماعات المسلحة تسيطر على مناطق ذات غالبية مسيحية في محافظة نينوى، لأهداف عدة، منها سياسية بهدف سرقة أصوات الأهالي وفرض إرادة القوة عليهم لاختيار شخصيات موالية لهذه الجماعات، وكذلك أهداف التغيير الديمغرافي وغيرها".
وأضاف أننا "نتوقع أن ما يريده البابا فرنسيس سيبقى دون أي تطبيق خلال الفترة الحالية، وتطبيق هذا الأمر من خلال عودة النازحين وإعادة عقارات المسيحيين وإخراج الجماعات المسلحة من مناطق الوجود المسيحي يتطلب إرادة سياسية وحكومية جادة، وهذا الأمر لا نجده متوافراً".
وزار البابا فرنسيس، مطلع مارس/ آذار الماضي، مدن بغداد والنجف وذي قار وأربيل والموصل، وكذلك سهل نينوى ضمن محافظة نينوى المنكوبة شمالي العراق، وأسهمت زيارته في تسليط الضوء على ما يعانيه المسيحيون في هذا البلد.
وتراجع عدد العراقيين المسيحيين إلى أقلّ من 500 ألف مواطن خلال السنوات الأخيرة، بعدما كان يقارب مليوني مواطن نهاية تسعينيات القرن الماضي، وذلك بحسب آخر إحصاء سكّاني أجري قبل الغزو الأميركي للبلاد (عام 2003).
وهاجر معظم هؤلاء إلى دول غربية مختلفة، واستقر الكثير منهم في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسويد ضمن برامج لجوء وفّرتها تلك الدول للأقليات الدينية في العراق، بعد معاناة كثيرة عاشوها بعد عام 2003، واعتداءات ممنهجة بحقّهم مارستها جماعات تكفيرية ومليشيات مسلحة، خصوصاً عقب انتهاء مرحلة احتلال "داعش" لمدن نينوى، التي سبّبت موجات نزوح ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ العراق.