العراق: عودة خطر المواجهة في الشارع

12 اغسطس 2022
يواصل أتباع التيار الصدري الاعتصام داخل البرلمان (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

تعود الأزمة السياسية في العراق، إلى الشارع اليوم الجمعة، مرة جديدة، وذلك مع التظاهرات التي ينتظر خروجها لأنصار قوى "الإطار التنسيقي"، التحالف الجامع للكتل والأحزاب المدعومة من طهران، قرب المنطقة الخضراء في بغداد، حيث يعتصم أنصار التيار الصدري داخل المنطقة منذ نحو 3 أسابيع.

يأتي هذا وسط مخاوف من حصول عمليات احتكاك وصدام بين جمهور الطرفين خصوصاً بعدما دفعت المهلة التي أعلن عنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للقضاء العراقي لحل البرلمان قبل نهاية الأسبوع المقبل، إلى تجميد مساعي حل الأزمة، من خلال فتح قنوات حوار بين "التيار" و"الإطار". 

وحدد "الإطار التنسيقي"، في بيان أمس الخميس، موعد انطلاق تظاهرات أنصاره، عصر اليوم الجمعة، على أسوار المنطقة الخضراء من جانب الجسر المعلق. 

قيادي بالتيار الصدري: خطوات تصعيدية بعد انتهاء مهلة الصدر

ودعت "اللجنة التنظيمية لدعم الشرعية والحفاظ على مؤسسات الدولة" التي شكلها "الإطار" قبل فترة "جميع العراقيين المحبين لوطنهم ودولتهم إلى المشاركة الفاعلة (في التظاهرات) من أجل المطالبة باحترام مؤسسات الدولة، خصوصاً التشريعية والقضائية، ومنع الانفلات والفوضى والإخلال بالأمن والسلم المجتمعي".

كما دعتهم إلى "المطالبة السلمية بتشكيل حكومة خدمة وطنية، تخفف معاناة الناس من نار الغلاء وشح الماء وانقطاع الكهرباء، وتقوم بإقرار موازنة الدولة لتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفقر، وتأخذ على عاتقها مسؤولية إنجاز مشروع ميناء الفاو الكبير وباقي المشاريع المتلكئة، ويكون لها دور حقيقي في مساندة الفلاحين والنهوض بالزراعة، وتحارب الفساد عبر تفعيل دور النزاهة والرقابة المالية وغير هذا من الأمور التي تهم العراق والعراقيين". 

دعوة "محبي الإصلاح" للتظاهر اليوم

في موازاة ذلك، كتب صالح محمد العراقي، الذي يعرف بـ"وزير الصدر"، في تغريدة أمس الخميس، أن "على محبي الإصلاح الاستعداد لدعم الإصلاح، وذلك بتجمع حاشد كل في محافظته غداً (اليوم) الجمعة، والبقاء حتى إشعار آخر". وأشار إلى أن هذا الأمر يأتي "لإغاظة الفاسدين وملء الاستمارات القانونية لتقديمها إلى القضاء من أجل حل البرلمان". 

وكان الصدر، قد دعا أول من أمس الأربعاء، السلطة القضائية إلى حل البرلمان في مدة لا تتجاوز نهاية الأسبوع المقبل. وشدد على أن "القضاء على المحك، ونأمل منه أن يراعي مصلحة الشعب، وألا يهاب الضغوط التي تمارس عليه"، ملوحاً بالتصعيد بخلاف ذلك.

تقديم دعوى للمحكمة الاتحادية لحل البرلمان

وتحدث قيادي بارز في التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، عن أن مهلة الصدر للقضاء العراقي جاءت بعد تقديم دعوى للمحكمة الاتحادية العليا لحل مجلس النواب، بسبب إخفاقه في تشكيل الحكومة الجديدة منذ عشرة أشهر. 

وأوضح أن موعد جلسة المحكمة سيكون في 18 الشهر الحالي (أي مع نهاية مهلة الأسبوع)، مشيراً إلى أن هذه الدعوى أقامها عدد من الشخصيات المرتبطة بالتيار الصدري وآخرون مستقلون، بالإضافة إلى محامين.

وبين القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لديه معلومات عن وجود ضغوط تمارس على القضاء، وخصوصاً المحكمة الاتحادية، لإصدار قرارات قضائية تصب في خدمة الإطار التنسيقي. والمهلة التي وضعها الصدر للقضاء هي لكشف تلك الضغوط وتوضيح كل شيء أمام الرأي العام". 

وأضاف أنه "بعد انتهاء مهلة الصدر، وعدم إصدار قرار قضائي بحل مجلس النواب، ستكون هناك خطوات تصعيدية من قبل التيار الصدري. والقضاء لن يكون بعيداً عن هذا التصعيد من خلال الاعتصام أمام مبناه، لحين إصدار قرار بحل البرلمان، وكذلك الضغط على رئيس الجمهورية (برهم صالح) لاستخدام صلاحياته الدستورية المتعلقة بحل مجلس النواب وتحديد موعد الانتخابات المبكرة". 

تجميد حراك حل الأزمة

وأكد أن مهلة الصدر للقضاء وإصراره على حل البرلمان "جمّدا الحراك السياسي الساعي لحل الأزمة، وأنهيا محاولات تحقيق لقاءات مباشرة بين الطرفين"، في إشارة إلى "الإطار التنسيقي" والتيار الصدري.

أمير الدعمي: مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، لا يملكان أي صلاحية لحل مجلس النواب

من جهته، قال عضو تحالف "الإطار التنسيقي" النائب عارف الحمامي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "قوى الإطار ترفض زج القضاء في الصراع السياسي. كما تعارض أي رسائل تهديد له من قبل أي طرف سياسي". 

وأضاف أن "تظاهرات أنصار الإطار تأتي لمعارضة هذا التهديد، والتأكيد على اتخاذ الطرق الدستورية والقانونية لحل كافة الخلافات السياسية". 

وبين الحمامي أن تحالفه "مُصر على أن حل الأزمة الحالية يتم عبر عودة البرلمان للعمل، والاتفاق السياسي لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة. ومن دون تحقيق هذه الشروط، لا يمكن الذهاب لحل البرلمان، كما لا يمكن فرض رأي جهة سياسية على آراء كل القوى السياسية". 

وأضاف أن "الإطار التنسيقي لا يريد أي احتكاك أو تصادم مع جمهور التيار الصدري من خلال تظاهراته على أسوار المنطقة الخضراء، بل يريد رفض سياسة التهديد والإقصاء وفرض الإرادات. والتظاهرة ربما تتحول هذه المرة إلى اعتصام مفتوح أمام (المنطقة) الخضراء، وهذا ما ستقرره قيادات الإطار خلال الساعات المقبلة".

أما الخبير في الشأن السياسي العراقي علي البيدر فقال، لـ"العربي الجديد"، إن "تكرار التصعيد في الشارع العراقي من قبل الإطار التنسيقي بالتظاهر قرب المنطقة الخضراء، مع وجود الصدريين داخلها، يثير الكثير من المخاوف من حصول عمليات احتكاك أو صدام بين جمهور الطرفين". 

وحذر البيدر من أنه "في ظل الاحتقان السياسي، ووصول العملية السياسية إلى طريق مغلق لا يمكن فتحه، فهذا قد يدفع إلى الصدام، وهذا الصدام ربما يتحول إلى صدام مسلح، خصوصاً أن طرفي النزاع يملكان أجنحة مسلحة، ولهما سيطرة على الشارع في العاصمة بغداد وباقي المحافظات العراقية". 

وأكد أن "على كافة الأطراف السياسية إبعاد الأزمة السياسية والصراع والخلافات عن تحشيد الشارع. فهذا التحشيد ربما يدفع إلى أمور لا تحمد عقباها. ووصول الأمور إلى هذه المرحلة سوف يُخرج الوضع عن سيطرة كافة القيادات السياسية". 

واعتبر البيدر أن "حل الأزمة السياسية لا يكون إلا من خلال حل البرلمان، وبخلاف ذلك فالتيار الصدري سوف يصعد من احتجاجاته الشعبية يوماً بعد يوم للضغط لتحقيق مطالبه. وهذا الحل وقتي وليس دائماً للأزمة، التي ربما تتكرر بعد الانتخابات المبكرة الجديدة".

لا صلاحية لدى القضاء لحل البرلمان العراقي

وحول إمكانية حل المحكمة الاتحادية للبرلمان بقرار قضائي، قال الخبير القانوني أمير الدعمي، في تصريح صحافي، إن "مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا في العراق، لا يملكان أي صلاحية لحل مجلس النواب. وصلاحية حل المجلس بيد المجلس نفسه حصراً وفق المادة 64 من الدستور العراقي". 

وبين الدعمي أن "المادة 64 من الدستور العراقي تؤكد أن يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية. ولا يجوز حل المجلس أثناء مدة استجواب رئيس الوزراء".

ويبدو أن تحشيد الطرفين أثار مخاوف كبيرة لدى الحكومة العراقية والقيادة العسكرية. وأكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال اجتماع الحكومة، استعداده لتسليم السلطة لأي حكومة منتخبة. 


حذّر وزير الدفاع الجيش من الانجرار باتجاه الأزمة السياسية

ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن الكاظمي قوله: "قدمنا مبادرة لاقت استحسان أغلب الكتل السياسية في العراق، ونحن مستعدون لتسليم السلطة لأي حكومة منتخبة، وفي اللحظة التي تتفق فيها الكتل السياسية".

وكان الكاظمي قدم، مطلع الشهر الحالي، مبادرة سياسية لتجاوز حالة الجمود المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة. ودعا الأطراف السياسية، في بيان حينها، إلى "حوار وطني" عبر تشكيل لجنة تضمّ ممثلين عن كلّ الأطراف لوضع خريطة طريق لتجاوز الوضع الحالي. 

وقال الكاظمي، أمس الخميس، إن "العراق يواجه مشكلة سياسية حقيقية في مرحلة ما بعد الانتخابات، وهي بحاجة إلى حل، والحل يتطلب الحوار". ودعا "الجميع إلى الحوار بكل جدية لأنه الحل الوحيد" لمشاكل العراق. 

واعتبر الكاظمي أن "اللجوء إلى أساليب التصعيد الإعلامي وإشاعة الفوضى، والإحباط لدى الناس، لن يساعد في بناء التجربة الديمقراطية الحديثة". وأكد "أهمية الحفاظ على نظامنا الديمقراطي وتصحيح المسارات الخاطئة إن وجدت، وتصحيح أو تغيير فقرات في الدستور بالتوافق بين كل أبناء الشعب العراقي".

تحذير قادة الجيش

وحذّر وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، أمس الخميس، قادة الجيش من الانجرار باتجاه الأزمة السياسية التي تعصف في البلاد، نتيجة التصعيد والتحشيد الشعبي بين "التيار الصدري والإطار التنسيقي"، مشدداً على حيادية ومهنية العمل العسكري. 

وأكد عناد، خلال اجتماع عبر الدائرة التلفزيونية مع قادة العمليات والفرق في الجيش، بحضور معاوني رئيس أركان الجيش، وقائد القوات البرية، ومدير الاستخبارات العسكرية، ووفقاً لبيان للوزارة، أن "البلد يمر بظروف عصيبة سببها الانسداد السياسي، ويجب الابتعاد عن المناكفات السياسية، وأن يكون القادة على مسافة واحدة من الجميع، وألا يركنوا إلى جهة ضد أخرى". 

وأشار إلى أن "واجب المؤسسة العسكرية هو حماية الوطن والشعب، وكل يعمل ضمن حدود مسؤوليته، وأن حماية التظاهرات هي مسؤولية القادة حسب حدود المسؤولية". وشدد على "عدم الانجرار وراء الفتنة، والتصرف بحكمة وحيادية".