استمع إلى الملخص
- داخليًا، أثرت قضية "التنصت" على العلاقات السياسية، وأصدرت المحكمة الاتحادية قرارات معقدة بشأن انتخابات إقليم كردستان، مما أدى إلى تأجيل تشكيل الحكومة في الإقليم.
- تسببت قضية "التنصت" في أزمة سياسية، حيث اتهمت شخصيات مقربة من رئيس الوزراء بالتورط، مما هدد التحالفات السياسية، وسط توقعات بتهدئة الأوضاع قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
لم يكن عام 2024 هادئاً بالنسبة إلى الأحداث السياسية والأمنية في العراق. فقد تأثر بعوامل خارجية، وأبرزها تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وإطاحة نظام بشار الأسد، وما تخلل هذه الفترة من هجمات من الأراضي العراقية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري، والقواعد العسكرية المستضيفة للقوات الأميركية في البلاد، وصولاً إلى الأجواء العراقية التي تحولت إلى ساحة لتبادل الهجمات بين إيران والاحتلال الإسرائيلي.
ويُضاف إلى ما ذكر أعلاه عدة ملفات داخلية معقدة، أبرزها قضية "التنصت" والتسريبات الصوتية التي أطاحت مسؤولين وتعمقت المشاكل السياسية فيما بين الأحزاب من جهة، والحكومة والأحزاب من جهة ثانية، فيما رأى مراقبون ونشطاء تصاعداً ملحوظاً في الخطاب الطائفي بين السياسيين.
وأولى الأزمات التي بدأت مطلع عام 2024، كانت صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بإلزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بتنظيم وإجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان، شمالي البلاد، وتعقّد قضية اختيار رئيس البرلمان العراقي لأشهر، بعد إقالة رئيس البرلمان الأسبق محمد الحلبوسي على خلفية اتهامه بالتزوير، فضلاً عن قرارات المحكمة الاتحادية التي أغضبت الحزب الحاكم في أربيل، عاصمة الإقليم، بشأن عدم دستورية بعض من مواد قانون انتخابات برلمان كردستان، ومنها إلغاء مقاعد كوتا الأقليات الـ11 وتقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية.
كذلك قررت إلزام الحكومتين الاتحادية والإقليم بوجوب توطين رواتب موظفي الأخيرة لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم، لكنها ألغيت فيما بعد وجرت الانتخابات في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، التي أظهرت فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وهو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو ما يُمكّن الحزب من الاحتفاظ برئاسة الإقليم والحكومة مرة أخرى، إلا أن الحكومة في الإقليم لم تتشكل، رغبة من الحزبين الحاكمين في الإقليم، بانتظار الانتخابات البرلمانية الاتحادية وتقسيم الحصص أولاً في بغداد، ثم التوجه لتشكيل حكومة الإقليم.
وجاء في الأحداث البارزة، زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في شهر إبريل/ نيسان الماضي، لواشنطن ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، التي حملت معها ملفات ثنائية عديدة، كان أبرزها ملف الانسحاب الأميركي. وفي الشهر نفسه التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجرت مناقشة ملفات كثيرة بضمنها المياه وتصدير النفط من إقليم كردستان وطريق التنمية والتعاون الاقتصادي والمصرفي وملف الأمن المشترك. عقب ذلك، أعلنت الخارجية العراقية جدولاً زمنياً لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي، في موعد لا يتجاوز نهاية أيلول 2025.
وبدخول العراق منتصف العام 2024، عيّنت الأمم المتحدة محمد الحساني مندوباً لها خلفاً لجنين بلاسخارت بعد موافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على إنهاء مهمة الأمم المتحدة السياسية في العراق. عقب ذلك، شهدت البلاد جدلاً واسعاً بخصوص ما يُعرف محلياً بـ"القضايا الخلافية"، وأبرزها مشروع قانون "العفو العام"، ومشروع قانون "الأحوال الشخصية"، الذي تطالب به قوى برلمانية فيما ترفضه قوى أخرى، كذلك شهدت الأوساط المدنية والشعبية احتجاجات مستمرة بخصوص هذين المشروعين.
وفي 19 أغسطس/ آب الماضي، اعتقل الأمن العراقي "شبكة تنصت وتزوير" يقودها المقرّب من السوداني، محمد جوحي، وتضم موظفين وضباطاً، حسب تصريحات أدلى بها النائب مصطفى سند، الذي قال إن "(شركة زين) وشركة (آسيا سيل) للاتصالات أثبتتا بالدليل القاطع للقضاء العراقي وجود تنصت وتجسس على بعض النواب والشخصيات السياسية عام 2023 و2024، وأن الشخصيات المتورطة موظفون ومقربون أيضاً من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهم "حيدر ليث السوداني، مدير مديرية الإنصات في جهاز المخابرات، وحيدر شياع صبار السوداني، شقيق رئيس الوزراء، وهو الآن هارب في تركيا، وعبد الكريم السوداني، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، وشخصية كبيرة رابعة".
وتسببت قضية "التنصت" بأزمة سياسية كبيرة بين الأحزاب الداعمة للحكومة والمشاركة فيها، وقد هددت التحالفات مع رئيس الوزراء، وظهرت لهجة جديدة ضد السوداني، ولا سيما أن مصادر سياسية وأخرى من القضاء أشارت إلى أن "التنصت شمل أفراداً من عوائل سياسيين وزعماء أحزاب وفصائل مسلحة"، لكن في ديسمبر/ كانون الأول، قال السوداني في جلسة عقدت في البرلمان العراقي، إن "قضية التجسس والتنصت هي كذبة القرن ولا تستند إلى أي شيء".
وقال النائب المستقل في مجلس النواب جواد اليساري، إن "الوضع السياسي في العراق يتأثر بالأحداث الداخلية أياً كان شكلها، حتى وإن كانت اضطرابات اجتماعية، أو تطورات أو أزمات خارجية، ولعل عام 2024 هو أكثر الأعوام تطوراً بالمشهد الإقليمي، بداية من اشتداد الحرب على غزة والحرب على لبنان، ثم إسقاط نظام بشار الأحد، بالتالي فإن كل ذلك يؤثر في المشهد الداخلي في البلاد"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "السياسة ليست مستقرة دائماً، وأعتقد أن المرحلة السابقة كانت خطيرة على كل المستويات، ويبدو أن الأمور متجهة للتهدئة على الأصعدة والمستويات والمجالات كافة".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة كربلاء خالد العرداوي، مع اليساري، في التهدئة المتوقعة خلال الفترة المقبلة، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "المرحلة المقبلة، ستشهد تثبيتاً للاستقرار على مستوى الوضع الداخلي العراقي، وكذلك الإقليمي، خصوصاً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سيكون حاضراً فيها، وهناك ملفات كثيرة ستُحسَم في المنطقة. أما بالنسبة إلى العراق، فإن الاستعداد للانتخابات البرلمانية قد يبدأ قبل منتصف عام 2025، لأجل إنهاء المشاكل السياسية واختيار حكومة جديدة".
بدوره، لفت المحلل السياسي محمد علي الحكيم، إلى أن "أزمة التنصت وفضائح التسجيلات والتسريبات الصوتية للمسؤولين والمستشارين في الحكومة، هزّت أركان النظام السياسي، ودخول القضاء العراقي على الخط لأجل حسم هذه المشكلات، كان اللافت في القضايا السياسية، إذ ظهر القضاء بقوة من أجل إنهاء المهازل التي عصفت بالحكومة الحالية، وهي المدعومة من تحالف الإطار التنسيقي الذي قد يتفكك في الانتخابات المقبلة"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "تداعيات أزمة التنصت قد تتواصل خلال الفترة المقبلة، كذلك فإن مشاكل أخرى ستظهر، ولعل أبرزها قلة السيولة المالية لدى العراق، وما قد يواجه رواتب الموظفين من مشكلات قد تكون غير مسبوقة".